العدد 3738 - الجمعة 30 نوفمبر 2012م الموافق 16 محرم 1434هـ

زمن العَصَاعِيص

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

العُصْعُص أو العُصعوصُ في قاموس اللغة هو أَصل الذَّنَب، وطبياً هو عظم صغير في نهاية العمود الفَقاريّ في الإنسان والقردة العليا؛ ويتكون من التحام ثلاث فقرات أَو أَربع مختزلة في نهاية العجز من الحوض. ويقال إن العُصْعُص أول ما يُخلق وآخر ما يبلى في الإنسان المستقيم. وعصعص هو النكد قليل الخير أو قوي البنية أيضاً. وجمع العُصْعُص هو عَصَاعِيصُ، إلا أنه في المثل الشعبي عندنا نقول: «الروس نامت والعصاعص قامت»، وهو يعني أن الكبار ذوي الشأن قد ضعفوا أو ذهبوا، والصغار قد برزوا وظهروا على السطح.

وهذا لعمري ما ينطبق على الواقع العربي اليوم الذي لا تدري أهو صحوة أم ردة، أهو ربيع أم خريف بزمهرير مزعج يُساقط أوراقه بنفسه قبل اصفرارها.

حال متغير صنعته الجماهير العربية بواقعية، وأمسكته العصاعيص بلولبية، كشفتها أحداث غزة الأخيرة. في وسط هذه الأجواء تحوّلت الثورات الحقيقية التي كان من المؤمل أن تقشع الضباب الشتوي بربيعٍ مُزهر، إلى خريف مزعج نبتت على أغصانه بعض العصاعيص النباتية المؤذية بشوكها أو الفطريات القاتلة حقاً بطعمها. وبذا صار للذَّنَب في هذا الوطن الذي لم يكن أحد ينظر إليه ولو مجرد نظرة لأنه في مؤخرة الجسم العربي؛ شأن ورنة وتفاخر علني بقيادة وبروز ولو من المؤخرة. فقد توقعنا بعد حراك الربيع الثوري، الذي أُكل بليل سريعاً، أن تكون ردة الفعل على العدوان الصهيوني على غزة مؤخراً أكثر قوة وفاعلية بل وبثورية حقيقية مادية، على الأقل من دول الثورات الربيعية، التي لم نرَ حماسها حتى اللحظة بالتهديد والوعيد بكل اللغات والأدوات إلا لدول عربية بعينها، كانت صديقةً ذات يوم، ولكنها تعاني من حراك غير واضح المعالم حتى اللحظة ضاع بين المظلومية والتبعية.

لم تُخيب ردة الفعل العربية في العدوان الصهيوني الأخير على غزة أمل الشعوب العربية فقط، بل حتى المعلق الصهيوني في القناة العاشرة لتلفزيون الكيان الغاصب، إذ قال بالفم المليان إن العرب «مجرد نعاج»، وذلك في معرض تحليله للاجتماع الوزاري الذي عقده القادة في القاهرة بشأن غزة، قائلاً: «إنهم كانوا هناك يستمتعون بأكل البقلاوة اللذيذة، بينما أرسلوا فقط برقيات التعازي إلى غزة». وأضاف المحلل الإسرائيلي، في القناة العاشرة، موجهاً حديثه للصهاينة: «»اطمئنوا فإن القادة المجتمعين في القاهرة لن يغيّروا شيئاً في المعادلة، وإن خطاب أردوغان مجرد كلام إنشائي يُعجب الجمهور، وإن جميع القادة يجلسون منذ أيام في القاهرة ويأكلون البقلاوة اللذيذة ويرسلون تعازيهم إلى غزة».

والسؤال هو: لماذا تراجع زمن القيادات السياسية الفاعلة والمؤثرة سواء بكاريزميتها النفسية أو جرأتها في المواقف أو ردة فعلها الوطنية الحقيقية أمام مثل هذا الحدث الذي هزّ الضمير العالمي قبل العربي والإسلامي؟ أين زمن القادة العرب أمثال جمال عبدالناصر وقبله سعد زغلول أو مصطفي كامل أو أحمد عرابي أو محمد عبده، وغيرهم. هل عقمت الأرحام عن ولادات، وتربية قيادات، بمثل تلك التي ناطحت الغرب طويلاً في فترة ما أُطلق عليه «الاستعمار الأوروبي للوطن العربي»؟ ولماذا انتهى عهد الرؤوس الكبار ذوي الشأن وبدأ زمن «العصاعيص» التي لن تكبر أبداً مهما حاولت أن تمتد بجلدها وأعضائها لأن ذلك ضد الطبيعة خلقاً وخُلقاً بحسب التفسير الطبيعي والطبي لهذه الظاهرة العربية حصرياً.

ألا يحتاج الأمر من المثقفين والمنظرين والأكاديميين العرب الأفاضل دراسة علمية اجتماعية تربوية نفسية قيادية شاملة تُضخ لمؤسسات المجتمع التربوية والتدريبية والأسرية أو في أدنى المراتب، لغرف القرار السياسي العربي ومستشاريه، إن وجدوا، كي يستفيدوا منها في تفريخ القيادات المجتمعية السياسية المنشودة لقيادة المرحلة القادمة قبل أن تنقلب المفاهيم على يد «العصاعيص» ونصحو ذات صباح لنجد «الاسكيمو»، وليس العصابات الصهيونية، هي عدونا الأول الذي يهدّد الوطن العربي ليل نهار بسبب امتلاكها لكتل جليدية مدمرة للمياه العربية، سوف تسبب في سد منافذ النفط، لو تدحرجت ذات يوم ووصلت إلى مداخل بحارنا شبه المغلقة!

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3738 - الجمعة 30 نوفمبر 2012م الموافق 16 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:29 ص

      ضحكته

      قصدك العصايص إلي عندنا قامت

    • زائر 4 | 2:28 ص

      ضحكته

      قصدك العصايص إلي عندنا قامت

    • زائر 3 | 1:54 ص

      استاذنا الجليل ماذا عن العناصيص

      نعم العناصيص الرجاء تنويرنا بورفة بحث عن العناصيص
      كثر الله امثالكم وشكرا

    • زائر 2 | 1:25 ص

      الاأمر لا يحتاج الى دراسة

      هؤلاء هم سيبقون كما هم الا ان يبعث الله من هم غيرهم .

    • زائر 1 | 1:11 ص

      سلمت يمينك ..في الصميم

      مقال متناهي الابداع .. استاذي الفاضل ..
      اصبت عينَ الحقيقة

اقرأ ايضاً