العدد 3762 - الإثنين 24 ديسمبر 2012م الموافق 10 صفر 1434هـ

النسخة المصرية والنسخة التركية (1)

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المشهد الأول/ داخلي: مطلع الخمسينيات من القرن العشرين بعد قيام ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، يشاهد المرشد العام لجماعة الإخوان حسن الهضيبي، وهو المرشد الثاني للجماعة بين أعوام (1949 - 1973)، يقدم إخطاراً عن الجماعة لوزير الداخلية شخصياً تضمن أن «الإخوان جمعية دينية دعوية، وأن أعضاءها وتكويناتها وأنصارها لا يعملون في المجال السياسي، ولا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات».

المشهد الثاني/ خارجي: بعد انتهاء الحرب الباردة بين الغرب الأميركي والشرق السوفياتي، خلفية المشهد لقطات فيديو متحركة لعدو عالمي جديد هو «الإسلام الراديكالي الجهادي»، يظهر أحدهم بلباس إسلامي قديم يمثل دور مولاهم (جلال الدين الرومي) وهو ينشد: «تعال أيّاً يكن من تكن، سواء كنت كافراً أو مؤمناً أو وثنياً، معبدنا ليس مكاناً لليأس، تعال حتى لو حنثت مئة مرة بقسمك»!

ثم يدخل ممثل آخر من الصوفيين الأتراك يرفع شعاراً وهو ينشده: «أريد أن أحرق الجنة وأطفئ جهنم لأعرف من يعبد الله حباً به، لا خوفاً من الجحيم أو يأساً من إمكان الوصول إلى الجنة».

بين هذين المشهدين نحن أمام نسختين من الإسلام الحديث، أحدهما عربي من مصر وصل لسدة الحكم مؤخراً باسم جماعة الإخوان، وآخر غير عربي من تركيا قام على جذور إسلام تركي اقتبس من الصوفية النزعة السلمية، فقرر تعاطي السياسة بصفة معتدلة، ربما تجد فيها كل شيء إلا الإسلام الحقيقي.

النسخة الأولي أساسها جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في الإسماعيلية برئاسة حسن البنا العام 1928 كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته، وما أودعه مرشدها الأول حسن البنا بين أعوام (1928 - 1949) في جذور المجتمع المصري من أصول فكر الإخوان الذي بدأت جذوره في شبه الجزيرة العربية مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، وسرعان ما تسرّب إلى مصر بعد عقد من الزمن فقط.

والنسخة الثانية من الإسلام الحديث مفكّرها هو الداعية الإسلامي التركي فتح الله ?ولن، وعنوانها الحاكم هو حزب «العدالة والتنمية» اللذين يتعرضان لحملات شديدة على الإنترنت اليوم باعتبارهما يقدمان نموذجاً للإسلام الناعم، غير الجهادي، وهو إسلام ينال إعجاب الغرب لأسباب أخرى إضافية لا علاقة لها بالدين أو الثقافة. وبذلك يصبح فتح الله ?ولن هو المرجعية الدينية السياسية التي تفرخ الأتباع لما يسمي جزافاً «الإسلام السياسي» التركي؛ وإن كان نجم الدين أربكان هو المهندس البارع لنصف قرن تقريباً للنسخة الإسلامية التركية.

وليس مصادفة أن يصبح اسم حركة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، بعد وصولها للحكم، مستمدة من النسخة التركية «الحرية والعدالة»، مقابل «العدالة والتنمية» التركية. مع العلم أن موقع الإخوان الرسمي يعرف الجماعة بأنها «جماعة من المسلمين، تدعو وتطالب بـ (تحكيم شرع الله)، والعيش في ظلال الإسلام، وهى جزء من تيار الإخوان المسلمين العالمي».

مع أن الاختلاف بين النسختين في المشهدين له تبعات عدة، حيث نجد أن مؤسس النسخة المصرية حسن البنا يرفض الدستور المدني الوضعي والنظام النيابي على أساس أن دستور الأمة هو القرآن، كما أبرز مفهوم القومية الإسلامية كبديل للقومية المصرية. كما رفض البنا، ضمن بيانه المعروف بالنور وشمل خمسين مطلباً من المطالب العملية التي بُنيت على تمسك المسلمين بإسلامهم وعودتهم إليه في شأنهم؛ بشكل قاطع الحزبية وأعلن عداءه للأحزاب السياسية، إذ اعتبرها ما هي إلا نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية، وأنه لا حزبية في الإسلام.

لكن النسخة المصرية القديمة أعلنت ولاءها وأملها في «ملك مصر المسلم» من سلالة محمد على باشا الألباني. ومن هنا تم توطيد العلاقة بين القصر والجماعة بشكل مستمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عندما بدأ الملك فاروق يخشى من سطوة هذه الجماعة نتيجة قوة الأعداد الكبيرة التي انضمت إليها والتي أصبحت تنافس بها شعبية الوفد وقوة الأسلحة التي استخدمتها الجماعة أثناء حرب فلسطين.

بينما نجد الإسلام في النسخة التركية هو نسخة إسلامية قادرة على التوفيق بين التقاليد الدينية والحداثة في القوانين والاقتصاد والمجتمع. إسلام يحمل إرثاً من الصوفية على الطريقة التركية التي تؤمن بأنك عندما تبحث عن الله، ابحث عنه في قلبك، فهو ليس في القدس ولا في الحج. وهو توجه فكري في رأي الغرب يمثل ثورةً ثمينةً في الإسلام، كان يجب تشجيعها بدل حظرها كي لا تُستبدل بالإسلام الراديكالي المرفوض من الغرب.

ومع أن الإسلام التركي عموماً، يحمل بذور اللاعنف، وهو بهذا يختلف نوعاً ما مع تيارات الإسلام الجهادي وخصوصاً العربية منها، إلا النسخة التركية أن نفسها صارت تشجع العنف بيد جماعات أخرى تستجلبها اليوم إلى الحدود السورية العربية وتموّلها لأهداف أضحت واضحة المعالم. بينما النسخة المصرية شاركت منذ البداية وساندت بشكل مباشر وبقوة ثورة 23 يوليو التي قام بها تنظيم الضباط الأحرار في مصر. إذ كان الإخوان الهيئة المدنية الوحيدة التي كانت تعلم بموعد قيام الثورة، وهم القوة الشعبية الوحيدة التي كان يعتمد عليها ضباط الجيش لتأمين الدولة ومواجهة الإنجليز، حيث كان تنظيم الضباط الأحرار يضم جميع الاتجاهات والأفكار السياسية من ضباط الجيش المصري وقتها. كما أن مجلس قيادة الثورة آنذاك قد أصدر قراراً بحل جميع الأحزاب السياسية في البلاد مستثنياً جماعة الإخوان المسلمين لكونها كانت تقدّم نفسها «كجماعة دينية دعوية».

وهنا يقول المفكر السوري، صادق جلال العظم؛ صاحب كتاب «نقد الفكر الديني»، الذي راج في السبعينيات من القرن الماضي، عن الإسلام التركي: «هناك الإسلام التجاري للطبقة الوسطى الذي ينتشر بصورةٍ خاصةٍ لدى البورجوازيين في الدول الإسلامية، ومن الممكن أن يتحوّل هذا الإسلام إلى إسلام المجتمع المدني المسلم عموماً. إنه إسلامٌ معتدلٌ ومحافظٌ لا يقف عائقاً في طريق التجارة أو إتمام الصفقات. إسلام يخشى مُصلحي العالم من اليساريين، ويخشى كذلك المتحمّسين الإسلاميين الراديكاليين، وهذا النوع تأثيره على العالم العربي واضح جلي».

فكيف ستؤثر هاتان النسختان للإسلام الحديث على الديمقراطية الحديثة في المنطقة؟ وما هي خطورة استنساخ مثل هذه النماذج على مستقبل الوعي الشعبي والحكم في الساحة الربيعية العربية تحديداً؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3762 - الإثنين 24 ديسمبر 2012م الموافق 10 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:44 ص

      وهذا النوع تأثيره على العالم العربي واضح جلي».

      فكيف ستؤثر هاتان النسختان للإسلام الحديث على الديمقراطية الحديثة في المنطقة؟ وما هي خطورة استنساخ مثل هذه النماذج على مستقبل الوعي الشعبي والحكم في الساحة الربيعية العربية تحديداً؟

    • زائر 1 | 5:43 ص

      وهذا النوع تأثيره على العالم العربي واضح جلي». (1)

      وهنا يقول المفكر السوري، صادق جلال العظم؛ صاحب كتاب «نقد الفكر الديني»، الذي راج في السبعينيات من القرن الماضي، عن الإسلام التركي: «هناك الإسلام التجاري للطبقة الوسطى الذي ينتشر بصورةٍ خاصةٍ لدى البورجوازيين في الدول الإسلامية، ومن الممكن أن يتحوّل هذا الإسلام إلى إسلام المجتمع المدني المسلم عموماً. إنه إسلامٌ معتدلٌ ومحافظٌ لا يقف عائقاً في طريق التجارة أو إتمام الصفقات.

اقرأ ايضاً