العدد 3959 - الثلثاء 09 يوليو 2013م الموافق 00 رمضان 1434هـ

رمضان والأحداث الجسام

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يحظى شهر رمضان بمكانة خاصة عند كل المسلمين، ولكن التعبير عن هذه المكانة يتفاوت ما بين شعب وآخر، ولكن الذي يجمع بين كل تلك الشعوب أنها تخصص له جزءًا كبيراً من اهتمامها قبل حضوره وفي أثنائه، ثم تحتفل به احتفالاً شرعياً يعبّر عن شكرها لله الذي مكّنها من صيامه بصورة جيدة، وهذا هو الاحتفال المسمى بعيد الفطر المبارك.

ومن عاداتنا في دول الخليج أننا نهنئ بعضنا بعضاً بقدوم شهر رمضان على غرار ما نفعله في العيد، وهناك عاداتٌ أخرى نفعلها نحن ويفعلها كثير من المسلمين في الدول الأخرى أثناء رمضان، ولعلي أتحدث عنها في مقال لاحق، ولكن لابد من التساؤل عن سبب تلك التهنئة التي يفعلها الكثيرون وربما بعضهم لا يدرك مغزاها، والسؤال محدداً: هل يستحق شهر رمضان كل ذلك الفرح ولماذا؟

معروف أن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، وقد قال رسولنا الكريم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه». ومعروفٌ أيضاً أن بداية نزول القرآن الكريم كانت في شهر رمضان «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه» (البقرة، )، وهذا النزول يعد تكريماً لهذا الشهر وإشادة بمكانته العظيمة، وهو الشهر الوحيد الذي ذكر في القرآن وهذا نوعٌ آخر من التكريم، ولكن هل صيام رمضان هو كل ما فرض رمضان من أجله أم أن هناك أشياء أخرى أكثر أهمية من مجرد الصيام الشكلي الذي لا يغيّر شيئاً من حياة الصائم؟

قطعاً هناك أشياء أخرى، فالله سبحانه وتعالى لم يفرض صيام هذا الشهر لكي يجوع المسلمون فقط ولا شيء آخر! ولهذا أشار الرسول الكريم إلى هذه النقطة تحديداً، فذكر أن بعض الصائمين ليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش! أي لا حسنات لهم على ما فعلوه لأنهم أخلوا بالهدف الأساس الذي فرض الصيام من أجله، وهو إحداث تغيير جذري في سلوكهم بسبب الصيام.

أول التغيير المطلوب في حياة الصائم هو التغيير في الأخلاق، فحسن الخلق هو مجمع الخير كله، ولهذا قال رسولنا الكريم: «إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وعندما أثنى عليه ربه قال: «وإنك لعلى خلق عظيم»، فالصائم في نهار رمضان يمسك عن قول الفحش وبذاءة اللسان، كما يكثر من قراءة القرآن والدعاء والاستغفار. هذا الخلق ليس وقفاً على نهار رمضان فقط بل ولا على شهر رمضان وحده، بل يجب أن يكون صفة لازمة من صفات كل مسلم. ولكن الواقع يؤكد أن الكثيرين لا يطيقون الاستمرار على النهج الصالح الذي سلكوه في رمضان، حيث يعودون إلى ما كانوا عليه قبل رمضان من بذاءة القول والفعل، وبالتالي فكأن صيامهم لم يحدث فيهم التغيير المنشود.

ولعلّي هنا أذكر مستخدمي «تويتر» أن يتفهّموا جيداً أهمية الخلق الحسن في رمضان وفي سواه، فتتحسّن ألفاظهم ويبتعدوا عن بذئ الكلام وفاحشه مع مخالفيهم خصوصاً ونحن نمر بأحداث جسام بالذات في مصر وسورية.

وفي رمضان تزيد صلة المسلم بالقرآن، والقرآن يهذّب النفوس والمشاعر والأحاسيس، فهو مدرسةٌ متكاملةٌ في العبادات والمعاملات والأخلاق، لكنه يحتاج إلى تدبر ووعي وتطبيق لكي يحقق المسلم التغيير المنشود، فالقرآن يجعل صلة الرحم جزءًا من الدين، وكذلك عمل الخيرات ومساعدة المحتاجين والوقوف إلى جانب المظلومين، إلى غير ذلك من الأخلاق الفاضلة التي قام عليها الدين الإسلامي والمجتمع المسلم.

وإذا كان الصائم يحرص على عمل الفضائل في رمضان فإن من تمام الإيمان أن يستمر المسلم في هذا العمل النبيل طيلة العام، ولو أن المسلمين طبقوا ما قرأوه في القرآن - أو حتى معظمه - لما وجدنا من يرمي أباه أو أمه خارج بيته، والأسوأ من ذلك أن بعضهم قد يقتل أباه أو أمه! ولما وجدنا أيضاً من يسيء إلى زوجته أو أخته أو ابنته فيأخذ حقهن ظلماً وعدواناً، أو يعاملهن بقسوةٍ لا تمتّ للإسلام ومحاسنه بصلة، وهكذا بقية العلاقات بين المسلم وجاره وبين المسلم وبقية المسلمين في كل بقاع الدنيا.

وفي رمضان نتعلم نوعاً من أنواع الصبر، وهو الصبر على الطعام والشراب، كما نتوقف عن ممارسة بعض العادات الضارة، ونتعلم أيضاً الانفاق على الفقراء والمحتاجين لكي لا يشعروا بالأسى والألم وهم يرون اخوانهم في رغد من العيش وهم لا يملكون أبسط وسائل العيش الكريم. فهذه الأفعال إن توقفت بعد رمضان فهذه دلالةٌ على أن رمضان لم يحدث تغييراً حقيقياً في حياتنا، وإلا لماذا يتوقف المسلمون عن فعل الأشياء الحميدة في سائر العام مع أن الله سبحانه أمرنا أن لا نتوقف عن أدائها قط؟

ويأتي رمضان هذا العام ومصر تمر بأزماتٍ حادةٍ خصوصاً بعد انقلاب العسكر على الرئيس المنتخب، والانقلاب على الديمقراطية حيث فتحت السجون أبوابها وكمّمت الأفواه، وأغلقت القنوات الاسلامية وغيرها، وبدأت التهم الكاذبة تنهال على المعارضين. كما أن الموت بدأ يحصد الأرواح، وهذا الفعل إن لم يتوقف فسيقود مصر إلى متاهاتٍ قد لا تخرج منها إلى فترة طويلة. والأمل أن يجد كل الفرقاء في هذا الشهر الكريم ما يدفعهم إلى التقارب كي ينقذوا أنفسهم وبلدهم من شر مستطير.

وفي سورية موتٌ يلاحق معظم السوريين، كما أن الفقر والمرض والجوع والخوف يحيط بهم من كل جانب، ولعل الله يجعل لهم في هذا الشهر فرجاً ومخرجاً ويدخل الطمأنينة على أنفسهم.

علينا أن نتذكّر أن شهر رمضان هو شهر الانتصارات الكبرى في حياة الأمة الاسلامية، وأن من حقه على المسلمين أن يعيدوا فيه مجدهم وكرامتهم.

أشياء كثيرة نفعلها في رمضان ونكون سعداء بها، ولكن من حق رمضان علينا أن يكون ما تعلّمناه في هذا الشهر بداية حقيقية لعمل لا يتوقف مادام في الجسد روح، لأن العطاء صفةٌ من صفات المسلم، بل هو صفة من صفات كل عاقل حتى وإن لم يكن صاحب دين، وإن ما يفعله المسلم في هذا الشهر إنما هو استجابة لأمر الله وهو مأجور عليه.

رمضان أسلوب حياة ومنهج تفكير قويم، وما لم يستفد المسلم من هذا الشهر فإنه قطعاً لن يستفيد من سواه.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3959 - الثلثاء 09 يوليو 2013م الموافق 00 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:48 ص

      من كمم الأفواه هم نفسهم الإخوان المستسلمين اعداء الاسلام

      من قتل الأبرياء في سوريا،ومن فجر العراق ومن زرع الطائفية في ربوع العالم وفجر لبنان تعرفهم انت جيدا،هم زنادقة الدين.....شوهوا الاسلام وحللوا قتل المسلمين وعلماء الدين ونبشوا قبور الأولياء الصالحين وأكلوا القلوب ونكحوا وزندقوا بإسم الدين،أن كنت لا تعلمهم فتلك مصيبة كبرى. استلبوا الدين بفتاوى سخيفة وزعموا بأنهم رجال دين،فلا عجب أن يكره الآخرين الدين....أهذا ما تريدون؟

    • زائر 3 | 4:11 ص

      على

      على الانسان ان يتكلم بالحق ولا يكون طائفي ويقول الصدق وكلمه الحق

    • زائر 2 | 3:50 ص

      حياة الدنيا ودين ديان الدين - حساب يوم الحساب

      قال جحا يوما ً .. يحظى يعني عنده حظ بينما يحضر في شهر رمضان النميمه والشتيمه وقول الزور والسرقه وهذه غيرها من النواهي التي نهاها الله عنها وكذلك في حدود وقواعد وضعها الله للناس كي يعاشروا الناس بعضهم البعض يعني المعامله. بس ها الناس إتقول صايده وسواس كل ما تعتقده أن الدين صلاه وصيام وجح وناسين أن الدين معامله ويحتاج عقل وليس بس مخ سامان أو ديكور لتفكر كما فعل سيدنا إبراهيم (ع). يعني حساب يوم معاد إما جنه أو نار. لكن وصلنا الى القرن الحادي والعشرين ولا زال الكثير لا يميز بين دين وحياة دنيا

    • زائر 1 | 2:57 ص

      من الانتصارات الكبرى في الشهر المبارك معرفة حقيقة الاخوان

      ما وصل له حال الاخوان في مصر والمنطقة كانت نتيجة تصرفاتهم وافعالهم. فلنذكرها في سطور:
      اخوان مصر استأثروا بالسلطة وهمشوا الجميع ولو استتب لهم الامر لا قدر الله لرأينا عجبا.
      اخوان فلسطين "حماس" تورطوا في ما يجري في سوريا، وعظوا يد حزب الله وايران التي كانت تساعدهم.
      اخوان البحرين وما ادراك ما اخوان البحرين (لا نريد ان نذكر عنهم شيء احترام للشهر الكريم والقارئ المحترم لأن أعمالهم تخزي من كان انسانا)
      في النهاية الاخوان انتهازيون ولا يمكن أن يطلق عليهم الاخوان المسلمين لأن الاسلام منهم براء.

اقرأ ايضاً