العدد 3965 - الإثنين 15 يوليو 2013م الموافق 06 رمضان 1434هـ

حتى لا يكون «الوطن» اختراعاً بلاغياً مغشوشاً

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

في الأوضاع الطبيعية قد تلجأ كل المجتمعات الناضجة للحوار أسلوباً للخروج من أزماتها، ومن أجل الخروج من لهوات الأضرار الفادحة التي تخلفها عادةً الأزمات السياسية والاجتماعية، لابد أن تجتمع كل الأطراف من أجل التباحث للوقوف على «أسباب الأزمة»، ليتسنّى «الخروج» منها، عبر وضع الحلول ومعالجة تداعياتها عبر شراكة مجتمعية تكون «الدولة» حاضرةً بكل ثقلها، والجهة التي ترعى عملية «الحوار» تمهيداً لمصالحة وطنية شاملة.

وفي أي حوار وطني من مسئوليته مناقشة مسائل «الاصلاح السياسي» حين لا يتم تمثيل الحكم تمثيلاً حقيقياً، فسيكون بكل بساطة «حوار طرشان»، ذلك أن الأحداث التي انطلقت شرارتها في فبراير 2011 لم تكن ترفع فيما أعلم مطالب «التقريب بين المذاهب»، وهي لم تكن «هوشة» بين أهل الدراز والمحرق، أو زعل بين أهل الشاخورة والبديع، ولم تعاني الجماهير التي شاهدها ونقلتها كل وسائل الاعلام المرئية والمقروءة من قسوة «تطنيش المكوّن الآخر» بل كانت حركة تطالب بإصلاح سياسي مسنودة بجماهير لا يمكن التقليل من حجمها وتعدادها.

أحد أوجه مشكلة العمل السياسي في البحرين، يتمثل في تغول «جهاز الدولة»، عبر إمكانات مالية هائلة تمكنها من أن تصرف بكرم حاتمي بهدف «اختلاق» جهات أهلية ومؤسسات مجتمع مدني «مغشوشة» تعمل لصالحها، وتخترق العمل السياسي وتشوّش على أي حراك مطلبي يعبّر عن النبض الحقيقي للشارع، كما أن هناك «ثقافة استبداد» مستقرة في بنية العقل العربي، يقول محمد الشنقيطي: «إن ثقافتنا العليلة جزء من محنتنا الراهنة والعلاقة بين الثقافة العليلة والاستبداد السياسي علاقة وجودية. ولذلك لا عجب أن كان السحر ثقافة المصريين أيام الفراعنة، وقد أثمرت ثقافتنا التاريخية العليلة مفارقة غريبة، من مظاهرها أن ضحايا الاستبداد في العالم الاسلامي اليوم هم أقوى المدافعين عنه فكرياً وأشد المبرّرين له أخلاقيا». (كتاب «الخلافات السياسية بين الصحابة»).

لذلك فإن الأولوية اليوم تكمن في كشف زيف الأنظمة المستبدة وتجريدها من أية شرعية أخلاقية أو تاريخية، فالبدع السياسة لا تقل خطورةً عن بدع الاعتقاد كما تشهد به عبرة أربعة عشر قرناً من تاريخ الإسلام.

إن تضخيم الخطر «الشيعي» في بلد يعد بحق «شظية جغرافية» ليس أكثر من فوبيا خيالية يعكس رغبة دفينة في «شيطنة الآخر» لتسويغ التنكيل به وسحقه، لذا فإن هذا الخطاب يلجأ دائماً إلى افتعال الخصومات والانقسامات، ويُسخّر كل جهوده لإبطال مفعول أية حركة تصحيحية محتملة تنبثق من المجتمع في ظل واقع سياسي واجتماعي بئيس. فكيف يتم أمر تشويش هذا الواقع؟

ليس إلا عبر اللغة المواربة، والخطاب الإعلامي والسياسي الكثيف ذي المضمون الهزيل والمكرّر كتعويذات سحرية. لقد كشفت الأزمة عن هذيان وهزال اللغة الفضفاضة التي يتمترس خلفها البعض، إعلاميين نصف متعلمين، وصحافيين عديمي الموهبة شغلوا أنفسهم بالتنميق والتزويق على حساب الواقع العنيد، ووقعوا في الوله بالاستعارات والاتهامات المختلفة لسدّ الفجوات بين الكلام والعمل، أو بين الشكل والمضمون... تماماً كما حدث للأدب العربي حين دخل عصر الانحطاط.

وفي الوقت الذي كانت البلد تنزف بشدة، وتتوجع بألم، وتصرخ بحرقة، وفيما البحرينيون كانوا ينتظرون قراراً شجاعاً ينتشل البلد من محنته، خرجت علينا «الشاشة» ببرنامج تلفزيوني تافه فيه من «الكوميديا» أكثر مما فيه من الطرح الموزون، وفيه من السذاجة والتسطيح أكثر مما فيه من التحليل الرصين. ناهيك عن برامج المحاكمات العلنية وتحقير الضيوف لأسبابٍ لا داعي لذكرها والجرح بعد لم يندمل.

لهذا جاء معجم «مجتمع الأزمة» يعج بالكثير من المفردات، أكثرها شيوعاً «الخونة» و»أذناب إيران» وبالطبع «صفوية»، وأكثرها دغدغةً للمشاعر البريئة «الحوار الوطني» و»الأسرة الواحدة» و»الوطن للجميع» وسياسة «الباب المفتوح» الذي نسمع عنه كثيراً، هذا الباب الذي ما أن تجتازه حتى تجد نفسك على الضفة الأخرى في قارعة الطريق!

أبواب مفتوحة على العدم، وحوارات خرساء، وكلام ساكت، ووعود لا يوجد ما يعطي مؤشراً لتحققها. يقول الكاتب الصافي سعيد «إن الإقامة داخل ضباب اللغة كالسير باتجاه الضباب».

إن ما يجري على الأرض اليوم، أن جماعة بشرية تسكن على هذه الأرض الطيبة، (قد) تملك إرادة العيش المشترك، لكنها لا تملك وعي الدولة الكامل، فإذا كنا قد عجزنا عن أن نكون شعباً واحداً محصّناً ضد الخوف والأطماع والرشوة، بغير وعي معطوب، وفكر مخترق، ونفوس أغرتها الأطماع والمكاسب، فإن توافقاً على شكل الدولة التي يناضل الكثيرون من أجلها لن يكون وشيكاً على الأرجح. إلا أن تكون الأيام حبلى بالمفاجآت غير المتوقعة على طريقة «اكشط واربح».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3965 - الإثنين 15 يوليو 2013م الموافق 06 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً