العدد 3834 - الأربعاء 06 مارس 2013م الموافق 23 ربيع الثاني 1434هـ

حول السياسة الخارجية الأميركية (5)

جون كيري

وزير الخارجية الأميركية

لا يمكننا اختيار متى نرغب في التوقف والعودة لممارسة مسئوليتنا العالمية، أو ببساطة الانتظار إلى أن يقول لنا التقويم الزمني بأن الوقت أصبح أكثر ملاءمة. إن ذلك ليس بالأمر السهل، لكن الاستجابة هي الشيء الوحيد الذي تستطيع أميركا القيام به. وأقول لكم، إن الأمر يستحق ذلك.

إن استثماراتنا الصغيرة نسبيًا في هذه البرامج - البرامج التي تدفع السلام والأمن والاستقرار قُدمًا حول العالم، والتي تساعد الشركات الأميركية على المنافسة في الخارج، والتي تخلق فرص عمل هنا في الوطن من خلال فتح أسواق جديدة أمام السلع الأميركية، والتي تدعم المواطنين الأميركيين في الخارج، وتساعدهم عندما يكونون في أمَسِّ الحاجة إلى المساعدة، والبرامج التي تعزز الاستقرار في المجتمعات وتنقذ الأرواح من خلال مكافحة الأمراض والجوع، والتي تدافع عن الحقوق الأساسية لجميع الناس، وتقدم الحرية والكرامة والتنمية في جميع أنحاء العالم، والبرامج التي تجمع بين الناس سويّة والدول سويّة، وتقيم شراكات لمعالجة المشاكل التي تتجاوز فاصل المحيطات والحدود الأرضية، والبرامج التي تحمي كوكبنا من أجل أطفالنا وأطفالهم، والبرامج التي توفر الأمل لنفوس جيل جديد من المواطنين العالميين المترابطين بينيًا - إن كلفة استثماراتنا في جميع الأشياء هي كما ذكرت للتو، نحو سنتًا واحدًا من كل دولار نستثمره. أميركا، لن تجدي صفقة أفضل من هذه في أي مكان.

والآن، إنني مدرك بشكل خاص بأنه وفقًا للعديد من النواحي، إن التحدي الأكبر الذي يواجه السياسة الخارجية الأميركية اليوم ليس في أيدي الدبلوماسيين، بل في أيدي صانعي السياسات في الكونغرس. وكثيرًا ما يقال إنه ليس بإمكاننا أن نكون أقوياء في الوطن إذا لم نكن أقوياء في العالم، ولكن في هذه الأيام تلوح في الأفق مسألة إصدار الميزانية، التي يرغب الجميع في تجنبها -أو معظمهم- لا يمكننا أن نكون أقوياء في العالم ما لم نكن أقوياء في الوطن. فمصداقيتي كدبلوماسي يعمل لمساعدة الدول الأخرى في إنشاء نظام يكون الأقوى عندما تُنظم أميركا، في نهاية المطاف أوضاعها المالية، وهو ما يتعين القيام به الآن.

فكروا في الأمر. إنه من الصعب أن نقول للقادة والزعماء في أي بلد من البلدان بأن عليهم حل مشاكلهم الاقتصادية إذا كنا لا نستطيع حل مشاكلنا. دعونا نتوصل إلى اتفاق مسئول لمنع هذه التخفيضات التي لا معنى لها. لا تدعونا نضيع هذه الفرصة بسبب السياسة.

وكما قلت مرات عديدة من قبل، أميركا ليست استثنائية لمجرد أننا نقول ذلك. فنحن استثنائيين لأننا نقوم بأشياء استثنائية، سواء حيث تكون هناك مشاكل، وكذلك عندما تكون هناك وعود، وسواء حيث تكون هناك مخاطر وكذلك حيث تكون هناك ديمقراطية. إنني متفائل بأننا سوف نستمر في القيام بهذه الأشياء الاستثنائية. وأعلم بأننا نملك القدرات. وأدرك أن هذا ما نحن عليه، وهذا الذي كنا عليه دائمًا.

وإذا سئلنا أين يجب أن نضع خطواتنا المقبلة في هذا المسار، فإننا سوف نحسن صنعًا بتعلم الدروس من تاريخنا. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية ونتائجها المدمرة، كان أمام أميركا خيار، تمامًا كما يتوافر لنا خيار اليوم، يتمثل في الانغلاق على الذات.

وبدلاً من ذلك، رأى وزير الخارجية جورج مارشال في كل من الدول المنهزمة كما الحليفة ذلك التهديد بالإفلاس، وتلك المنازل والسكك الحديدية وأولئك الناس الذين يتضورون جوعًا، والاقتصادات المنهارة.

كان يملك بعد نظر لأن يدرك بأنه لا يمكن أن يكون هناك أي استقرار سياسي ولا أي سلام من دون قوة اقتصادية متجددة.

أدرك بأن عليه التزام إقامة شراكة مع أوروبا، ومساعدتها في إعادة بنائها، وتحديثها، وإعطائها الحافز الذي تحتاج إليه لتصبح شريكًا تجاريًا قوي وسلمي كما غدت عليه اليوم. فبعد الحرب، أيها الأصدقاء، لم نحبط مساعيهم، بل أنشأنا ميدانا تنافسيًا أكثر تكافؤًا وأصبحنا أكثر قوة، بسبب ذلك اليوم.

كنت في الثانية عشر من عمري، عندما حصلت على شرف العيش في برلين، بألمانيا، حيث دعي والدي وهو مسؤول في السلك الدبلوماسي للخدمة هناك. وفي أحد الأيام، قمت بزيارة للجانب الشرقي من برلين، الجزء الذي لم يتلقَّ أية مساعدة من الولايات المتحدة ومن خطة مارشال الشجاعة. كان الفرق واضحًا ولا يمكن إنكاره، وحتى بالنسبة لعيني ولد في الثانية عشر من عمره. لم يكن هناك سوى عدد قليل من الناس في الشوارع، ولم تظهر الكثير من الابتسامات على وجوه أولئك الموجودين هناك. رأيت الفرق بين الأمل واليأس وبين الحرية والقمع، وبين الناس الذين منحوا فرصة لفعل شيء والناس الذين لم يحصلوا على تلك الفرصة. فإذا كان النصف الغربي من أوروبا بدأ بالتعافي واستعادة لونه النابض بالحياة، فإن المكان الآخر الذي زرته كان لا يزال باللونين الأسود والأبيض.

وعندما رجعت إلى برلين الغربية حدث أمران. أولاً، جرى توبيخي بصرامة بسبب مغامرتي من دون الحصول على إذن من الجانب الآخر من المدينة.

وثانيًا، بدأت أولي اهتمامًا خاصًا باللوحات المُثبتة على المباني التي تعترف بفضل الولايات المتحدة الأميركية في مدّ يد العون لإعادة بنائها. فتملكني الاعتزاز.

فخطة مارشال، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وغير ذلك من المنظمات الأخرى التي نشأت في أعقاب الحرب بقيادة الولايات المتحدة، جميعها تشكل دليلاً على قدرتنا على اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، وركوب المخاطر اليوم يعود بالنفع غداً.

ونحن الآن نواجه مفترق طرق مماثل. يمكننا أن نكون راضين بالوقوف جانبًا، أو يمكننا أن نكون تنافسيين. ومع بزوغ أسواق جديدة في كل ركن من أركان العالم، وهي سوف تبزغ، أكان ذلك معنا، أو من دوننا، فإنه يمكننا أن نتواجد هناك للمساعدة في زرع البذور، أو يمكننا التنازل عن تلك القدرة للآخرين.

ونظرًا لتوافر هذه الفرصة في تولي قيادة قرن أميركي عظيم ثانٍ، دعونا لا ننظر فقط إلى المشهد العالمي الماثل حولنا اليوم، بل دعونا ننظر إلى المشهد المقبل، وأن ننظر فوق الأفق، ونتطلع إلى الأيام المقبلة التي ستأتي بعد 15 و50 سنة من الآن، وأن نحشد الشجاعة التي حددت قيام خطة مارشال، كي نتمكن من ضمان مستقبل جديد من الحرية.

دعونا نتذكر أن المبادئ في عصر جيفرسون، في دولة كانت قد بدأت للتو تعتاد على استقلالها، لا يزال صداها يتردد في عصرنا الحالي، في عالم لا يزال في صدد التعود على التكافل المشترك بيننا؛ فالمصلحة القومية لأميركا التي قامت على أساس القيادة القوية لا زالت قائمة في هذا العالم.

وهكذا، دعوني أترك لديكم فكرة أخيرة. عندما تضرب المأساة والرعب جيراننا من حول العالم، سواء أكان ذلك بفعل الإنسان أو بفعل إرادة الله تقوم العديد من الدول من نفسها بتقديم المساعدة، ولكن لا يُتوقع ذلك سوى من واحدة فقط.

فبقيادة الرئيس أوباما، وبفضل التعاون الذي سأعمل بجهد كبير لتأمينه مع الكونغرس، سوف نستمر في تولي زمام القيادة كدولة لا يمكن الاستغناء عنها، ليس لأننا نسعى للقيام بهذا الدور، بل لأن العالم يحتاج إلينا للاضطلاع به. وليس كخيار، بل كتكليف. وليس لأننا نعتبر ذلك عبئاً، بل لأننا نعرف أنه امتياز لنا.

هذا هو الأمر الذي يجعل من الولايات المتحدة الأميركية فريدة من نوعها. وهذه هي الخصوصية في كون المرء أميركيًا. تلك هي الصفة الاستثنائية التي نتميز بها معاً، والتي سوف أحملها معي خلال أسفاري التي سأقوم بها نيابة عنكم. إلا أن شعورنا بالمسئولية لا يمكن حصره فقط في الاستجابة للحالات الطارئة لوحدها؛ إذ لابد من ممارسة هذه المسئولية من خلال السعي لمنع حصول هذه الكوارث، وتقوية التحالفات، وبناء الأسواق، وتعزيز الحقوق الأساسية، والوقوف دفاعًا عن قيمنا.

سأطلب منكم، على مدى السنوات الأربع المقبلة، أن تقفوا إلى جانب رئيسنا وبلادنا لكي نستمر بإنجاز عملنا مدركين أن ما يحدث هناك في الخارج مهم لما يحدث هنا بالذات، وبأنه من من المهم أن نفعل ذلك بالشكل الصحيح. (انتهى)

إقرأ أيضا لـ "جون كيري"

العدد 3834 - الأربعاء 06 مارس 2013م الموافق 23 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:45 ص

      سلام استاذ كيري

      سلام حجي كيري..... بس نتمنى لو تمارسون دعم الديمقراطية بالعدل والانصافن مب تدعمون بلد وتعارضونها في بلد ثاني.باي باي

    • زائر 3 | 1:31 ص

      يا حجي كيري ضبطوا سياسيتكم واستدروا حب الشعوب بدل من كرهها

      حجي كيري اسمع الحجي والكلام اللي يفيد وما يضر
      سياستكم الحالية تخلق لكم عداء مع شعوب العالم وبالذات الاسلامي منها
      انتم تحاولون استمالت الحكومات والوقوف معها ولكنكم مو جهال انتوا تعرفوا
      ان الشعوب هي الباقية والانظمة والحكومات زائلة فهل تشتروا لانفسكم
      عداء الشعوب والذي هو اطول بقاءا وتستبدلونه بود الحكومات التي تعلمون
      انها زائلة.
      هذه نصيحة واحد بحراني مخرّف بس يمكن تنفعكم اذا وصلت لكم

    • زائر 2 | 1:26 ص

      السياسة الخارجية...

      السياسة الخارجية للدول الكبرى يقودها محترفو السياسة الذين يتلاعبون بمصالح الشعوب بما فيها شعوبهم من أجل المصالح الخاصة : الحزبية والشخصيّة ... كذب ..نفاق .. خداع .. احتيال .. وقاحة ..

    • زائر 1 | 1:09 ص

      حول السياسة الخارجية الأميركية !!!

      هي سياسة الكيل ب 10 وليس بمكيالين! هذا 1 ،2/مصالح دائمة وليس علاقات دائمة والدليل الشاه،صدام أنور السادات ،مبارك ،شين الفاسدين عدو علي،النحاسي مايسمى بالقذفي وووالقائمة طويلة 3/ فرق تسد سنه شيعة مسيح برستانت كاثوليك شمال جنوب دول نامية دول أفريقية،عربية أوربية وهلم جرى!! وانت توك طالع من بيضة البيت الأسود بتسوي لك مكان لا والله ثم لا والله لا مقام لكم بعد هذاالجرم المشهود سواء في البحرين العراق أفغا نستان باك ستان والخ عيب يا من تدعون الديمقراطيةوهل في سورية شعب وهنا ماذا؟!

اقرأ ايضاً