العدد 3935 - السبت 15 يونيو 2013م الموافق 06 شعبان 1434هـ

لو كان الإسلام عصبة وهوية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

جاء الرسول (ص)، ليتخطى التصنيف القبلي لمجتمع الجزيرة العربية، الذي كان يسوده التحارب من أجل الفيء والسبي والكلأ، والذي كانت تسود فيه عادات اجتماعية ووراثية، تعتمد الفخر بالنسب، والانتماء إلى القبيلة الأقوى والأشرف، وما دون ذلك فإنهم أناس عبيد. حتى حين الغزوات فيما بينهم، يتم سلب ونهب العتاد ووسائل العيش لدى القبيلة المهزومة، ويُؤسر رجالها وأولادها الذكور ليستحيلوا عبيداً للسخرة، ويُسبى نساؤها وبناتها فيُبَعن ويشتَرَين في سوق النخاسة.

جاء الرسول (ص)، ليؤسس لدين الإسلام السماوي، على إثر الدينين السماويين السابقين، دين موسى (ع) ودين عيسى (ع)، ليجمع مئات ملايين البشر، في هوية وعصبة ثالثة هي المسلمين، دون إفناء العصبتين الأخريين، اليهودية والمسيحية، بل جاء لينتشل مجتمع الجزيرة العربية من براثن الجهل الاجتماعي والديني الذي جعل سادة قريش يتسيّدون عامة الناس في مكة، من خلال القوة والسطوة، عبر الإيهام بأن الله متجسّدٌ في أحجار اللات والعزى، وفي تمر أصنام متعددة، ليدعو إلى عبادة الله الواحد، وقد نجح في ذلك بمدٍّ سماوي، فأسس الدولة الإسلامية، التي امتدت إلى دثار إمبراطورية فارس والرومان، ثم جاءت الخلافة الإسلامية، إلى عهد علي بن أبي طالب (ك)، مبنيةً على مبدأ «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، إلى هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي، على رغم الاختلافات الفقهية والتفسيرية للخلفاء الراشدين. وعلى رغم حروب الردة بعد وفاة الرسول (ص)، إلا أن الهوية والعصبة الإسلامية، مازالت حاضرةً، توحّد جميع المسلمين في شتى الأقطار في الجزيرة العربية وفي غيرها من الأقطار الإسلامية، ارتكاناً الى أركان الإسلام الخمسة، ونصّ القرآن والسنة النبوية، و«أمرهم شورى بينهم» (الشورى:38)، فعلى رغم الخلاف على أمر الخلافة بين عمر (ر) وعلي (ك)، فإن علياً (ك) كان يشور على من سبقه بالخلافة، ولم يرفع سيفاً على أيٍّ منهم.

فما بال المسلمين اليوم، يعودون القهقرى إلى عصر الجاهلية، في التحارب على الولاية السياسية الإسلامية، بناءً على المذهب والطائفة وبتعداد الأقطار الإسلامية، ويختار كلّ من يدّعي الفقه والزعامة الدينية، ما يحلو له من النص القرآني ومن أحاديث الرسول (ص)، ما يجعله يُكفـِّر الآخرين ويدعو إلى استئصالهم من الدين ومن الحياة، عبر دعوات النحر والتلذّذ بها، بإخراج النصوص عن مسارها السببي والموضوعي، حتى غدت الزعامة الدينية لِمُدّعي الدين، أولويةً دينيةً ممسوخة، على التوحيد، وغدت تلك الزعامة المُدّعاة، يقودها ويموّلها ويسلّحها أهل الكفر بالإسلام، وغدت أفئدة الضالين من العامة، فاقدة الوعي بسورة الفاتحة، فاستبدلوا «اهدنا الصراط المستقيم» (الفاتحة: 6) بتكبير الله أكبر، حين نحر مسلم، فأين التراحم بين المسلمين والشدة على الكفار غير الموحدين، وأين... وأين، وأين رجال الدين المخلصون له الدين، كثرة في العدد، وقلة في المدد، فيخافون الحاكم والطائفة ولا يخافون الله في خلقه من عبيده المسلمين.

المذاهب الإسلامية، ما هي إلا اختلاف اجتهادات فقهية، مثل تلك التي كانت بين عمر وعلي (رضي الله عنهما)، في الواقعة التاريخية بإقامة الحدّ على مَن اتهم نفراً من الصحابة بالزنى، فبعد جلد ناقص الشهادة الثالث «كما تقدير حكم عمر(ر)»، أعاد الصحابي الجليل، شهادته بقوله: «اللهم فاشهد أن فلاناً قد زنى»، فـَهَمَّ عمر (ر) بجلده من جديد، فاستوقفه علي (ر) قائلاً: «إن جلدته فارجم صاحبك»، فانصرف عمر عما نوى. هكذا كان لعلي (ر) تفسير فقهي مختلف غاب عن ذهن عمر (ر) لحظة إقامة الحد، بأن إقامة الحد على الشاهد الثالث مرتين، يكمل شهادة الأربعة، فيثبت واقعة الزنى، التي تستلزم الرجم، ونحن هنا لا نناقش حقيقة تفاصيل الواقعة من عدمها، فقد حُسمت في وقتها من قبل أولي الأمر، إلا أننا نشير إلى أصل الاختلاف الفقهي، وتكامله لنصرة الدين، والعدالة، والذي لم يجعل عمر وعلي (رضي الله عنهما) يتحاربان بالسيف، بل بالحجة.

هكذا هي المذاهب الإسلامية، اختلافات في التفاسير الفقهية، لا تُخرج أحداً من الدين، بل تـُنَوِّع الطريقة العبادية لوحدانية الله، ولا يمكن الجزم بالصحة الكلية أو الخطأ الكلي لرؤية أصحاب هذا المذهب أو ذاك، «كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم، فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون»، (البقرة:113) ومن يتولى حكم الله في الآخرة، بإنفاذه في الدنيا فقد كفر بالله.

اللهم اهدِ رجال ديننا، وعوام ناسنا، وسدّد قولهم وفعلهم لما ترضى، فإن ابتليتنا بما هم فيه من تحارب وفتنة، لأمر لا راد له سواك، فارحمنا يا أرحم الراحمين، وإننا لأمر ربنا لمنقلبون.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3935 - السبت 15 يونيو 2013م الموافق 06 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 8:57 ص

      لا تتحير ولا تختار ما دام العذال حوالبينك إكثار يمكن يحسدون

      تسير أوتتخير ولكن ما في خيار الا واحد ل توجد مناطق وسطى ما بين الجنة والنارييمكن من المخفيات لكنها ليست من الأسرار. فواحد يقول عنده مذهب. بس لكن الذهاب والمرجع الى الله فأين تفر وأي مذهب تختار يامختار أو محتار المخاتير طايرين مو صايريين عدل ليش كل واحد عنده مذهب وآخرين متمللين وعندهم مله غير ملت أبراهيم عليه وعلى النبي وآله أفضل وأفضل وأكمل الصلاة والتسليم لهم الولايه بدل الولايات المتحده التي فرقت بين المجتمع المحلي والدولي والاقليمي وصارت ها البحرين ملتشه والناس كأنه مو مطنتشه. مساق أومسار؟

    • زائر 20 | 8:15 ص

      السابقون .. والسلف وما خلف وتخلف وإنقلب على عقبه في الغبرين

      إن الدين عند الله الاسلام.. بينما يكفر بعضهم بعضا ليش؟ قال بو محقان أن من يكفر فهذا لقصر في عينه أو في نظره أو لعدم معرفته الركن والمقام. فما دام ابراهيم عليه السلام مسلم والفرعون قبل أن يغرق أسلم يعني موسى وعيسى على غير دين الله الاسلام. مو هذا عين الكفر أن تنكر ما جاء به الرسل قبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً. ويش مو عدل؟ عجل لا ويش إيقولون من سبق لبق؟ السابقون السابقون أولائك المقربون.. على ويش يتسابقون؟

    • زائر 19 | 6:25 ص

      هاكدا الرجال

      نشكرك جزيل الشكر ونكن لك بالعرفان يااصيل من معجم البحرين الشرفاء والغيارا على هذا الوطن الجريح بفعل رجال الدينار والذي قيل عنهم سوف ياتي يوم على المسلمين ويكون دينهم دينارهم وهاهو اليوم الذي نعيشه بين رجالا يدعون بانهم رجال دين ويخافون من يوم لأينفع فيه مالا ولأ بنين,الا من اتى بقلبا سليم ولكن هذا حال أمت محمد(ص) عندما سمحت الحكومات بان كل من مجرد حفظ ايه من القران الكريم ترفع على كرسي المسجد وخطب في الناس وقال روي عن فلان وقال فلان وكفر هذا وكله باسم الاسلام.

    • زائر 16 | 3:22 ص

      لا تقول أو قل أحسن الحق ولو على نفسك. فقد تعاونوا ليس على البر وإنما مثل ما أرادوا صلب المسيح فرفعه الله اليه من تبقى من سلاله أهل بيت النبوه إما بالسم وبالسيف قد قتلوا.

    • زائر 15 | 3:16 ص

      البدع والتحريف وعدم تحريم القتل والفتن والسلب والنهب وقول الزور ؟

      ......ما الدوله العثمانيه والوضع الحالي للغرب أو أمريكا إلا ما كان من قبل لكنه مطور بتقتيه إتصالات ومواصلات و..و.. ويش حرفوا التاريخ وزادوا وقولوا أقوال لم يقلها النبي يعني في أيامنا فتاوي أما سابقا فكان كذبا. لذا فردوه الى الها وقول الله لم يحرف.

    • زائر 14 | 3:09 ص

      تاريخ جغرافي ورحلات اليهود وتجارتهم الرابح الفتن

      ليس من الأسرار أن رحلة الشتاء والصيف كانت بين مكه والشام، كما كانت تجارة الحرير بين الهند والسند والصين وأوربا تمر عبرالشام. بعد ما التتار والاتراك قطعوا طريق الحرير. عن طريق بحري وهذا يمكن الاطلاع عليه في رحلة ماجلان وغيره. فقوافل التجارة من الشام الى مكه محملة بالسلك والبضائع المختلفه. إستفاد اليهود من هذه الاكتشافات وبدأوا التجارة ويذكر التاريخ شركه الهند الشرقيه أيام الدولة العثمانيه. فمن بضائع وأسلحه وذخائر كان اليهود يتاجرون بها. فبدون قتال لا يستقيم حال اليهود وبدون تجاره كذلك. أشرار

    • زائر 13 | 3:09 ص

      قناص

      با استاذي العزيز باك الله فيك وفي كل كلمة سطرتها يقول الامام علي (ع ) قصم ظهري اثنان عالم متهتك وجاهل متنسك فعلماء هذا الزمان صنفان الصنف الاول المتهتك الذي يصدر الفتاوى حسب رغبة الحاكم ويحلل الحرام ويحرم الحلال و يسمى رجل البلاط والصنف الثاني الجاهل الذي لا يفقه في الدين حرفا واحدا ويدعي امام الجهال انه لا متبل له في زمانه انما يتظاهر امامهم بالباس القصير واللخية الطويلة والورع والتدين وهو لا يفقه شيئا في الدين .ويسمى رجل الفتنة . وجميعهم عبدة الدرهم والدينار .

    • زائر 12 | 2:08 ص

      خوارج هذا العصر

      طبعا لمى نتكلم عن المذهب الس فهو مذهب لا يكفر الاخر بسبب الاختلاف المذهبي او الفكري وقد عاشت الناس سنه وشيعه رغم الخلافات مشكلتنا مع الفكر المتطرف الذي يلغي راي الطرف الاخر سواء السني او الشيعي فهو يكفر كلا الجاتبين مستعينا باراء شاذه هؤلاء الخوارج

    • زائر 11 | 1:44 ص

      امير المؤمنين علي عليه السلام

      «إن جلدته فارجم صاحبك»
      دعوة للكاتب للنظر حتى نحوياً في ادنى الحدود ليعلم ما قصد الامام علي عليه السلام من رده على الثاني، اما قراءةالكلام قشريا تضيع العقل وتكثر البلهاء

    • زائر 10 | 1:38 ص

      ولد العريبي ‏:‏ فقط رجل واحد لخبط العالم يا سيادي

      قبل عشرين عام تقريبا لفت انتباهي في إحدى الصحف صورة لصدام كتب تحتها ( رجل واحد لخبط العالم ) واليوم فأنا أرى أن العبارة الأنسب التي توضع تحت صورة بشار الأسد هي ( رجل واحد فرق المسلمين جميعا ) صحيح هذا ما كان يريد بشار من أجل بقائه على سدة الحكم فهؤلاء الحكام لا يهمهم أن يتقاتل الناس وينقسمون بل إن السلطة عندهم لا تساوي دماء الشيعة والسنة كلهم مجتمعين ‏

    • زائر 8 | 1:12 ص

      لو كان الاسلام

      صباح الخير الاستاذ الموقر ، اشكرك على هذا المقال النافع واشهد انك قلت الحق في زمن فيه الحق مغيب ، واشهد انك شاهد على هؤلاء النفر الذين طعنوا الدين الحنيف من الخلف بأعمالهم الدنيئة في المسلمين واستغلوا الدين لمصالحة وأهوائهم المتعطشة لسفك دماء عباد الله تعالى . ( بحريني أصيل )

    • زائر 9 | 1:12 ص

      لو كان الاسلام

      صباح الخير الاستاذ الموقر ، اشكرك على هذا المقال النافع واشهد انك قلت الحق في زمن فيه الحق مغيب ، واشهد انك شاهد على هؤلاء النفر الذين طعنوا الدين الحنيف من الخلف بأعمالهم الدنيئة في المسلمين واستغلوا الدين لمصالحة وأهوائهم المتعطشة لسفك دماء عباد الله تعالى . ( بحريني أصيل )

    • زائر 7 | 1:09 ص

      الظاهر ياابو لؤي باني ساتحول الى المسيحية

      على الاقل المسيحية دين متسامح لايكفر احد

    • زائر 6 | 1:06 ص

      استاذ يعقوب احسنت القول ونحن نقول ايظا بانا سئمنا من الشد المذهبي للطرفين

      كل واحد يريد ان يثبت بانه الصح والطرف الاخر هو الخطء انمايجب ان نكون مكملين لبعضنا البعض .
      الاختلاف الفكري صحي ومطلوب ولكن ليس لدرجة التخندق الطائفي والوصول لدرجة لايحمد عقباها .
      نقول للطرفين ابعدوا عنكم المتشددين المتزمتين التكفيريين الذين يبحثون عن مصالحهم فقط وتغليب رؤيهم المتشدد على حساب العقل والمنطق لان الدين الاسلامي ليس دين تشدد وتكفير انما دين عدل وتسامح ومحبة .
      يجب ان يستبدل الجيل الجيدي كلمات الكره والتشدد الى كلمات المحبة والتسامح وحب الخير للغير حتى وان اختلف عنك.

    • زائر 4 | 12:50 ص

      --

      اقتطافا من المقال:هكذا هي المذاهب الإسلامية، اختلافات في التفاسير الفقهية، لا تُخرج أحداً من الدين، بل تـُنَوِّع الطريقة العبادية لوحدانية الله،
      كلام صحيح

    • زائر 3 | 12:10 ص

      غير موافق

      ما جاء فى الفقرتين الأخيرتين هو ما كتب فى تاريخ المدارس. اما الحقيقة فهى مغايرة. التاريخ إثنان: تاريخ يريدوننا أن ندرسه و نتعلمه و تاريخ الواقع و الذى يجب البحث عنه فى بطون الكتب. هل وصلتك رسالتى؟ من الأزل و الى الأن نفس الإسلوب و نفس الخطط للحصول على الميزة و الفرق و فصل الراعى عن الرعية.

    • زائر 2 | 10:42 م

      أجازوا لأنفسهم ما لم يرتض الله لنفسه في الدنيا

      الدنيا عمل ولا حساب وفي الآخرة حساب ولا عمل ولكن البعض جعل من نفسه اله بل وأقام له قيامة صنّف فيها البشر على مزاجه فهذا للجنة وذلك للنار مع اعطاء الصكوك بالغداء والعشاء مع النبي الأكرم وذلك بسفك دم الابرياء من المسلمين.
      نعم انهم كذلك يوعدونهم بالجنة لمجرد تفجير انفسهم في وسط مجموعة من الابرياء لمجرد انهم يعتنقون مذهبا مغايرا.
      صنفوهم كفرة وفسقة واصدروا الحكم باعدامهم واذا نظرت الى هؤلاء وجدتهم جهلة في ابسط الامور لا يستطيعون مناقشة شخص عادي فكيف يتصدرون الافتاء بقتل الابرياء

    • زائر 1 | 10:10 م

      صبااح الطماط

      الحجة بالحجة والتبن بالتبن

اقرأ ايضاً