العدد 3952 - الثلثاء 02 يوليو 2013م الموافق 23 شعبان 1434هـ

العلمانية والدولة المدنية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

العلمانيون لا يجمعهم الخروج على الدين، كما يُجَيِّش عليهم منافسوهم من المتطرفين من الدينيين بالكراهية، فجلّهم معتنقو أحد الأديان السماوية الثلاثة .

كثير من الجاهلين والمغرضين، من الدينيين ومتلبسي عباءة العلمانية من غير تبحر في العلم بها، ومن العامة المُجَهّلين، من يضادد العلمانية بالدين، على خلفية معلومة منقوصة، إثر نشوء الفكر العلماني لمواجهة هيمنة الكنيسة في أوروبا، والتي تم ربطتها بمقولة لماركس «الدين أفيون الشعوب»، كعنوان لم يقرأوا متنه، الذي أبان أن الكنيسة تستخدم الدين كالأفيون لتخدير الشعوب، بالإدعاء أن الكهنة هم ممثلو ووسطاء الله في الأرض، ومن خالفهم فقد كفر.

تلك الهيمنة التي اغتالت الفلاسفة والعلماء والمبتكرين في شتى العلوم التقنية والإنسانية، باستخدام تحريض العامة الديني، من بعد بث الرعب في قلوبهم، من أن عدم الانصياع لأوامر الكهنة، يعد كفراً بالله، وحاربت كل ما هو جديد، حتى داخل الكنيسة، في صراعات دينية داخلية على السلطة والثروة، وللحفاظ على الهيمنة على الشعوب، التي تتعامل معها الكنيسة على أساس أنهم الرعاع الذين لا يستقيمون إلا بسياط الكنيسة، فشكّلت الكنيسة فرقاً من بطنها، لاغتيال المختلفين والمنوِّرين. وما أشبه اليوم بالبارحة، فيما نراه اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية من تناحر ديني ومذهبي وفِرَقي.

وأهمل أولئك، الدولة المدنية التي أتت بها العلمانية من بعد مخاض فكري عسير مع الدولة الدينية، وعبر مساجلات فكرية وتجريبية، ما بين علماء الاجتماع والدين في الأديان الثلاثة، والساسة، تلك الدولة التي حسب نظامها وقوانينها وإجراءاتها وأجهزتها، يتنازل فيها الفرد عن سلطته الفردية إلى الدولة المدنية، الجامعة للناس في مساحة وطن أكبر من مساحات القبائل كلاً على حدة، وبالتنوع الفكري والاجتماعي والديني وتفرعاته، لتقوم مقامه في حفظ الحقوق الفردية والمجتمعية، وفوّضها حمايته، عوضاً عن الثأر وردات الفعل الفردية على كل شاردة وواردة. وعوضاً عنها تم تشريع الدساتير وسن القوانين والإجراءات، وإنشاء المحاكم بكل تفرعاتها التخصصية، وإنشاء وتطوير أجهزة الدولة المدنية المتكاملة.

والعلمانيون لا يجمعهم الخروج على الدين، كما يُجَيِّش عليهم منافسوهم من المتطرفين من الدينيين بالكراهية، فجلّهم معتنقو أحد الأديان السماوية الثلاثة، إلا أنهم الدارسون لجميع العلوم سواء، الدينية والإنسانية، وحتى الملحدين منهم، يحترمون العامة من الناس بغض النظر عن دينهم وتفرعاته المذهبية، ويحترمون المعتدلين من رجال الدين، وإن كان لهم صراع فكري مع علماء الدين فهو ضد المتطرفين منهم، في تصدٍ لكل محاولة لهدم الدولة المدنية.

وفي تقديرنا أن رجال الدين المعتدلين، أياً كان دينهم ومذهبهم، هم في واقع الحال أصل المتدينين، لأنهم أقرب فهماً وتطبيقاً لروح الأديان، أما المتعصبون منهم، فهم إما جاهلون بالدين، وإما أن تعصبهم هو ردّات فعل عصبية على من هم أجهل منه من متعصبي الأديان والمذاهب الأخرى، ومتلبّسي العلمانية، وإما أنهم بائعو دينهم وآخرتهم بدنياهم، ولا نعتقد أن هناك تضادداً ما بين الدينيين المعتدلين والفكر العلماني الصحيح، حول مبدأ «الدين لله والأوطان لمواطنيها».

ولنا أن نحاكم الدولة الدينية قبالة الدولة المدنية، بما آلت إليه دولة الكنيسة في أوروبا تاريخياً، وبما تشير إليه الأوضاع في مجتمعنا الإسلامي، في يومنا، واحتمالية التردّي في قادم الأيام، لنتبيّن أن الدولة الدينية، مآلها الفرقة والاحتراب داخل الدولة الواحدة، فما بالك بما بين الدول الدينية جمعاء. ولنضع سيناريو لدولة دينية في البحرين مثلاً، سواءً جاءت سنيةً أو شيعيةً، فدولة دينية يقوم على السلطات فيها الدينيون، من طائفةٍ بعينها، لابد أن تتقاتل مع رعاياها من الطائفة الأخرى أو يقاتلوها، لا على نظام إدارة الدولة، بل على الخلافات المذهبية التي تستقي بما أسَنَ من أحداث التاريخ السحيق، لتستحضر كل طائفة، ما مسّها من الطائفة الأخرى، في صراعات سرمدية، بتكفير إحداهما للأخرى، ما يدعو إحداها إلى الاستنفار بالجهاد ضد الأخرى، فما بالك بأن الجهاد يستجلب أيضاً كل مساند وداعم لكل طائفة، من أهل مذهبها في بقاع العالم وكذلك كفارها. المهم أن يباد أفراد الأديان والطوائف الأخرى، والويل الأعظم، على من يَسهَل تكفيره من العلمانيين والمتمدنين من عامة الناس، إن نبسوا برأي يخالف المتطرفين الدينيين في كل طائفة، خصوصاً في لحظات الدعوة للجهاد، فالتجهيل بالدين وأصوله وفقهه، باحتكاره في رجال الدين دون العامة، مهما بلغ علمهم الدنيوي، واحتكارهم للمنابر، يجعل عامة الناس في جهلٍ بأمور دينهم، فيسهل تهييجهم بالعاطفة الدينية، ليكونوا حطب نار الفتنة في الدنيا عاجلاً، وهم والمتطرفون الدينيون حطب نار الآخرة آجلاً، وما بينهما من المعتدلين الدينيين والمتمدنين من العامة، ضحايا سعير الاحتراب الطائفي. وما مآل أية دولة دينية كانت إلا الدمار الوطني، الذي يأكل الأخضر واليابس.

ولنا استتباعاً للدولة المدنية كصائن للمجتمعات وبديل للدولة الدينية.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3952 - الثلثاء 02 يوليو 2013م الموافق 23 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 11:32 ص

      من شوه العلمانية غير تجار الدين و ساستها

      ان الهرطقة التي تخرج من افواه تجار الدين عند جماعة الاخوان المسلمين و السلفيين و خامنائي و رجاله في المنطقة..جمدت عقول الناس و باتوا يمارسون تاريخ قديم في هذا الحاضر الحديث.. في حين ان الدول المتقدمة و الصاعدة تبنت المناهج العلمية للتقدم و فصلوا الدين عن شتى العلوم و منها علم الاجتماع و السياسة.. تجدنا نحن نصارع انفسنا تارة باسم عمر ضد علي.. و تارة اخرى باسم يزيد و الحسين.. حتى اصبحنا قاب قوسين او ادنى الى الدرك الاسفل من الانحطاط الفكري و الثقاي. افيقوا افيقوا يا غواة.. انما (.

    • زائر 12 | 11:25 ص

      الشجاعة

      ليست الكنيسة هي فقط من يخدر الشعوب و الكمنة هم ممثلوا الله في الارض هناك طائفة تستخدم الدين لتخدير المغفلين و يدعون انهم ممثلوا الله علي الارض بس ياليت لديك الشجاعة لكشفهم

    • زائر 11 | 8:08 ص

      الدين افيون الشعوب

      مثل ماثور وتاريخي وواقعي ... الدين افيون الشعوب.... سوف نبقى على حالنا ومشاكلنا الدينية الطائفية للابد طالما لا نفصل الدين عن الدولة.

    • زائر 10 | 6:40 ص

      صحح معلوماتك

      لا معلومات ناقصه هذه الايام و لا تحاول أن تبرر ما أنت عليه فالعلمانيه و المدنية لا إرتباط لها بالدين و الاعتدال في الدين هو تطبيق شرع الله و بتطبيق الشرع و السير و على منهجه السمح تتحقق العدالة الإجتماعية.

    • زائر 6 | 3:30 ص

      إشكالية الدين والإيمان

      نحن امام إشكالية دينية مذهبية وبتعصب فالديني يكذب عندما ينادي بدولة مدنية سنياً كان او شيعي لأسباب أن الشرعية والحاكمية مصدرها إلهياً لا بشرياً لأن هؤلاء لديهم إشكالية سقيفة بني ساعدة وبيعة ابوبكر وبالتالي المخرج هو الشرعية الإلهية وعليه لا تكون شرعية لأحد ولا سيادة لشعب ولا الشعب مصدرا للسلطات اما الطرف الآخر فقد عبر عنه احد النواب السلفيين بقوله أن البرلمان مفسدة ودخوله البرلمان لدرء المفسدة فماذا تنتظر من هؤلاء غير الدمار ولكن المعضلة ألأكبر ان علمانيوا البحرين، صاروا ملالي وشيوخ دين /سندارة

    • زائر 8 زائر 6 | 5:13 ص

      اخي ارى الدوله المدنيه ويجب اقناع الشباب لا يكذبون االتيارات الاسلاميه على شبابنا

      ارى دولة عصريه مدنيه ديمقراطيه واحلل الاشخاص انت تتهم العلمانيون في البحرين اصبحو ملالي انت او انك شيوعي متطرف لسته معتدل من التقدمي او انك سلفي انا اعرف كيف تفكيركم من يسب الدين ان الدين في القلب انا ارى هكذا ودولة مدنيه لكن انت تقول العلمانين هل انت تطلب الذي يطلبونه من الاصلاح والحوار هل مستعد تكن قائدهم انت متذبذب يوم معهم ويوم ضدهم انت انسان مثل تبحث عن مصلحتك ومصلحة اهلك وتدعي انك انت واهلك ابطال لا اعرف هل انت الذي ابن اختك المرشح بلدي

    • زائر 9 زائر 6 | 5:19 ص

      انت شيوعي متطرف

      لوكنت تقدمي من الشيوعين المعتدلين لقلت انك على صواب انظر الدوله الدينيه لا تنفع ويجب محاربتها كنات في ايران او طالبان والعلمانيه المتطرفه مثل بن علي او الشيوعيه مثل الاتحاد السوفيتي او كوريا او تجربة البعث العراقي او السوري لا ينفع التطرف اليمين الديني او اليمين الشيوعي كل الطرفين مثل بعضهم البول اخو القذاره

    • زائر 5 | 2:37 ص

      الغالبية العظمى من المعارضة تطالب بدولة مدنية لا دينية

      من يحاول التشبث بالدولة الدينية فإنه يتشبث بإرث ثقيل لا تقوى عليه اي دولة الآن، خاصة مع اضطلاع الناس وثقافتهم وخاصة في ظل محاولة العزف على الاختلافات المذهبية والتركيز عليها من بعض الانظمة كدرع يحتمون فيه من اي تغيير قادم. لذلك من وجهة نظري ان الدولة المدنية هي الأفضل للجميع بحيث يتساوى فيها كل المواطنين ولا يصبح التمييز والاقصاء الطائفي هو مناط الحكم وادارة البلد واحتكار المناصب

    • زائر 4 | 2:06 ص

      الراسماليه والاسلام

      نحن امام مواجهه لا تنتهي بين الاسلام (الاسلاميين) والراسماليه ،
      حيث تركز الاولى على تربية النفس وصناعة الروح وتركز الثانيه على صناعة وانتاج ا لسلع والخدمات و فن الاداره كهدف رئيسي
      الدوله الدينيه والدوله المدنيه في نهاية الامر مصدرها تاثير المواجهه المذكوره
      شكرا وبالتوفيق
      الاستاذ الموقر (يعقوب سيادي )

    • زائر 3 | 1:23 ص

      انت علماني لابد ان تدافع عن علمانيتك

      المشكلة ان الكاتب يأتي بالامثلة السيئة للدولة الدينية ومنها ما حدث في اوروبا ان اقول ان الدولة المدنية العلمانية تجعل الانسان يتصرف كالحيوان من غير ضوابط وتاتي بتشريعات وقوانين تخالف الفطرة البشرية التي فطرنا الله عليها بل تخالف الشريعة الاسلامية وتعمل على الغائها.
      انا لا افضل الدولة الدينية الطائفية او المتخلفة كطالبان ولكن يمكن ان تكون هناك الدولة الدينية المعتدلة التي تجمع جميع الطوائف.

    • زائر 7 زائر 3 | 4:55 ص

      هذا انت تعتقد فيها

      انت تعتقد ان الاعتدال هو يجمع حتى حماس في غزة لم تستطع تجمع وكثير حتى ايران والاحزاب الدينية من العراق وحكم مصر فشلو كان رجب طيب اردوغان حكم ايضا فشل ألم يقل زعماء حزب الله انهو الرئيس التركي هو الطيب الامين الطيب اين ترى الاسلامين هم مخطئين لولا الحديد والنار والسجون في ايران لما استطاعو يوم واحد يحكمو ايران لا يوجد شئء معتدل هكذا الذي تقول لا يكذبون عليك الملالي ويخدرونك بكلام معسول مثل محمد مرسي و حتى ايران اتصر الاصلاحين المعتدلين الذينه يعتقدون في اصلاح بنائي واساسي لنظام جديد مدني ديمقراطي

    • زائر 1 | 11:49 م

      الاسلام السياسي

      فشل الدولة الثيوقراطية حتمي فمنهم من سقط ومنهم من ينتظر

اقرأ ايضاً