العدد 3930 - الإثنين 10 يونيو 2013م الموافق 01 شعبان 1434هـ

سنوات زنجبارية... البحرينيون في تنزانيا

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

تتلاقى الحضارات في جزيرة زنجبار القديمة عبر الوجوه والملامح والحرائر والمسك والبخور والتمور، وتكاد وأنت تعبر الأزقة الضيقة ودكاكين الصفارين وبسطات البهارات، تظن أنك في أسواق بغداد الرشيد منزوعة من صفحات ألف ليلة وليلة. أزقة لا نهاية لتعرجاتها التي تعبق بشذى الماضي البعيد.

لقد اندفع عرب الشمال والجنوب نحو القارة السوداء عندما ذهب العمانيون إلى شرق افريقيا وبنوا زنجبار سلطنةً لهم، وظل إرثهم هناك حتى الستينيات من القرن الماضي عندما دمجت زنجبار فيما هو اليوم تنزانيا.

وحيث ان عرب زنجبار ينقسمون إلى «عرب حضارمة» وفدوا من السواحل الجنوبية للجزيرة العربية، و «عرب جزر القمر» وهم قليل، و «عرب الساحل» وهم نازحون من سواحل الخليج والجزيرة العربية قبل تأسيس سلطنة زنجبار الحديثة، و «عرب عمان» وهم العرب الذين وفدوا مع السيد سعيد عند انتقاله إلى زنجبار، وكانت تتألف منهم الطبقة الرئيسية الحاكمة وكبار التجار وملاك الأراضي الزراعية؛ فإن الوجود البحريني في زنجبار تشكّل على الأرجح من هذه الفئة تحديداً، قادماً إليها من عمان عبر بندر لنجة. وإلى اليوم فإن «البهارنة» في زنجبار لازال لفظاً شائعاً بين الأفارقة التنزانيين للإشارة إلى هذه الجالية التي عُرفت في المجتمع الزنجباري كأعرق الجاليات العربية وأكثرها تسامحاً.

وعلاوةً على الاباضية في زنجبار والتي كانت الأسرة الحاكمة تنتمي لها، فإن فيها عدداً غير قليل من الشيعة، وهم في أصولهم من مهاجري الهند وإيران والبحرين والعراق وعمان، ولهم مسجدان كبيران وأربع حسينيات كبيرة، ونحو عشرين حسينية صغيرة وعدة مدارس.

وقد كشف لي رئيس تحرير مجلة «الموسم» التراثية محمد سعيد الطريحي أن تواجداً مهماً للبحارنة في زنجبار، فقد نجحت سياسة مؤسس الحكم العربي في زنجبار السيد سعيد التي تتسم بكثيرٍ من التسامح، في جعلها مجتمعاً كوزموبوليتانياً متعدّد الأديان والأعراق. وأكد أن الجالية البحرانية «تساهم بشكل كبير في تجارة البلد وصناعته، وهم ينعمون بالاستقرار ومندمجون بشكل كامل في المجتمع الزنجباري، ناهيك عن تمتعهم بالحريات الدينية الواسعة كغيرهم من الأقليات الدينية والمذهبية الأخرى».

وقبل بضع سنوات أشار أحد الصحافيين إلى قصة فتاة زنجبارية من أصول بحرينية تدعى «روكي» تدرس «علوم سياسية واقتصاد» في إحدى الجامعات في الدنمارك. و «روكي» هذه ذات الوجه الدائري والهيئة التي تدل على منبتها العربي، وحتى ألوان ملابسها والحلي التي كانت تتزين بها في المناسبات... لقد كانت حريصةً على ارتداء ملابس عربية، وحلي منقوش عليها بعض التعابير السلطانية العمانية.

روكي التي تمثل الجيل الرابع لعائلة بحرينية نزحت من البحرين واستقرت بها عصا الترحال في عمق جزيرة القرنفل، حيث ولدت لأسرة بحرينية حرصت على التشبث بجذورها، «في افريقيا احتفظنا بكل شيء... أنشأنا مدينتنا الخاصة بنا، حافظنا على تقاليدنا وعاداتنا وتراثنا، ومارسنا كل ما كان يمارسه أهلنا في البحرين من مراسم، ما جعل اللهجة البحرينية حيةً تلهج بها ألسنتنا جيلاً بعد جيل».

و «روكي» (واسمها العربي رقية) هي ابنة الملا خليل بن حسن البحراني، أحد خطباء المنبر الحسيني في المجتمع الزنجباري، وهو ينحدر من عائلة كانت تسكن في قرية «توبلي» على مقربة من مقام السيدهاشم التوبلاني.

قال لي والدي - تقول روكي - نقلاً عن آبائه وأجداده انهم «حين غادروا البحرين منذ عشرات السنين كانت البحرين تتعرض لإحدى الغزوات القاسية، ما دفعهم إلى الهجرة أولاً إلى بندر عباس في إيران، ثم من هناك هاجروا مرةً أخرى إلى عمان حيث تنقلوا بين مطرح وصور، ومن هناك هاجروا إلى افريقيا، لكن جدي كان قد تزوّج من إحدى النساء الرومانيات في عمان وعندما وصل افريقيا مع غيره من العائلات البحرينية المهاجرة طلباً للأمن والاستقرار، أنشأوا مجتمعهم الخاص».

وبالطبع لا يمكن الحديث عن الجالية البحرانية في زنجبار دون الإشارة إلى شخصية الحاج أحمد بن النعمان الكعبي البحراني (ت 1867)، المبعوث الخاص للسيد سعيد بن سلطان (ت 1856) سلطان مسقط وزنجبار وتوابعهما، الذي انتدب كأول سفير عربي في أميركا في بعثةٍ «للتجارة وحسن النوايا».

شغل بن النعمان منصب السكرتير الخاص للسيد سعيد بن سلطان، الذي قلّده أمور التجارة وجعله مندوبه الخاص. وقد ظلّ أحمد بن نعمان بعد وفاة السلطان سعيد سكرتيراً خاصاً لخلفه السيد ماجد بن سعيد (ت 1870)، وكان لعدد من السنين كاتم أسراره.

عاش أحمد بن النعمان في ماليندى كيوبندا، وفي 1861 بنى البيت الذي عرف باسم مأتم الشيعة، وهو بيت الشيخ أحمد بن النعمان نفسه، حيث كان زعيماً لقبائل الشيعة في شرق افريقيا قبل أن يتزعم «خان علي» صاحب المنطقة المعروفة باسم منطقة الخان (كواخاني).

وهناك صورة فوتوغرافية متداولة لوقفية مأتم حسيني في زنجبار نحتت في العام 1925 وفيها: «أوقفه الزعيم المكرم المرحوم القبطان الحاج أحمد بن النعمان الكعبي البحراني كاتب الدولة البوسعيدية ومعتمدها…». وكان هذا المأتم يقع في الطابق السفلي لمنزله الذي لايزال بنيانه موجوداً حتى اليوم، وكانت عائلة الكعبي تقيم في الطابق العلوي من المنزل، ومع الأسف بعد وفاة أسرته لم يعد لهم وجود بسبب رجوع معظم العمانيين إلى عمان عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 1964 ضد السلطان جمشيد بن عبدالله، وقيام الحكم الجمهوري.

ويعود تاريخ إقامة المآتم الحسينية في زنجبار إلى العام 1850 في عهد السلطان برغش، حيث كان عنده قائم عسكري إيراني أدّى له ولبلاده الكثير من الخدمات، ما حمل السلطان على أن يبدأ بإقامة المآتم في زنجبار، وأقيم أول مأتم في قصر السلطان نفسه!

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3930 - الإثنين 10 يونيو 2013م الموافق 01 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 3:40 ص

      المفروض الان تتاجل كل المواضيع

      كل الصحفين يتركون هل امور ع جنب
      ويركزون في سالفه المزاد العلني الي كتبه قاسم حسين
      لا تخلون ارزاق المواطنين الاصلين لقمة سائقه
      وقفو صف واحد اتجاهم
      المساله الي صارت اكبر مما تتصورون وخطورتها اكبر اذا سكتو عنها

    • زائر 9 | 2:07 ص

      زنجبار عبق الماضي

      شكرا جزيلا على هذا المقال الرائع حيث أخذتني الذكريات إلى التسعينيات حيث زرت زنجبار كثيرا زيارات عمل. و تجولت في أزقتها القديمة اللتي ذكرتني بسماهيج وعراد حين كنت طفلا. أزقتها قديمة والبيوت على البحر حيث البيوت من غير صباغة فقط الإسمنت. نعم إستوقفني مبرد ماء حيث تخرج حنفيتان من أحد جدران المنازل للشرب وكتب عليهما سبيل الحسين عليه السلام. نعم في زنجبار ودار السلام وهي عاصمة تنزانيا توجد طائفة البهرة ذات الأصول الهندية ولهم مساجد ومآتم والتقيت بهم.
      محمد علي العرادي.

    • wessam abbas زائر 9 | 4:50 ص

      البهرة والخوجه

      التواجد الاسماعيلي في زنجبار قديم وعريق ومهم ولهم مؤسسات معروفة.. كما ان هناك جماعة الخوجة الهنود وهم الشيعة الاثني عشرية الذين أسلم اجدادهم بعد ان كانوا بانيان ودخلوا في المذهب الشيعي الامامي بعد اسلامهم

    • زائر 6 | 1:08 ص

      ليكن التسامح و التقارب

      فكلنا لادم و ادم من ترب
      شكرا للكاتب

    • زائر 5 | 1:04 ص

      بحارنة ايران والبحرين مهجة الروح

      من الصدف إني كنت أزور السيدة زينب عليها السلام وكنت أقرا الزيارة فطلب مني سيد أن ارفع صوتي واشركهم في الزيارة وبعد ختم الزيارة سلمت عليه وظننته من البحرين او القطيف فقال لي أنه من البحارنه الذين يسكنون لنجه وفي قلعة تسمى قلعة البحارنه وانه من الجيل الثالث المهاجر وانهم يسكنون القلعة هذه اكثر من 100 سنه ويتزاوجون وأشار الى ابنته الخمسنيه وقال أن جيل أولاده بدأ يتزاوج من خارج الجماعة أي من خارج القلعه وسألته هل لك أنساب أو ارتباط بالبحرين فرقرقت عينه ولم يتمكن من حبس دموعه وقال البحرين مهجة الروح

    • زائر 7 زائر 5 | 1:33 ص

      مؤثرة

      شكرا للمداخلة القيمة.. ستكون اضافة للموضوع

    • زائر 4 | 12:50 ص

      من البر

      شكر علي المعلومه.
      ان دلت علي شي فانها تدل علي مدي انتشار اهل البحرين ما ضي و مستقبل

    • زائر 3 | 12:39 ص

      المحمرة

      كل أهل المحمرة أصولهم بحارنة من الاحساء وجزيرة أوال "البحرين"

    • زائر 2 | 10:09 م

      معلومات جيدة .. شكرا

      شكرا لك وسيم على هذه المعلومات القيمة ..
      في التسعينيات أنشئت في ابوظبي السوق الأيرانية التي ترسي فيها سفن ايرانية تبيع منتجاتهم .. وأوقفتني أنا وزوجتي مجموعة منهم ذات ملامح عربية تتكلم اللهجة العراقية .. متحدين بعضهم البعض بأن ملامحنا بحارنة . وأجبتهم بنعم .. فأفادوا بأنهم كذلك ممن هجر أجدادهم ما حل بهم من ظلم بالبحرين قبل 150سنة تقريبا وقد طلب من بعضهم الرجوع أثناء التصويت ..وسموا بعض العوائل كالعصفور والتيتون و .....

    • زائر 8 زائر 2 | 2:05 ص

      مسلسل لايتوقف

      هذه واحدة من مسلسل المعاناة سيدي الكريم.. شكرا للمعلومة الرائعة

    • زائر 1 | 10:08 م

      روكي

      اتذكر اني قرأت قصة ( روكي ) في صحيفة الوسط قبل سنوات , ولكني اعتقد انها قصة ادبية عن شخصية خيالية وليست واقعية , ولكن هذا طبعا لا ينفي وحود العديد من البحارنة في زنجبار

اقرأ ايضاً