العدد 3856 - الخميس 28 مارس 2013م الموافق 16 جمادى الأولى 1434هـ

جهود للتعاون مع تركيا لتفادي حرب مائية تهدد الأمن الغذائي في المنطقة

خلال المؤتمر الدولي «السلام الأزرق في الشرق الأوسط» في إسطنبول

المتحاورون خلال المؤتمر الدولي «السلام الأزرق في الشرق الأوسط» في إسطنبول
المتحاورون خلال المؤتمر الدولي «السلام الأزرق في الشرق الأوسط» في إسطنبول

لاتزال قضية المياه في العالم، وبخاصة في الشرق الأوسط تطرح تحدياً كبيراً ينذر بأزمة مائية في المستقبل القريب، فخلال المؤتمر الدولي «السلام الأزرق في الشرق الأوسط»، الذي عُقد في اسطنبول في (18 و19 مارس/آذار 2013) بحضور 65 مشاركاً من البحرين، العراق، الأردن، لبنان، سورية، تركيا وفلسطين، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، واليمن، خبراء من حوض نهر الدانوب، بنغلاديش، مصر والمملكة المتحدة. ومثلت حكومة تركيا والسويد وسويسرا من كبار المسئولين والدبلوماسيين، تم طرح وجهات نظر من خبراء ووزراء سابقين ونواب لتضافر جهود المنطقة العربية بالشراكة مع تركيا، لتفادي حرب مائية قد تغرق المنطقة بأكملها وتهدد الأمن الغذائي والاقتصادي وحق الدول والأفراد بالتوزيع العادل للمياه، لضمان حياة أفضل ومستقبل أكثر أمناً واستقراراً.

‎المؤتمر هدفه تمهيد الطريق أمام تبادل الخبرات في مجال إدارة موارد المياه من خلال التعاون الإقليمي، وتسليط الضوء على دور وسائل الإعلام في تعزيز ونشر المعرفة والخبرات، فيما يتعلق بمسألة إدارة المياه والأمن الغذائي.

التساؤل الذي أثاره مؤتمر اسطنبول، «لماذا لا ننطلق من المياه باعتبارها حجر الزاوية في التعاون بين دول الشرق الأوسط على غرار الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، التي شكّلت أساس التعاون الإقليمي في أوروبا في 1950؟».

بدوره رأى النائب التركي ديشلي في افتتاح المؤتمر، ضرورة أن تمتد شبكة التعاون التي تتأسس بين دول منطقة الشرق الأوسط إلى مناطق أخرى من العالم.

وحذر رئيس تحرير مجلة «Turkish Review» كريم بالتشي من أن: «العالم يشهد تغيراً كبيراً والحرب ليست هي الخيار، خصوصاً في منطقتنا التي تعاني عدم الاستقرار، ما يتطلب تشبيك الجهود للانطلاق بمشاريع إقليمية مشتركة بالتعاون مع الإعلاميين، نتوخى من خلالها صناعة السلام عبر المياه».

أما رئيس «مجموعة التخطيط الاستراتيجي» في الهند صنديب واسليكر، فدعا الإعلام إلى «الانخراط في عملية الحفاظ على الموارد المائية»، وأكد أن «المياه ستشكل أبرز التحديات المستقبلية في العشرين سنة المقبلة». وأضاف: «نحن كمن يريد السباحة في نهر لكن هناك تيار، فإمّا أن نهرب وندير ظهرنا للآخرين أو أن نغرق، وإمّا أن نتعاون ونكون جميعنا بأمان».

واعتبر ميشال مورداسيني من التعاون الدولي في سويسرا أن «المبادرة تعزز التعاون لتفادي أزمتي المياه والاقتصاد المرتقبتين».

وشددت المستشارة في السفارة السويدية في تركيا آنيكا بالو على «أهمية اعتماد الحوار والتفاوض لحل مشاكل المياه وتحقيق الاستدامة البيئية».

من جهتها، حذرت الأميرة سمية بنت الحسن بن طلال، من نذرة المياه، وشددت على وجود علاقة لمواجهة التحديات في المنطقة، وقالت إن «المبادرة تتوخى مستقبلاً أفضل لمنطقتنا، منوهة أنها دعت إلى أهمية التعاون والتكامل بين العلوم الاجتماعية والطبيعية، والتي لابد من تعزيز وإدارة التواصل بين السياسيين».

وألقى وزير المياه والغابات التركي، فيسال أرأوغلو أحمد ساتشي، كلمة فأكد أن «الحفاظ على مصادر المياه أمر بغاية الأهمية، وخصوصاً أن النزاعات حول المياه عابرة للحدود».

كما كانت كلمة لمسئول «مجموعة زمان» الإعلامية، إكريم دومانلي، ألقاها بالتشي، فاعتبر أنه «ليس من السهل تشارك المياه، لكنه من السهل تشارك المعرفة، فهي الوحيدة التي تزداد عند مشاركتها وتوصلنا إلى حلول قريبة، وخصوصاً أن منطقتنا ستكون بعد 20 سنة من الدول الفقيرة مائياً.

‎إسطنبول

‎وضع اسطنبول لم يكن أفضل حالاً من المدن الاخرى في الشرق الأوسط مطلع تسعينات القرن الماضي. إذ كانت تقتصر فترة التغذية بالمياه على ساعة واحدة يومياً في الفترة الممتدة من 1991 إلى عام 1994.

‎لكنّ هذا الواقع تغيّر مع فوز رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان برئاسة بلديتها عام 1994، وذلك بفضل وضع الحكومة خطة عقلانية لمعالجة مشكلات المدينة.

‎الأردن

‎أمّا في الأردن، فإنّ ندرة المياه تنذر بتحوّل الوضع إلى كارثي مع ازدياد عدد اللاجئين السوريين. وتوضح ممثلة الأمير حسن بن طلال الأميرة سميّة بنت الحسن، أنّ الأردن هو رابع أفقر دولة مائياً في العالم، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد السكان باستمرار، وسط تحديات استضافة المملكة الهاشمية لعدد متزايد من النازحين من دول المنطقة.

‎وتلفت إلى أنّه خلال الأعوام العشرين المقبلة، «سيعيش ما يقارب 300 مليون عربي في ظلّ ظروف ندرة المياه، وبمعدل يقارب 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد في السنة، وهي نصف الكمية المحدّدة عالمياً كخطّ للفقر المائي».

‎إلى جانب ذلك، لا يمكن إغفال وجود أزمة بين الأردن وسورية بشأن تقاسم مياه اليرموك، فضلاً عن عدم التزام إسرائيل بالحقوق التي أقرّتها إتفاقية السلام «وادي عربة» للأردن عام 1994.

‎وتقول الأمين العام السابق في وزارة المياه والري ميسون الزعبي: «نحن سنقاتل لما وعدنا بتحقيقه وفق ما ورد في اتفاقية السلام، لجهة حقوقنا قي مياه نهر الأردن والمياه الجوفية في وادي عربة».

‎يشار إلى أنّ نهر الأردن الذي تتقاسمه المملكة الهاشمية مع سورية وفلسطين وإسرائيل، تبلغ حصة الأردن فيه 23 في المئة، فيما تأخذ إسرائيل 64 في المئة من مياهه، وسورية 25 وفلسطين 5 في المئة فقط.

‎تجارب

‎التجارب الإفريقية والآسيوية والأوروبية في الإدارة المشتركة للمصادر المائية العابرة للحدود»، لا سيما تجربتي الراين والدانوب، أثارت إعجاب المشاركين، ووجدوا فيها نموذجاً يحتذى به.

‎ويسهب فيليب ويلر في الحديث عن الإدارة المشتركة للمصادر المائية العابرة للحدود بين الدول الموقّعة على الاتفاقية المتعلقة بحوض نهر الدانوب، وعن تبادل اللجنة الدولية لحماية نهر الدانوب (ICPDR) المعرفة بينها ووجود نظام إنذار مبكر لديها للحوادث، في حال تعرّض مياه أي من البلدان الموقعة على الاتفاقية للتلوث.

‎ويقول ويلر: «ليس فقط الحكومات، بل المجتمع المدني والقطاع الخاص أصبحا جزءاً من المعادلة لمساعدتنا في نشر المعرفة بشأن التوفير في استعمال المياه».

‎تجارب أوروبية يدعو وزير الخارجية التركية السابق ياشار ياكش إلى البناء عليها، وينوّه بإدراك الاتحاد الأوروبي أهمية التعاون بين دوله، حيث انطلق من اتفاق الفحم والحديد، ويأمل تطبيقها لتحقيق التعاون في المجال المائي في منطقة الشرق الأوسط.

‎ويقول ياكش: «المعيار ليس فقط تقاسم بل طريقة إدارتها، علينا استلهام التجربة الأوروبية، حتى لو لم يكن بين بلدان الشرق الأوسط موارد مائية مشتركة، وأن يسهم الإعلام في توضيح المسائل، بدل ترديد اتهامات لتركيا بسرقة مياه العراق وسورية».

‎وبما أنّ العالم يتغير والسياسيون باتوا يصغون بشكل أكبر لشعوبهم، فعوض انتظار اللحظة السياسية المناسبة، يقترح المؤتمر «خلق شبكة من الخبراء وتقديم التوصيات لتكون بمثابة حجر أساس، بانتظار تبلور اتفاق سياسي حول مسألة المياه التي تشكّل عنصراً حيوياً في حياتنا».

‎وإلى جانب الاتفاقات الثنائية بين البلدان المعنية، والتي تتعلق على سبيل المثال بالنهر الكبير بين لبنان وسورية، ونهر اليرموك بين الأردن وسورية، والعاصي بين لبنان وسورية وتركيا، يطالب المؤتمرون بضرورة تشكيل لجنة إقليمية مشتركة لأحواض الأنهار بين ممثلين عن الحكومات، تكون مظلة لإدارة مواردهم المائية، لمواجهة خطر التغيّر المناخي والجفاف.

‎هذا على مستوى التمنيات، أمّا على صعيد الواقع، تبدو اللحظة السياسية غير مواتية اليوم لتحقيق هذا الهدف. وبانتظار ذلك، اتُفق على إطلاق «الشبكة الإعلامية للسلام الأزرق في الشرق الأوسط»، التي من شأنها نشر المعرفة حول المياه وتجنيب النزاعات، وحمل رسالة التعاون المائي إلى صنّاع القرار.

‎رسالة، مهمّة الإعلام نشرها وزيادة الوعي. إعلام يتوقف عليه تحفيز المجتمع، إذ تعتبر الحملة التي قامت بها وسائل الإعلام التركية لتشجيع إعادة تدوير سدادات زجاجات المياه البلاستيكية واستخدامها لكراسي المعوقين دليلاً على إمكان إحداث الإعلام تغييراً في ذهن الرأي العام.

‎ويبقى الأمل بغد أفضل. غد، علّ دول الشرق الأوسط تتعلم فيه من تجربة الاتحاد الأوروبي لتقاسم المعرفة وتحويل ندرة المياه إلى فرصة للتعاون، بإنشاء مشاريع مشتركة عبر الحدود.

‎وفي المحصلة، اتفق المؤتمرون على أنّه «لا خيارأمامنا سوى السلام الأزرق»، سلام قوامه حسن إدارة مياهنا في الداخل، وثقة متبادلة مع دول الجوار، عمادها تعاون إقليمي بين دول الشرق الأوسط.

العدد 3856 - الخميس 28 مارس 2013م الموافق 16 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً