العدد 3947 - الخميس 27 يونيو 2013م الموافق 18 شعبان 1434هـ

خريطة «الشرق الأوسط» بين الربيع العربي والخريف الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لم تعد فكرة تقسيم المنطقة وإعادة هيكلة الجغرافيا السياسية، مجرد تصوّرات موضوعة في ملفات وزراء خارجية الدول الكبرى، بعد أن تمّت مناقشتها تفصيلياً في اجتماع الدول الصناعية الثماني في مدينة سي ايلاند في الولايات المتحدة في يونيو/ حزيران 2004. آنذاك تقدّمت أميركا بنص المشروع في فبراير/ شباط 2004 في عهد الرئيس جورج بوش الابن، ووزّعت منه نسخاً على الدول المعنية لوضع الملاحظات عليه قبل إقراره واعتماده سياسة في السنوات الخمس المقبلة. (نشرته صحيفة «الحياة» اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 13/2/2004. ويشمل المشروع البلدان العربية وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان).

حدّدت القمة مهلة زمنية لتنفيذ المشروع تنتهي في العام 2009. انتهت الفترة التي اتُّفق عليها، وهي فترة تأسّست على متغيّرات سابقة ولاحقة بدأت في أفغانستان (حرب 2001) والعراق (حرب 2003) ولبنان (حرب 2006) وغزة (حرب 2008-2009). وتصادفت كلّها مع بدء انسحاب القوات الأميركيّة وتجميعها في قواعد عسكرية في العراق وتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية على صلة خاصة بإدارة واشنطن، ما فتح باب الافتراض عن وجود صفقة تعطي أفضلية لقوى إقليمية على حساب أخرى.

يتجاوز نص المشروع الظروف المرحلية التي أملت على إدارة بوش الابن الإسراع في كشفه، لكونه يتضمّن مجموعة نقاط تحتاج إلى خطوات عملية لتنفيذها على مراحل ولا يمكن لها أن تنتهي في العام 2009. فالمشروع كبير واحتاج فعلاً إلى مساحة زمنية تجاوزت عهد إدارة بوش (الحزب الجمهوري) وتتطلب فترة سماح مضافة من عهد باراك أوباما (الحزب الديمقراطي) حتى تكون الأوضاع جاهزةً للتكيّف مع طموحات التغيير، وهي تطلّعات ترى الدول الكبرى أنها أصبحت ضروريةً للبدء في مشروع إعادة هيكلة «الشرق الأوسط».

أخطر ما في المشروع غموض فكرته، فالمصطلح غير واضح ويشمل سلسلة بلدان تمتد من غرب الهند إلى المغرب، ويتضمّن الكثير من النقاط التي تخلط بين الإصلاح الشكلي والتغيير الجذري الشامل. وغموض الفكرة فتح الطريق للإكثار من الكلام، عن وجود «مؤامرة كونية»، لتفكيك المنطقة وتقسيم الدول إلى دويلات عرقية أو طائفية تعطي شرعية تاريخية للنموذج الإسرائيلي في فلسطين.

الحديث عن مؤامرة ليس خارج الموضوع – حتى لو بالغت الأنظمة في تضخيم المخططات الدولية للتهرّب من مسئولياتها القانونية – في اعتبار أن النسخة الموزعة التي نشرت في الصحف في فبراير 2004 اشتملت قضايا عامة مضافة إلى توصيفات فضفاضة تتحدث عن منطقة جغرافيّة هائلة الاتّساع وغير موحّدة في درجات نموّها ومناخاتها وبيئاتها.

أعاد هذا الإشكال الجغرافي في تحديد هوية المنطقة (عربية أو إسلامية)، الذاكرة إلى مناقشات الكونغرس الأميركي بشأن «الشرق الأوسط» في العام 1993 وقراءات المستشرق برنارد لويس عن طبيعة المنطقة وتكوينها الديمغرافي (خصوبة الأقليات وتكاثرها) وتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عن «الشرق الأوسط الجديد» خلال زيارة قامت بها إلى تل أبيب في يونيو/ حزيران 2006. وعزّز الاختلاط السياسي في توصيف هوية الشرق الأوسط بين «الجديد» و»القديم»، أو بين «الصغير» و»الكبير»، فكرة المؤامرة وأعطى ذريعة للأنظمة لرفض مشروع الإصلاح الذي تحدّث عن نقص في إنتاج الكتب والترجمات، واحتكار السلطة للإعلام، وعدم وجود صحافة حرة، وتهميش المرأة، وارتفاع أعداد المتخرجين وعدم توافر فرص عمل ما يضطرهم للهجرة، وتدنّي دخل الفرد، وضعف النمو قياساً بنسبة التكاثر السكاني.

هذه «الأفكار الطموحة» التي وردت في المشروع تهرّبت منها الأنظمة بذريعة وجود مؤامرة تستهدف الأمن وتدفع الشعوب نحو الخروج وزعزعة الاستقرار. وهو ما ظهر لاحقاً في الانتفاضات التي اندلعت في نهاية 2010 وتدحرجت في 2011 و2012 و2013.

ساهم اختلاط هوية «الشرق الأوسط»، وعدم وضوح الجانب السياسي من المشروع، واقتصار الأفكار على النصائح من دون الدخول في الأسباب، في تخويف الأنظمة على رغم أن طموحات النص الذي أقرّ في قمة سي ايلاند تعتبر متدنيّة. فالمشروع رأى أن حلّ المشكلة الاقتصادية يتطلّب التركيز على التنمية البشرية ورفع دخل الفرد يوميّاً إلى أربعة دولارات، كذلك رفع نسبة النمو من 3 إلى 6 في المئة سنوياً. كذلك رأى أن حل المشكلة السياسية يتطلب إجراءات تشمل تعزيز الديمقراطية وتطوير مجتمع المعرفة وتوسيع الفرص الاقتصادية، وإطلاق الحرّيات (انتخابات حرة، معاهد لتدريب النساء على المشاركة في الحياة السياسية) وإصلاح النظام القضائي (المدني، الجنائي، والتشريعي) ومكافحة الفساد، وإصلاح النظام المالي والتبادل التجاري، وذلك بهدف نشر الشفافية وترسيخ الحكم الصالح وردم الفجوة الاقتصادية (نظام قروض وتسليف المؤسسات الصغيرة، تعديل نظام الرسوم الجمركية، إنشاء مناطق حرة ومناطق رعاية الأعمال) والانضمام إلى منظمة التجارة الدولية.

أعطى اختلاط فكرة «الكبير» بـ»الجديد»، مشروعية رسميّة للدول العربية برفض المشروع بذريعة أنّ الإصلاح يمسّ السيادة وله صلة بالأمن الداخلي والاستقرار ويشجّع على تقويض الدولة وغيرها من عناوين فرعية كانت كافية لإغلاق الملف. وجاء إغلاق الملف بعد صدور ردود فعل سلبية وغاضبة آنذاك من الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي وصف خطة المشروع بالسطحية، وقال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إنّ الدول العربية تريد التنمية والتحديث لكنّها ترفض نظرية «الإصلاح بالقوة».

بسبب عدم تجاوب الدول العربية، أغلق المشروع آنذاك بعد إقراره من قبل الدول الصناعية الثماني في قمة سي ايلاند. فالنصّ المعلن كان يعاني من ضعف في منهجية الربط بين الأسباب والنتائج وآليات الحل، لأنه اعتمد أساساً على تقرير قدّمه معهد «فريدوم هاوس» في العام 2003 الذي تحدث حسابياً عن درجات الحرية في العالم العربي ما أعطى صفة نمطية عامة عن دول متباعدة جغرافياً ومناخياً وثقافياً من غرب الهند إلى المغرب، متجاوزاً بذلك الهوية التاريخية أو الدينية أو القومية التي تجمع كل هذا الكم من الأضداد.

أغلق الملف آنذاك، لكن المخاوف عادت إلى الظهور بعد سلسلة الهزات التي ضربت المنطقة من المحيط إلى الخليج (صعود قوى وسقوط قوى) ما طرح احتمال وجود علاقة بين ما يحصل في البلدان العربية من هبات سياسية ومشروع إصلاح (أو هيكلة) الشرق الأوسط الكبير الذي اتخذ القرار بشأنه في قمة سي ايلاند.

المشروع الذي وضع في عهد بوش الابن وحددت مدة تنفيذه في نهاية 2009 طرأت عليه تعديلات تتّصل مباشرة بتراجع الموقع الأميركي، وتردّد واشنطن في إعادة ترسيم حدود مصالحها في دائرة «الشرق الأوسط» في لحظة انتقالية لم تعد فيها أميركا اللاعب الدولي الوحيد كما كان الأمر في العام 2004. فالإدارة الأميركية في عهد أوباما متردّدة وغير واضحة، وهي تغلّب قوة الديبلوماسية على ديبلوماسية القوة.

الاختلاف بين تكتيك «القوة الخشنة» الذي اعتمده بوش الابن وتكتيك «القوة الناعمة» الذي يعتمده أوباما، لا يعني بالضرورة تخلي الولايات المتحدة عن مشروعها الاستراتيجي الذي ارتأى أن المنطقة بحاجة إلى إصلاح وتغيير. الاختلاف لا يقتصر على تعارض النهجين وإنّما أيضاً على تراجع الدور الأميركي وعدم استطاعة إدارة أوباما على التحرك من دون ضوابط دوليّة ورقابة الأمم المتحدة.

الخريف الأميركي أخذت تظهر أعراضه وبدأ يتمظهر في طموحات موسكو وإصرارها على العودة إلى لعب دور الشريك الاستراتيجي في إدارة خطوط المعركة وترسيم حدودها السياسية.

نفي المؤامرة (شبهة الاتّصال) لا يلغي احتمال وجود خطّة مشروع يستهدف إعادة هيكلة دول المنطقة (تقسيم السودان مثلاً في مطلع العام 2011، واحتمال انزلاق العراق إلى كونفدراليّة مناطق وقوميات) تحت سقف مطالب مشروعة تطمح شعوب المنطقة إلى تحقيقها إسوةً بدول العالم. «المؤامرة» إذا وجدت أم اختلقت لا تستطيع أن توقف عجلة التقدم والتطور والإصلاح واحترام المرأة وحقوق الإنسان. وهنا بالضبط تبدأ المسئولية التاريخية التي وقعت «مصادفة» على القوى الإسلامية الصاعدة حديثاً من الشارع إلى السلطة. فالسؤال لم يعد يقتصر على «ماذا تريد القوى الإسلامية من السلطة» بل ماذا تستطيع القوى الإسلامية أن تقدم وتفعل بعد أن وصلت إلى الحكم. يبدأ التحدي من هذه اللحظة الانتقالية (الربيع العربي في مواجهة الخريف الأميركي) التي تؤشّر إلى وجود متغيّر غير واضح المعالم، لكنّه بالتأكيد لن يكون كما كانت العهود الانقلابية والتسلطية السابقة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3947 - الخميس 27 يونيو 2013م الموافق 18 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 10:14 ص

      هلا ومرحبا نورت الجريدة

      هلا ومرحبا أساذنا أهلا وسهلا بك عزيزنا والله نحتاج الى تحليلك في الوضع المتأزم الحالي نتمنى منك الاستمرارية في الكتابة لان تحليلاتك للوضع وللواقع السياسي العالمي مهم نحترم وجهة نظرك حتى لو اختلافنا معك في الرأي نتمنى المواصله في الكتابة وجريدة الوسط هى جريدتك والبحرين بلدك الثاني وتحياتي وننتظر المزيد من مقالتك.

    • زائر 13 | 8:51 ص

      عودٌ محمود أستاذ وليد

      أهلا و سهلا بعودتك لأسرتك الوسط و شعبك القراء ..

    • زائر 12 | 6:44 ص

      عدت يا وليد

      عدت لنا يا وليد في هذه الظروف العصيبة
      كما افتقدنا تحليلاتك في هذه الأزمة الكونية
      عدت والعود أحمد

    • زائر 11 | 5:05 ص

      مخطط بني صهيون

      تقسيم المقسم وتجزئ المجزأ،وجعلهم يتناحرون فيما بينهم بالطأفنة وتحريض المذاهب والأديان،سموها بالخلاقة لأنها تخلق مناخا لإستعباد الشعوب أنهب خيراتها وجعلها سوقا تروج فيها بضاعتها وتحد كل ما في شأنه لم الشملة وتبديد أية وسيلة تتيح لها أن تكون دولا منتجه،يجب عليها فقط أن تكون دولا مستوردة. الربيع العربي أراد له سلبه من مضمونه وتحويله إلى خريف،عملية التصحيح قد بدأت للتو،فالشعوب قد تبينت مدى هذا الإستهداف،الخريف لأعداء الشعوب قادم إليها في مكمنها،لن تستطيعوا أن تتجنبوه مهما فعلتم.

    • زائر 9 | 1:46 ص

      اهلا بالكاتب المخضرم

      اهلا بك أيها الكاتب المخضرم اين كنت طول هذه الفترة ؟ أخيرا سنقرأ مقالاتك لقد عدت من جديد

    • زائر 10 زائر 9 | 2:48 ص

      الاستاذ وليد نويهض اهلا وسهلا

      الاستاذ وليد نويهض اهلا وسهلا

    • زائر 8 | 12:54 ص

      البربريه والمهمجيه وحروب ما بعد وقبل المسيح (ع)

      ليس بسر، لكن كان هتلر حتى يتخلص من اليهود الفقراء والضعفاء وكبار السن وغيرهم من من كانوا يشكلون عبيء على المانيا، حسب ما حساباته كانت في ذاك الوقت. فقام باحراقهم والتجريب عليهم تجارب لتحسين العرق السامي أو ما سمي أيامها النازي. اليوم يبدو أنهم أي النازيون الجدد يفكرون في التخلص من الشعوب التي سكتت على مواردها الطبيعيه المنهوبه لأكثر من قرنين ونيف. أي بعد إنتهاء الامبراطوريه العثمانيه. السؤال هل سيفنون البشريه بهذه الطريق الهمجيه البربريه؟

    • زائر 7 | 12:34 ص

      لبنان وفلسطين ودول المشرق

      منذ بدايه تاريخ التجارة التي بدئها الانجليز المهجرين من روسيا وزيارتهم للشرق الاوسط والشرق الأدنى وآسيا الوسطى سابقا كان طريق تجارة الحرير بين أوربا والصين والدول الاخرى. فكرة تجارة اليد العاملة الرخيصه من هذه الدول لم تكن وليدة اليوم وإنما تم تفقير الناس ووضع البلد الى حالة عوز وبطاله و.. و يعني صار الانسان ما له قيمه سوقيه الا الاسبعاد أو الاستعباد من أجل دورة مال لشركات ومؤسسات الماليه اليهوديه في الأصل لكن تسمى وطنيه أو عربيه أو إسلاميه أو عالميه.. البس إستهبالا للشعوب وإستغلالا للبشر

    • زائر 6 | 12:05 ص

      عودا حميدا ياوليد

      واكتب الينا ماتريد

    • زائر 5 | 12:02 ص

      أسرار كونيه عن الحكومه الالكترونيه السريه بنادي باريس

      تجاره حره وأسواق حره ومشاكل مره للمجتمعات وفوضى عارمه تعود بالمجتمع الى الوراء عشرات القرون لا يفعله الا صهيون بأيدي خفيه مثل وعباد المال والشهوات و.. من مشاكل صنعها فكر صهيوني أو يهوديه ومن والاهم أي بمعنى تابعهم وأخذ طريقهم. تنكشف صورة إنهيار ما سمته مجموعه نادي باريس باقتصاد تبذير وإسراف وإستغلال البشر أو إستعبادهم.. بمعنى العوده الى القطاع الخاص والإقطاع والضرائب ولا وجود للدولة ولا قضاء عادل لارتفاع نسبة الرشوه والفساد الأخلاقي و التحكم بمفاصل الدوله وتعطيل القانون. عبري أو عربي الربيع ظهر

    • زائر 4 | 11:47 م

      فشل بدون أذرع للحكوم الكونيه (سريه) نادي باريس

      لم يعد من الأسرار أن إنهيار دولة الشياطين أو ما تسمى بالدوله الخفيه التي تدير العالم. قد يكون القاريء قد سمع أو لم يقراء عن حكماء صهيون، أو الكهنه أو السحره أو المشعوذين وأتباعهم من الراقين وتأتي من الرقيه وهي أحد أنواع السحر. كل ما تقوبه هذه المجموعه خلق منتج من الفايروسات مثل فايروس نقص المناعه وفايروس إنفلونزه الخنازير وعرض منتج آخر يعالج المرض بأسعار خياليه. إنهيار ما سمته المجموعه باقتصاد تبذير وإسراف وإستغلال البشر أو إستعبادهم.. اليس ما تنبأ به فلاديمير إيليانفش إيليانوف يبدوا اليوم

    • زائر 2 | 10:57 م

      سؤال

      هل عاد الكاتب الكبير إلى العمل في صحيفة الوسط وشكراً؟ أم انها مشاركات فقط!!!

    • زائر 1 | 10:20 م

      ابن الدراز

      اشرقت وانورت اخرجت الارض اثقالها , لقد شرحت قلوبنا بطلتك يا استاذ وليد نويهض , فأهلا بك من يديد في وسطنا , ارجو ان لا تقطع فانقطاعك كإنقطاع الماء عنا , بارك الله فيك وفي يراعك المعطاء الذي طالما نستقي منه وننهل , رؤيتك بشير خير علينا

اقرأ ايضاً