العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ

نداء للتسامح ونبذ التطرف وافتعال الحروب في العالم

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

خلق الله الإنسان وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل. فقد خلق الإنسان ومنح العقل ليعترف بربوبية الخالق، فقال جل من قائل في سورة الذاريات: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: 56) فالآية واضحة وتشير إلى البشرية جمعاء. وقد أرسل الله الأنبياء والرسل لهداية البشر ولعبادة الواحد القهار جل جلاله، فجاءت الديانات: اليهودية، والمسيحية، والإسلامية بكتب سماوية تدعو إلى الاعتراف بوحدانية خالق الكون ومدبره. كما تواجدت في عالمنا هذا بعض الأديان الوضعية كالبوذية والهندوسية وغيرها. وتدعو جميع الأديان إلى التسامح والمحافظة على النفس البشرية واحترامها، ونبذ التشدد والتطرف والتعصب الأعمى.

وقد شهدت البشرية عبر تاريخها ولاتزال تشهد بروز جماعات شاذة تدعو إلى التعصب والتطرف وتكفير الجماعات الأخرى التي تختلف معها في الدين والعقيدة والفكر، على رغم وجود ديانات مختلفة ومذاهب مختلفة ضمن الدين الواحد من الأمور المسلم بها. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أصبح هذا الإنسان مسلماً؟ أو مسيحياً؟ أو يهوديا؟ أو بوذياً؟ والجواب أن تربية الطفل ووجوده وسط أسرة مسيحية تقوم على رعايته وتربيته يصبح بالتأكيد مسيحياً. والأمر ينطبق على المسلم واليهودي والهندوسي وغير ذلك من الديات الأخرى. وبصورة أوسع ينطبق الأمر ذاته على اعتناق المذاهب ضمن الدين الواحد كأن يكون كاثوليكياً أو بروتستانتياً في المسيحية، أو شيعياً أو سنياً بالنسبة للمسلمين.

إن أول من واجه مشكلة صراع الأديان والمذاهب وفكر في حل صراعاتها هو جلال الدين أكبر؛ الحاكم المغولي المسلم الذي حكم الهند. فقد جمع علماء من جميع الأديان السماوية والوضعية وأبلغهم برغبته في المناقشة الجادة والحوار الجيد لمعرفة الدين الأمثل ليتم تطبيقه في دولته. وقد واجه جدلاً محتدماً، ونقاشاً حاداً بين أصحاب الأديان لم يتوصلوا إلى توافق فيما بينهم، واعتبرت كل فئة هي صاحبة الدين الحق.

وعندما يئس من وجود توافق فيما بينهم، اجتمع بأصحاب الأديان كل على حدة وأراد معرفة المذاهب الصحيحة في تلك الديانات، إلا أنه واجه جدلاً عسيراً بين أصحاب المذاهب المسيحية، والإسلامية واليهودية، وحاولت كل فرقة إثبات أنها صاحبة المذهب الصحيح.

لقد توصل جلال الدين أكبر إلى أن جهوده لم تثمر عن شيء أمام تعصب أصحاب الديانات والمذاهب، فامتطى صهوة جواده وانطلق في الصحراء يفكر في الخالق وفي الكون وفي المخلوقات. وتوصل بعد تأمل شديد إلى فكرة «الدين الإلهي» وبهذا يتم شمل الجميع على دين واحد... إلا أن فكرته لم تلقَ قبول أصحاب الأديان، فحاول نشر ثقافة التسامح بين جميع أبناء البشرية كبديل للدين الإلهي.

وتعد فكرة التسامح أهم عنصر في استقرار البشرية ونشر العدل والمساوات بينهم وبناء العلاقات الإنسانية. وقد عبر الإمام علي عليه السلام عن مفهوم التسامح بين البشر، فقال قولته المعروفة والتي تبناها خبراء الأمم المتحدة، مبيناً أن الإنسان «إما أن يكون أخاً لك في الدين أو نظيراً لك في الخلق» وهذه أعلى رتب التسامح لأنها تعني العدل والمساوات واحترام الغير والمحافظة على النفس البشرية وعدم الاعتداء عليها، حيث إن من بين أهم عناصر التسامح تحريم قتل النفس.

لقد حرم الله قتل النفس فقال جل من قائل: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» (المائدة: 32).

وفي المقابل تسود دول العالم اليوم مآسٍ تنفطر لها القلوب تتمثل في قتل الإنسان لأخيه الإنسان من دون مسوغ أو مبرر. وقد انتشرت الظاهرة في جميع أنحاء الكرة الأرضية... تخف في بعض البلدان وتزداد في بعضها الآخر. فقد شهدت البشرية منذ بدء بزوغ الحضارات أي منذ خمسة آلاف سنة وحتى عصرنا الحالي العديد من الحروب على اختلاف أنواعها، فهناك حروب استغرقت وقتاً قصيراً، وهناك حروب استمرت لسنوات عديدة قتل خلالها الملايين من البشر. كما أن الكثير من الحروب التي حدثت في التاريخ القديم أدت إلى تدمير العديد من البلدان ومحوها من الخريطة، حيث يقوم المنتصر بإذلال من تبقى في تلك البلدان من النساء والرجال والأطفال... فتسبى النساء ويتحول الرجال إلى طبقة عبيد لا حقوق لهم، وهذا ما حدث في الحروب التي دارت بين الفرس والروم، وبين الاسكندر الأكبر وبقية دول العالم التي غزاها وانتصر عليها، وبين القائد البابلي «نبوخذ نصر» الذي غزى اليهود في فلسطين وأجبرهم على النزوح إلى بابل. كما أن تاريخ العرب في الجاهلية شهد العديد من الحروب بين القبائل استمر بعضها لأكثر من أربعين عاماً.

وقد ودع العالم القرن العشرين ولاتزال ذكرى الحربين العالميتين التي راح ضحيتهما الملايين من البشر في أوروبا وبعض دول آسيا ماثلة للعيان. كما شهد العالم في القرن العشرين الحروب التي دارت بين العرب والإسرائيليين والحرب الفيتنامية، والحرب الكورية، والحرب بين الهند وباكستان، وحرب الخليج الأولى والثانية، والحرب في أفغانستان حيث قتل مئات الآلاف من البشر.

وشهدت البشرية في هذه الأيام المذابح التي جرت في ميانمار، والأحداث المؤسفة في العراق وسورية وفي نيجيريا، كما شهدت البشرية قبل ذلك أحداثاً جسيمة في البوسنة والهرسك وفي لبنان. ويضاف إلى ذلك ما تشهده بعض البلدان المتقدمة الآمنة وخاصة بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية حيث يقوم شخص معتوه بتصويب مسدسه تجاه مجموعة من الطلبة أو المارة، وفي بعض المجمعات التجارية فيقتل من دون رحمة مجموعة من البشر. كما يتخوف العالم اليوم من نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، وبين كوريا الشمالية والجنوبية، كما أن التوتر بين اليابان والصين على بعض الجزر في بحر الصين الجنوبي مصدر قلق للعالم.

والمتبحر في أسباب الحروب التي نشبت قديماً وحديثاً وراح ضحيتها الملايين من البشر نجدها متفاوتة... فبعضها لأسباب اقتصادية وسياسية، وبعضها لأسباب توسعية ومن أجل الهيمنة والتسلط، كما يرجع سبب بعضها إلى النزعات القومية والدينية، وأخرى نتيجة القهر والحرمان وأشدها نتيجة التعصب والتطرف. وأن الحروب التي تشن بسبب التطرف والتعصب الأعمى أخطر من بقية الحروب الأخرى، لأن التعصب والتطرف داء لا يمكن علاجه إلا بتغلب العقل وانتشار ظاهرة التسامح. فالتشدد وقود مستمر لإطالة الحروب والأزمات وجلب المصائب والويلات على جميع أبناء البشرية التي تقع ضمن تلك البؤرة.

فالحروب الصليبية راح ضحيتها عشرات الآلاف من المسلمين والمسيحيين كان سببها التعصب الأعمى، ومحاولة المسيحيين المتشددين آنذاك القضاء على المسلمين. وقد لقي المسلمون في إسبانيا بعد سيطرة الأسبان على الأندلس القتل، والحرق، وتدمير تراثهم الفكري والثقافي نتيجة تعصب الأسبان وتشددهم. وشهدت دول أوروبا نفسها في القرن السادس عشر الميلادي صراعاً بين البروتستانت والكاثوليك أدى إلى قتل العديد من أبناء الدين الواحد. ويوثق كتاب «قصة الحضارة» لمؤلفه ول ديورانت الحروب الطائفية التي حصدت الأرواح في غمرة نشوء نزعة التعصب والتشدد. وقد انتهت تلك الحروب بين أبناء الدين الواحد إلى بروز ظاهرة الإصلاح الديني الذي كان يعني التسامح بأجلى صوره، وفصل الدين عن الدولة، وأدى ذلك إلى استقرار دول أوروبا وتطبيق الديمقراطية التي أخذت دول العالم تنظر إليها بإعجاب كبير.

وكما اكتوت أوروبا بنار الحرب المذهبية والطائفية، اكتوت الدول الإسلامية بهذه الحرب، وحاول المصلحون القضاء على تلك النعرات الطائفية والعمل على نشر مفهوم التسامح بين مذاهب الدين الواحد، إلا أن المتعصبين والمتشددين والمتطرفين من تلك المذاهب يرونها حرباً مقدسة، ناسين أو متناسين حرمة قتل النفس المحترمة.

ومن المفجع حقاً أن يقوم أحد المسلمين بتفجير نفسه وسط جمع من المسلمين الذين يختلف معهم في الفكر والمذهب، فيقتل ويدمر ويخرب، وييتم ويرمل، ويعد ذلك تقرباً إلى الله. فقد خلق الله الإنسان ليعمر هذا الكون ويتعاون مع أخيه الإنسان في البناء والتطوير. وأصبحت الدول التي تتمتع بروح التسامح دولاً مزدهرة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وعمرانياً. لذا فإن احترام الإنسان لأخيه الإنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه، وعرقه، ولونه، ونشر ثقافة التسامح... جميعها عناصر تؤدي إلى بناء الأمم ونهضتها وازدهارها على أسس متينة وقوية. فإلى متى تحدث معجزة انتشار ثقافة التسامح بين المسلمين فيتم القضاء على أصحاب الفكر التكفيري المتطرف من أي طرف، ويتجه أبناء الأمة الإسلامية والعربية منها إلى بناء الدولة العصرية الحديثة كما فعلت شعوب الدول الصناعية المتقدمة التي تنعم بالازدهار في جميع الميادين، وبالأمن والأمان نتيجة تطبيقها لمفهوم «التسامح».

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 3656 - الأحد 09 سبتمبر 2012م الموافق 22 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:59 ص

      الأسلام الاصيل

      الأسلام الذي يأخد من مصادره الصحيحه لا يكفر او يقتل علي الهويه أو المذهب لكن أسلام المصالح والحكام الجائرين هو الذي يفعل ذلك وهذا التاريخ شاهذ علي ذلك حيث قامت ممالك ودول باسم الذين علي رقاب المسلمين من قتل وسفك وهتك وغيرها والي الأن يقتل الناس على الهويه والمذهب لرفع راية الكفار بذل راية الأسلام .

اقرأ ايضاً