العدد 3956 - السبت 06 يوليو 2013م الموافق 27 شعبان 1434هـ

مصر وما أدراك بشعبها

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

ستون عاماً ما بين نهضة مصر أيام عبدالناصر ونهضتها يوم 30 يونيو 2013، فالرافضون لإرادة الشعب المصري، يصفون الحالتين بالإنقلاب العسكري، ويتناسون، إنهما انتصار للشعب المصري على قوى الظلام، سواء الخديوية أو الإخوانية، إخوان المسلمين؟ أي أخوة هذه للمسلمين، بلبس لباس الألوهية، والتفريق بين المواطنين، بناء على الدين، وفروعاته المذهبية؟!

عبدالناصر في قيادته للانقلاب العسكري، لم يتظاهر ضده جموع الشعب المصري، بل هللوا لفعله، واستمر مدعوماً بالشرعية الشعبية قبل الدستورية، وحين اسْتـَلامَ من هزيمته في حرب 67، استقال اعترافاً بمسئوليته، فخرج كامل الشعب المصري يطالبونه بالعودة. أما مرسي، فقد كان له لقاء تلفزيوني أجاب على سؤالٍ قبل توليه الرئاسة، لو خرج المصريون في الميادين يطالبون بتنحيك، فما أنت فاعل، وكان الجواب: أتنحى، فقد كان ذلك وعداً منه لشعب مصر، وحين تبين للمصريين أنه رئيس لحزبه وليس لكامل المصريين، كما وعد، خرج عليه غالبية الشعب المصري، وطالبوه بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تليها الانتخابات البرلمانية، لا ليسلبوه الرئاسة بتولي غيره، بل يكون هو نفسه فيها من المترشحين، ولكنه يعرف قدره، الصدافي الذي أتى به رئيساً لمصر، فلم يكن يأمن انتخاب الشعب له ثانية»، فماذا فعل؟ اختزل الشرعية في لحظة اقتراع، وقال «دون الشرعية دمي»، وكأنه يقول للشعب المصري أعرفكم، وأعرف أنكم لن تنتخبوني ثانيةً، لأني لم أفِ لكم بوعودي ولن أفعل، فأنا من أمّيْتُ رسول الله كما رؤيا إخواني المسلمين، وأنا رئيسهم ولست رئيسكم، وأنا من نزل جبريل يبارك خداعي لكم، فماذا تريدون بعد ذلك؟ هل تريدوني أن أجن، وأحلم بانتخابكم لي من جديد؟

هذا هو مرسي الذي يدّعي الشرعية، بانتخابه من غالبية الشعب، يخاف من غالبية الشعب ألا تنتخبه ثانيةً، ولي تقدير شخصي، أن أنصاره كانوا سيعيثون في الأرض فساداً، وللشعب المصري نحراً، ما لم يتخذ الشعب احتياطاته، في صفة مهام جيشه الوطني الدستورية، ويمنعهم ذلك.

30 يونيو 2013، يوم ثورة الشعب المصري، ضد نظام رئاسي، لم يكن بأحسن حالاً من نظام مبارك، مبارك حكم بالحديد والنار، ومرسي حكم بأفيون دين الجاهلين، كما قال ابن رشد الفيلسوف العربي، «إذا أردت أن تتحكم في جاهل، عليك أن تغلف كل باطل بغلاف الدين»، ولعظمة الشعب المصري، حين ينتفض، أدار ثورة لم تطح بالرئيس السابق مرسى فحسب، بل ثورة في العلوم السياسية والإجتماعية والفقه الدستوري أيضاً، فأسس المثال العملي للدولة المدنية الحديثة، وابتكر ما لم يذكره أي دستور في العالم، للانتقال السلمي للسلطة، نزولاً عند الإرادة الشعبية، فكانت المطالبة الشعبية بالانتخابات الرئاسية المبكرة، التي تقاس بالمعيار الديمقراطي التقليدي، في الأغلبية الشعبية. وقد أجابت على السؤال الذي عجز عن إجابته جهابذة علم الاجتماع والسياسة، أو ربما تعاموا عن إجابته، والسؤال: ما هي الأداة المدنية السلمية الديمقراطية، التي تنفذها الإرادة الشعبية، لإيقاف سلطة منتخبة، لم تعد تمثل الإرادة الشعبية، بتوصيفات مثل المستبدة أو المميزة لفئة شعبية على غيرها، أو نتاج أدائها تفتيت المجتمع بما يُخشى فيه الاحتراب الأهلي، أو تردي الأوضاع المعيشية والأمنية والاقتصادية للدولة بما ينذر بالمجاعة، هذه التوصيفات التي لا تقبل تأجيل درئها، انتظاراً لانتهاء مُدَد دستورية. هذه المُدَد، التي تشرعها الدساتير لأجل منح السلطات الأجل المعقول لترجمة البرامج الانتخابية التي على أساسها تم الاختيار الشعبي لهذه السلطات، والمتوجب على هذه السلطات الوفاء بها، والالتزام بمبادئ دستور الدولة المدنية، في الحرية والعدالة والمساواة، وحفظ الحقوق، وليست مُدَداً إجبارية تحيد خلالها السلطات عن تمثيل الإرادة الشعبية، بالقول أن تفويضها ممتد لأربع أو خمس سنوات، وعلى الإرادة الشعبية أن تنام خلالها، وترتضي زلات النظام المتراكمة كما صواباته، ( يتوجب توثيق هذه الآلية في الدستور المصري).

وقد كان المشهد المصري الفريد، تعداد المطالبين بالانتخابات الرئاسية المبكرة، في الميادين، مقابل الرافضين لها، والذي كان واضحاً في الأول الغالبية والتنوع الشعبي الديني والفكري والسياسي، حيث كان تمثيلاً لجميع أطياف المجتمع، مقابل الثاني، في محدودية عدده، وفي تمثيله لطيف واحد محصور في جماعات الفكر الديني لأفراد السلطة. هذا المشهد الحراكي الشعبي، الذي كانت شرارته، نتيجة أولية لفتاوي الجهاد، التي باركتها السلطات، ضد المختلفين دينياً بين الإسلام والمسيحية، ومذهبياً داخل دين الإسلام، وضد كل مختلف فكرياً وسياسياً داخل المجتمع، ما أدى إلى بدء انخراط سلسلة نظام الدولة إلى نظام الفرد، الذي بدأ يترجم محاذير الاحتراب الطائفي.

هذه الأحداث التي وضعت الجيش الوطني المصري، والسلطة القضائية أمام مسئولياتها القومية، في الحفاظ على اللحمة الوطنية، ولهاتين الجهتين مسئوليات محددة في نظام الدولة المدنية، تتمثل في تحقيق الإرادة الشعبية مع المحافظة على المبادئ الدستورية. وخيراً فعل الجيش، حين دعم الإرادة الشعبية عبر ممثليها من الأزهر الشريف الإسلامي والكنيسة المسيحية، دينياً، وممثل قوى الحراك الشعبي، لا ليسلمهم السلطة، بل ليقود عملية ديمقراطية تتمثل كما النص الدستوري في تسليم السلطة المؤقتة لرئيس المحكمة الدستورية، وترتيب إجراءات تصحيح خروقات الرئيس في إعلاناته الدستورية، للعودة إلى الآلية المدنية الديمقراطية السليمة لتعديل وإصدار الدستور، ليلحق بها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. فانتخاب السلطات لابد أن يسبقه إصدار الدستور الذي يضع حدود صلاحياتها، فلا تطلق للسلطات اليد دون الضوابط الدستورية.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3956 - السبت 06 يوليو 2013م الموافق 27 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:50 م

      السلف والإخوان وجهان لعملة واحده

      تباً لهذا المعتوه المتلحف بغطاء الدين و الدين منه و من أتباعه الإرهابيين والطائفيين براء. لقد فتح أبواب مصر لمشايخ الفتنة والفرقة بين المسلمين. أما اليوم و بعد الملحمة التي سطرها شعب مصر العظيم و القوات المسلحة المصرية الباسلة والشريفة، فلا مكان لشيوخ الفتنة والطائفية في مصر. و الرئيس القادم سيتفادى أخطاء مرسي القاتلة. كلنا رأينا جرائم هؤلاء،و آخرها مشهد القتل والسحل بحق أربعة من أتباع مذهب أهل البيت، و أدمت قلوبنا، فماذا حدث للمسلمين على أيدي هؤلاء التكفيريين؟ أليس دم المسلم على المسلم حرام؟

    • زائر 2 | 4:58 ص

      محرقية

      كلنا قلوبنا مع مصر .... عيني على المصرين باردة قدروا ان يزحوا رئيسين

    • زائر 1 | 4:06 ص

      شكرا

      يعطيك العافية استاذ يعقوب ع مقالاتك الرائعة والشيقة وانت دائما تكون وطني بإمتياز .... تحياتي لك يا قاهر الطائفية

اقرأ ايضاً