العدد 3849 - الخميس 21 مارس 2013م الموافق 09 جمادى الأولى 1434هـ

لمواجهة تحديات المياه... عقد وسنة ويوم عالمي للمياه

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

الماء سر الحياة ، والمورد الطبيعي الرئيس - الذي لا غنى عنه ولا بديل له - لجميع أغراض التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المستدامة -منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها- وهو مورد محدود وثابت الكم في مجمله في الكرة الأرضية، لكنه يختلف في توزيعه وطبيعته من موقع إلى موقع ومن وقت إلى آخر. واتسمت مناطق شتى في العالم، وبالذات مناطق شمال إفريقيا وغرب وجنوب آسيا والشرق الأوسط بقلة مواردها المائية، ويتمثل ذلك جليّاً في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الواقعة في الجزيرة العربية، إحدى أكثر مناطق العالم جفافاً، حيث لا يتعدى نصيب الفرد من المياه المتجددة فيها 200 متر مكعب سنويّاً، وهو أقل من خط الفقر الحاد البالغ 500 متر مكعب سنويّاً للفرد.

وقف الاستخدام غير المستدام... ووضع خطط لإدارة الموارد المائية

في ديسمبر/ كانون الأول 2003، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأعوام 2005 إلى 2015 بوصفها العقد الدولي للعمل «الماء من أجل الحياة» وسمي بعقد المياه. وقد هدف تخصيص هذا العقد للمياه إلى الحث على العمل على تعزيز الجهود الرامية إلى الوفاء بالالتزامات الدولية المعلنة بشأن المياه والقضايا المتصلة بالمياه بحلول العام 2015.

وتشمل هذه الالتزامات الأهداف الإنمائية للألفية الرامية إلى خفض نسبة الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على المياه الصالحة للشرب إلى النصف بحلول العام 2015، ووقف الاستغلال غير المستدام للموارد المائية. وفي العام 2002 في مؤتمر القمة العالمي بجوهانسبيرغ، اعتُمد هدفان آخران هما: وضع خطط متكاملة لإدارة الموارد المائية وتحقيق الكفاءة في استخدام المياه بحلول العام 2005، وخفض نسبة السكان الذين لا تتوافر لهم المرافق الصحية الأساسية إلى النصف بحلول العام 2015. وللوفاء بهذه الالتزامات لابد من بذل جهود كبيرة خلال هذا العقد للوفاء بهذه الالتزامات وتحقيق وصول هذه الخدمات الضرورية إلى المحرومين منها، والذين هم في معظمهم من الفقراء. وبما أن المرأة تضطلع بدور محوري في توفير المياه وإدارتها؛ فقد جرى التركيز بصفة خاصة على كفالة مشاركة المرأة وإشراكها في هذه الجهود الإنمائية.

ومن ضمن المواضيع ذات الأهمية المركزية لعقد «الماء من أجل الحياة» الندرة، والحصول على المرافق الصحية والصحة، والمياه والقضايا الجندرية، وبناء القدرات، والتمويل، والتقييم، والإدارة المتكاملة للموارد المائية، ومسائل المياه العابرة للحدود، والبيئة والتنوع البيولوجي، ودرء الكوارث، والأغذية والزراعة، والتلوث والطاقة.

وفي رسالته لدول العالم لبدء عقد «الماء من أجل الحياة» في 22 مارس/ آذار 2005 قال الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان، إن:

«الماء عصب الحياة، بيد أن الملايين من البشر حول العالم يعانون من نقص المياه. ويموت الملايين من الأطفال يوميّاً بسبب الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه. ويحيق الجفاف بانتظام ببعض من أفقر بلدان العالم. ولا بد للعالم من أن يستجيب على نحو أفضل بكثير. ونحن في حاجة إلى أن نزيد من كفاءة استخدام المياه، وخاصة في الزراعة. وينبغي لنا أن نحرر النساء والفتيات من واجب نقل المياه اليومي، حيث يقمن بذلك غالباً عبر مسافات طويلة. ويجب علينا أن نشركهن في اتخاذ القرار بشأن إدارة المياه. ونحن في حاجة إلى جعل المرافق الصحية أولوية. وذلك هو المجال الذي يقل فيه التقدم أكثر من غيره. ولا بد لنا من أن نبين أن الموارد المائية لا ينبغي أن تصبح مصدراً للصراعات. وعوضاً عن ذلك، يمكن لهذه الموارد أن تصبح عاملاً حافزاً للتعاون. وقد تحققت مكاسب لا يستهان بها. إلا أنه لايزال يتعين بذل جهود كبيرة. ولهذا السبب تؤذن هذه السنة ببداية عقد «الماء من أجل الحياة». وهدفنا هو بلوغ الأهداف المتفق عليها دوليّاً فيما يتعلق بالمياه والمرافق الصحية بحلول العام 2015، وأن نضع الأساس لإحراز المزيد من التقدم في السنوات المقبلة. وهذا أمر ملح بالنسبة إلى التنمية البشرية، والكرامة البشرية. ومعا، بوسعنا توفير مياه مأمونة ونظيفة لجميع سكان العالم. وموارد العالم المائية هي بمثابة شريان الحياة لبقائنا، وللتنمية المستدامة في القرن الحادي والعشرين. ويجب علينا معاً أن نديرها على نحو أفضل.


قلق الأمم المتحدة من التقدم البطيء

من جهة أخرى، في ديسمبر 2010، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والستين العام 2013 «السنة الدولية للتعاون في مجال المياه»، وأعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء التقدم البطيء والمتفاوت في تحقيق الهدف من وجود نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي الأساسية، و أيضاً تغير المناخ وقضايا عالمية أخرى لها آثار خطيرة على كمية ونوعية المياه. وانعكاساً لهذا الإعلان، سيتم تخصيص الشعار نفسه، أي «التعاون في مجال المياه» كشعار لليوم العالمي للمياه، الذي يعقد في (22 مارس/ آذار) من كل عام، في العام 2013. وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة منظمة اليونسكو لتولي القيادة بسبب طبيعة المنظمة التي تطبق نهجاً متعدد التخصصات يمزج بين العلوم الطبيعية والاجتماعية والتعليم والثقافة والاتصالات، وتوافق هذا النهج عند النظر إلى طبيعة المياه وقضاياها متعددة الجوانب.

والهدف من هذه السنة الدولية بشعار التعاون في مجال المياه، هو زيادة الوعي بإمكانية زيادة التعاون في مجالات الإدارة المستدامة للمياه، والتحديات التي تواجهها إدارة المياه في ضوء الزيادة في الطلب على الحصول على المياه، وتوزيع حصص المياه والخدمات. وسيتم في هذه السنة تسليط الضوء على مبادرات التعاون الناجحة حول المياه في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى التعرف على القضايا الساخنة في مجالات التعليم المتعلقة بالمياه، ودبلوماسية المياه، وإدارة المياه العابرة للحدود، والتعاون في التمويل، والأطر القانونية الوطنية والدولية للمياه، والصلات مع الأهداف الإنمائية للألفية. وستوفر هذه السنة أيضاً فرصة للاستفادة من الزخم الذي تولد في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو +20)، ودعم صياغة أهداف جديدة التي من شأنها المساهمة في تطوير الموارد المائية لتكون مستدامة.


مياه الشرب الآمنة تنحدر حتى %30 في الدول العربية غير المستقرة

ويلاحظ من هذا الاهتمام والإلحاح على قضايا المياه خلال السنوات الماضية أن هناك بطئاً في تحقيق الأهداف العالمية الموضوعة على مستوى العالم ويأتي على رأسها توفير المياه الآمنة للشرب وتوفير خدمات الصرف الصحي المحسنة والتي هي بدورها تؤدي إلى تلوث المياه وتهديد مصادر المياه المستخدمة للشرب. وعلى مستوى الوطن العربي يظهر تفاوت كبير في تحقيق هذه الأهداف، حيث يشير التقرير العربي الثالث حول الأهداف الإنمائية للألفية للعام 2010 الصادر عن جامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى تقسيم الدول العربية إلى أربعة أقسام في مجال هذه الخدمات المرتبطة بالمياه والصحة؛ القسم الأول يضم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ذات مستوى الدخل العالي نسبيّاً، وقد حققت هذه الأهداف ولديها معدلات تصل إلى 93 في المئة و98 في المئة في مجال توفير مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي، على التوالي.

القسم الثاني يضم دول مصر والأردن ولبنان وسورية ودول المغرب العربي ذات الدخل المتوسط نسبيّاً وهي في الطريق لتحقيق أهدافها بحلول العام 2015، حيث تتراوح نسب هذه الخدمات في هذه الدول ما بين 96 و87 في المئة و89-87 في المئة لهاتين الخدمتين، على التوالي. القسم الثالث يضم الدول ذات الدخل المنخفض مثل اليمن وجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والسودان وتصل نسب توفير هاتين الخدمتين إلى 67 في المئة و38 في المئة، على التوالي، وينظر إلى هذه الدول أنها ليست في الطريق لتحقيق هذه الأهداف ولكن يمكنها تحسين الوضع لشعوبها بشكل كبير إذا ما تم بذل الجهود المكثفة داخليّاً ومن خلال المساعدات الخارجية.

القسم الرابع والأخير يضم دول فلسطين والصومال والعراق التي تمر بحالة عدم استقرار سياسي أو حروب أهلية أو تحت الاحتلال ولذلك غير معروف مدى إمكانية تحقيقها لهذه الأهداف، وتصل نسب هاتين الخدمتين 78 في المئة لكليهما في فلسطين والعراق، بينما تصل إلى 30 في المئة لكليهما في الصومال.

ويشير التقرير إلى أن أهم القوى الدافعة التي تؤدي إلى تحديات عالية في سبيل تحقيق هذه الأهداف هي معدل النمو السكاني العالي، وعدم كفاءة إدارة الموارد المائية وخصوصاً في القطاع الزراعي والبلدي، وتدهور نوعية المياه الطبيعية بشكل عام ما يؤدي إلى تناقص المياه المتاحة.

كما يشير إلى أن العديد من الدول اتخذت إجراءات إصلاحية لقطاعي مياه الشرب والصرف الصحي، إلا أن ضعف آليات التنسيق وعدم كفاية الموارد البشرية والمالية يؤدي إلى صعوبة استدامة هذه الخدمات في المستقبل أو جذب الاستثمارات من القطاع الخاص، ويجعلها معتمدة اعتمادا كليا على الدعم الحكومي.

كما يشير إلى أن التنسيق الجيد مع المنتفعين من هذه الخدمات وإشراكهم في جميع المراحل من التخطيط حتى التنفيذ؛ يمكنه أن يؤدي إلى تحسين الأوضاع بشكل كبير.


«دول التعاون»: الاستخدام بالهدر... وتدني وعي الفرد

محليًّ، في دول مجلس التعاون، نجد أنه على رغم أن هذه الدول تقع في منطقة من أشد المناطق ندرة في المياه في العالم، وبها أحد أعلى معدلات النمو في العالم بسبب سياسات النمو الاقتصادي، ويتم استهلاك المياه فيها بأسلوب غير رشيد وبكفاءة منخفضة يسودها الهدر، وينخفض فيها الوعي على مستوى الفرد والمجتمع بقضايا المياه وتعتبر فيها حل قضايا المياه من مسئوليات الجهاز الحكومي وليس المستهلك، نجد أنه في مقابل كل ذلك، استطاعت أن تحقق أهدافها في مجالي خدمات مياه الشرب والصرف الصحي يساعدها في ذلك قوة اقتصادها وامتلاكها الموارد المالية وموارد الطاقة، وإن كان ذلك بكلف اقتصادية وبيئية باهظة.


التحديات المائية المقبلة

على رغم أن معظم دول المجلس تمتلك قدرا معقولا من المرونة والقدرة على التكيف مع هذه الأوضاع، فإن هذه الأوضاع غير قابلة للاستمرار للعديد من الأسباب، من أهمها استمرار نضوب موارد المياه الجوفية وتدهور نوعيتها ما سيؤدي في النهاية إلى خسارة القطاع الزراعي لمصدره المائي وانحساره في المستقبل، والتكاليف الاقتصادية والبيئية المتزايدة مع الوقت للتوسع في بناء محطات التحلية، والاستنزاف السريع لمصادر الطاقة وهي مصدر الدخل الرئيس لهذه الدول في سبيل توفير المياه المحلاة، وازدياد المنافسة على المصادر المائية المحدودة بسبب تناقص المياه وزيادة الطلب عليها المستمرين.

لذلك فإن مواجهة التحديات المائية التي تعيشها وستعيشها دول مجلس التعاون، الواقعة لتحقيق الأمن المائي بمفهومه المتقدم والشامل يتطلب تعاملاً رفيعاً من الإرادة السياسية والمستوى الإداري والعلمي والتقني للتصدي لها، والأهم من ذلك هو رفع مستوى التعاون والمشاركة للمنتفعين من خلال تحسين مستوى الحوكمة لينتقل سلوك المجتمع والقطاعات المستهلكة للمياه من كونه جزءاً أساسيّاً من المشكلة المائية إلى جزء رئيس في طريق حلها.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 3849 - الخميس 21 مارس 2013م الموافق 09 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً