العدد 3848 - الأربعاء 20 مارس 2013م الموافق 08 جمادى الأولى 1434هـ

رسائل مواطن إلى المواطنين... وطنية السلطات وأدواتها وللتجاوزات أوْجُهْ (3)

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

ما الوطن؟ هو أرض دلمون، في تاريخها، بما مر عليها من تنازع الوصاية والاستحواذ عليها من قبل الأغراب من الفرنجة والفرس لتصل في تاريخها المخضرم إلى الانتداب البريطاني، وجعلها محمية بريطانية، بإدارة محلية مسلوبة الإرادة، ثم في تاريخها الحديث تم تحويلها إلى إمارة بعد الاستقلال.

وعلى رغم رسم صورتها الإعلانية بأنها دولة مدنية، لها دستور ناصع النصوص في مساواة مواطنيها في الحقوق والواجبات، وتوازع ثرواتها بينهم، بنظامٍ للحكم يعتمد الأسلوب المتطور في الإدارة في دولة المؤسسات والقانون؛ فإن تلك اللوحة الإعلانية لم يطل بها الزمان سوى سنة ونيف، ما بين ديسمبر/ كانون الأول 1973 إلى أغسطس/ آب 1975، لتسقط تلك اللوحة الإنسانية الجميلة في وحل قانون أمن الدولة، الذي طغى لأكثر من ربع قرن.

الوطن هو أرض البحرين على مر العصور، بشعبها المتجذر بأصوله وعروقه الممتدة في طبقات ترابه، مسقيةً بِعَرَقِ جهوداته، في تلك التعددية المتوائمة فيما بينها، المتوحدة في يدٍ بنته وطوّرته عبر العلاقة الاجتماعية المتداخلة تكاملاً، وفي حقيقة أن المواطن البحريني أصيل ووفي لوطنه، عبر تطور الجوانب السياسية والحياتية، بتقلبات المفاصل المتواترة في جانبيها السياسي والدستوري، والتي من أهم مفاصلها التوافق الشعبي العام على عروبة واستقلال البحرين، قبيل إعلان الاستقلال، على وعد بدستور جديد، أقره المجلس التأسيسي الذي اجتمع فيه ممثلون عن شعب البحرين، منتخبون انتخاباً حرّاً نزيهاً، تمثيلاً أقرب في حقيقته، لتوزّع الشعب في مساحات الوطن. واجتمع فيه ممثلون معيّنون من قبل الأمير، والحكومة متمثلة في وزرائها، فجاء الدستور كما كان أقرب للإنصاف، حيث أفرز المجلس الوطني (البرلمان)، الذي تمثلت فيه جميع مكونات المجتمع، ليشكّل الجانب الشعبي، لخلق التوازن الحقوقي والتشريعي والرقابي، بأداة المؤسسات والقانون.

إلا أنه، لم يدم ذلك البهرج الديمقراطي الذي حلم حقيقته شعب البحرين، إلا بما كان كافياً لبناء السلطات الحاكمة، أدواتها الأمنية والعسكرية، لتولِج الوطن في دهاليز الفترة الظلماء، من أغسطس 1975، ثم أتبعتها العام 1976 بنظرية المؤامرة والتخوين لكل معارضيها، حتى أواخر التسعينات، التي انبرى فيها شعب البحرين للانتفاض على واقع الوطن المرير، الذي كان ثمرةً للتمييز وإعمال المال السياسي، لنحر المجتمع البحريني وتشطيره إلى طائفتيه الأساسيتين، في تمييز طائفي، ضد الأكثرية الشعبية، مقابل الحظوة التي ألحفت بها مسانديها من أفراد وجماعات من الطائفتين الكريمتين، بإفساح المجال للموتورين المذهبيين، للصعود على المنابر الدينية، وتحقير كل منهم مذهب الآخر، لدرجة أن حَرّم بعضهم الزواج ما بين أبناء الطائفتين المختلفتين، في فتاوى دينية تحرم زواج الرجل من تلك الطائفة بامرأةٍ من هذه، إفتاءً بقوامة الرجل، فقد كانت المرحلة مزدوجة النوايا والمآرب، متمثلة في تشطير المجتمع إلى طائفتيه، وفي محاربة التوجهات اليسارية والقومية، في كلتا الطائفتين.

وتصدعت على إثرها الثقة الشعبية في السلطات، وامتزجت بالتوجهات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الأممية، فكان الميثاق العام 2001، وقد رحل إلى الرفيق الأعلى أمير، وورثه ملك شاب، طرح ما اعتبره شعب البحرين، أنه بداية صفحة جديدة، في تصالح ما بين الشعب من جهة، والأسرة الملكية عبر المؤسسات والقانون، في الجهة الأخرى، فتم حمل الملك على الأكتاف، في بيعةٍ شعبيةٍ له، في أكثر المناطق تضرّراً، امتناناً له تواصله مع المعارضة، بما يجعل البحرين مملكة دستورية ديمقراطية على غرار الديمقراطيات العريقة، ووعد بأجمل الأيام التي لم تعشها البحرين قبلاً.

إلا أن أحداث السنوات العشر تصاعدت تدريجياً، وقد وعى جيلان من الشعب، أن الأمل مفقود، في الخروج من أزمة الثقة في السلطات، وكان قد تضررت غالبية شعب البحرين بطائفتيه، من بعض السياسات، والتي أنشأت طائفة جديدة، استحوذت على الوزارات الأمنية والتعليمية والخدمية الأخرى، في مخالفة صريحة لمواد الدستور، التي تعنى باشتراط المواطنة وبالكفاءة في التوظيف، فكانت هذه الطائفة، خليطاً من المجنّسين سياسيّاً ومن أفراد موالين إلى السلطات من الطائفتين الأصليتين، بما يجعلهم بإمرة السلطات، في أي تَصدٍّ للمطالب الشعبية، وجاهزين لتخوين المعارضة الشعبية في رموزها وقواعدها، وفي ضرب الطائفتين ببعضهما، من خلال تبوء أولئك الموالين، مراكز القوى في الوزارات، والعمل على إظهار أن كل طائفة مميزة على الأخرى، في حين أن الحقيقة أن كامل الشعب، متضرر من سياسة السلطات ومن الطائفة الجديدة.

وهكذا انبرى الشعب من جديد، وانتفض في (14 فبراير/ شباط 2011)، في التجمع في ميدان اللؤلؤة (مجلس التعاون)، منادين بالتمسك بالحرية والعدالة والمساواة، ومحاربة الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة، وأحال مساحات شاسعة من أراضي أملاك الدولة، إلى ممتلكات فردية لمتنفذين ومتمصلحين بالموالاة، ورفضاً لسياسات التجنيس السياسي، التي أستخدِمَت لحرمان طائفة من المواطنين، من التوظيف في وزارات الدولة المعنية بحماية أمن الوطن الداخلي والخارجي، وضد استحواذ فئة بمفاصل الدولة، في تغييب المبدأ الدستوري في فصل السلطات الثلاث واستقلالها، ومبدأ أن الشعب مصدر تكوين هذه السلطات وحامي سلطاتها واستقلالها، في المحاسبة والتشريع والرقابة، من خلال صناديق الاقتراع، التي تمت طأفنتها هي الأخرى في دوائر انتخابية، فرضت حتمية فرز أفراد نصف السلطة التشريعية بغالبية لطائفة، تساندها السلطات بتعيين النصف الآخر، وذلك تباعاً في ثلاثة فصول تشريعية، وفي إنشاء مؤسسات مجتمع مدني تتبع أجهزة السلطات، هذه السلطة التشريعية وهذه الجمعيات، التي وقفت في غالبيتها ضد المطالب الشعبية، وساهمت في جميع الانتهاكات التي مارسها النظام ضد الشعب، ما أوصل أزمة الثقة في السلطات، إلى ما سيعجز عن حلها ما دعت اليه السلطات من حوار وطني، على أرضية ما ساد في الوطن من تجاوزات دستورية وحقوقية وأمنية، أودت بحياة كثرة من المواطنين، ومست الكرامة الإنسانية والحقوق المواطنية للأكثر والأعم.

فلينظر كل مواطن، حوله في سكنه وفي عمله ومدرسته وجامعته، وفي أنشطته التجارية، وليحكم ما إذا كان آمناً في وطنه، وفي رزقه ومأواه، وفي مدى مساواته بإخوته في الوطن من المواطنين، فإن ساد العدل وغاب العوز له أو لغيره، في الجوانب الحياتية والحقوقية والسياسية، وبات يرى النصوص الدستورية مُطَبَّقة عمليّاً، في المساواة بمعيار المواطنة، فليهنأ، وإلا فحق عليه المطالبة بها.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3848 - الأربعاء 20 مارس 2013م الموافق 08 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 4:33 م

      شكرا لك سيدي على هذا المقال

      الكلمات تعجز عن التعبير عن شكرك أ. يعقوب وليس غريب عليك لأن بحريني أصيل بن عائلة بحرينية أصيلة تجذرت بحب البحرين وأهلها الطيبين.
      نعم لبحرين يسودها العدل والمساواة في الحقوق والواجبات. نعم لبحرين يسودها الأمن والاستقرار ونعم لبحرين تحترم فيها حقوق الانسان الأساسية.

    • زائر 13 | 8:53 ص

      الله يحفظك ويحميك من المتربصين بالإشراف

      النصوص الدستورية مُطَبَّقة عمليّاً، في المساواة بمعيار المواطنة، فليهنأ، وإلا فحق عليه المطالبة بها

    • زائر 12 | 5:49 ص

      من الذي صوت لعروبة البحرين في 1970؟

      الذي صوت على عروبة البحرين هو نفسه الشعب الذي يذوق الآن شتى انواع التنكيل والتعذيب.
      نعم هو هذا الشعب الذي قال كلمته لعروبته وتأتي الآن مكافأته اي قيمة يسومونه سوء العذاب

    • زائر 11 | 5:14 ص

      روعه

      لقد قلت مايكنه الصدر ايها الشريف بارك الله في قلمك

    • زائر 10 | 4:58 ص

      الطائفة الجديدة

      كم أعجبني هدا التعريف. للعلم أن هده الطائفة الجديدة لا يهمها ما يجري على أرض البحرين الحبيبة من أزمة إلا تطبيق المثل القائل "موت لك, فرج لي" إن هده الطائفة الجديدة جائت لسلب خيرات الوطن, وعند انقشاع الأزمة سيعود الكل من حيث أتى محمل بما سرقه من قوت الأبرياء. (محرقي/حليكي)

    • زائر 9 | 4:07 ص

      قيمة المسئوليه بقدر المسؤول

      ليس جديد أنه متى ما كانت السلطة لدى القانون المفوض للجهات المهنية ذات الاختصاص بتولي الأعمال وفق معادلة: (المسؤول = مسئولية + واجب + مهام = مسائلة ومحاسبة) ليسائل المسئول متى ما قصر من الواجب وما ترك من المهام أو تخلى عن أداء الامانة التي أنيطة به. فلا تبدو أنها في جميع الأحيان هذه المعادلة معمول بها. والأوضاع من المشاهد اليومية كفيلة ببرهان هذا القول.
      فهل نقدر المسئولية أم نقيم المسؤول؟

    • زائر 8 | 3:59 ص

      لقد وضعت الصبع على الجرح يا استاذنا الجليل

      لا يسعنا الا ان نتقدم بالشكر الجزيل الى الاستاذ الجليل على ما اتحفنا به من موضوع اقل ما يقال عنه انه وضع الصبع على الجرح . واي جرح هذا ، انه جرح الوطن النازف الذي ما زال يغرق اهله ، انه قصة شعب ما فتأ يرزح تحت ظروف القهر والحرمان يحلم بيوم ينفض عن كاهليه ثقل ما حل به من الهموم والغموم وان الامل معقود بالرجال المخلصين من ابناء هذا الوطن العزيز وهم كثر .

    • زائر 7 | 3:48 ص

      سنضل نطالب بحقوقنا

      ونعلم الأجيال القادمه ماهي الحقوق وكيف يطالبون بها

    • زائر 6 | 2:37 ص

      أين نحن من الفقرة المذكورة ادناه

      (وعلى رغم رسم صورتها الإعلانية بأنها دولة مدنية، لها دستور ناصع النصوص في مساواة مواطنيها في الحقوق والواجبات، وتوازع ثرواتها بينهم)
      1-دولة مدنية اين هي المدنية؟
      2-لها دستور هذا صحيح ولكن الدستور يتلاعب بما فيه
      3-المساواة بين المواطنين وهذا مربط الفرس فعلا هناك مساوارة واضحة بين المواطني ولا تمييز ولا اقصاء ولا فصل عنصري وحقوق الانسان مصانة. كل هذا فقط على الورق واما الواقع فهو عكس ما على الورق
      واما توزيع الثروة فحدث ولا حرج فعلا الفقر موزع على الشعب اما الثروة فمحتكرة

    • زائر 5 | 1:26 ص

      مقال جميل

      البلد أصبحت بلدة الغاب
      يحكمه الصوت والجلاد
      أما العار أو الموت يا مطالب
      أصبحنا بلدة المليون نخلة والان أصبحنا بلدة النخلة الهاوية للسقوط
      جنسوا وعذبوا وأعتقلوا الشرفاء
      وستبقى أرض اوال ومن عليه أصيلون ثابتونا كنخل الشامخات الباسقات

    • زائر 2 | 12:10 ص

      فرق بين جاسم ويعقوب

      بارك الله فيك استاذ يعقوب

    • زائر 1 | 12:10 ص

      قبل سنتين

      نعم ايها المواطن الشريف قبل سنتين كنا نعيش فى وئام وآمن الا ان بعد 14فبراير 2011 بتنا وبقدرة قادر لا نميز الاجناس لكثرتها اصبح من يمر امام الطريق يتكلم بلهجات لم نألفها .ويتعاطى بعادات غريبة . فعلا بتنا اغراب فى وطننا . وبات علينا ان نحسب الف مرة عندما نريد ترك منازلنا ومركباتنا .سلوكيات غريبة اصبحت شبه مألوفه لكثرة الاغراب .

    • زائر 14 زائر 1 | 10:14 ص

      اشعليك يدك في الماي ابارد

      يشقى بنوها والنعيم لغيرهم وكانما الحال عين عذاري

اقرأ ايضاً