العدد 3972 - الإثنين 22 يوليو 2013م الموافق 13 رمضان 1434هـ

أطفئوا «الحريق» ولاتنشغلوا بتبديد دخانه

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

يوماً بعد يوم تتسع مشاكلنا الوطنية باتساع مدى الأزمة السياسية الزمني وتتضاعف فاتورة الاقتتال الذي يظهر بعضه على السطح في شكل حروب كلامية بين نظام يقول إنه يريد حواراً توافقياً ووطنياً، وبين معارضة تدعوا إليه وتسعى، ولا تجده إلا في «التصريحات الرسمية» التي نعرف انها لا تخاطبنا في الداخل، بل تخاطب الخارج الذي يقلقه الوضع الحقوقي والسياسي في البلد.

فاتورة الأزمة منذ 14 فبراير 2011 جاءت حافلة بكل أنواع المآسي التي لاتزال تأثيراتها حاضرةً بقوة في المشهد السياسي والاجتماعي. عشرات الضحايا سقطوا مضمّخين بدمائهم، آلاف المفصولين طردوا بطريقة مهينة من أعمالهم، منهم أطباء تهمتهم الأساسية معالجة جرحى الاحتجاجات التي انطلقت عشية فبراير الذي جاء دموياً وقاسياً بأكثر مما ظننا وظنّ العقلاء. معتقلو رأي يقبعون في السجون بسبب آراء قالوها وليس «سلاح» أشهروه في وجه أحد، أو هدّدوا به. استهداف الآلاف في أرزاقهم في إطار حملة تصفية طائفية هي الأبشع في تاريخ البلد. مساجد هُدمت –في ظرف نفسي وسياسي عصيب - بمبررات واهية لم تقنع حتى قائليها لتبقة وصمة عار. تجاوزات شنيعة حصلت في الشوارع والسجون تكلمت عنها تقارير دولية ورصدتها جهات حقوقية بالتفصيل، فأي من هذه المواضيع تم تسويته بالكامل؟

على أن الأمر يتجاوز «الشأن الحقوقي» ويتعداه بكثير، فمشكلة البلد ليست حقوقيةً كما يصوّر الإعلام الرسمي في أحسن مضامينه لطفاً نزولاً عند ضرورات تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق (بسيوني) الذي حفل ببعض ما تمكن قلم الراصد من تسجيلها من إنتهاكات.

يشير المفكر عبدالوهاب المسيري في كتاباته إلى ما يسميه بـ «التبعية الإدراكية» الذي سقط فيها الخطاب العربي في تحليله للظواهر في المواضيع المادية، وهي أن تقوم إحدى القوى بتحديد النماذج المعرفية والمقولات التحليلية الأساسية بطريقة تعكس إدراكها للواقع وتخدم مصالحها، وتستبعد إدراك الآخرين وتهمل مصالحهم. وهو بالضبط ما يجهد الإعلام الرسمي في ترسيخه كحقائق بديهية يحاول تثبيتها في عقول ونفوس الناس، وهو ما يسميه أحد علماء الاجتماع الغربيين بـ «امبريالية المقولات».

المشكلة الأولى أننا أهملنا الأسباب والبواعث التي دعت إلى فبراير 2011 ورحنا نبدي اهتماماً بهوامش المسألة. «الحكم» انشغل بمحاولة مستميتة في ترميم «صورته» في الخارج بعد أن صار حديث المنظمات الحقوقية ووكالات الأنباء الدولية، ناهيك عن متاعب اقتصادية باهظة، وتحوّل البلد إلى متاريس أمنية ونقاط تفتيش، فيما راح خطاب قوى «المعارضة» السياسي – مدفوعاً بكثافة الأذى ونوعية الأذية – يطرح المسائل «الحقوقية» يستلزم الظرف العصيب مقاربتها وإعطاءها حيّزاً كبيراً في مضامين خطابه السياسي، وبين حالة «الإنكار» الرسمي لوجود عوارض أمراض سياسية واجتماعية في البلد يتعيّن معالجتها، وانصراف قوى المعارضة لردّات الفعل التي تجد نفسها ملزمة بها، تختلط الأوراق وتتشوّش الرؤية وترتبك المواقف وتتعطل بالتالي إمكانات الحل السياسي في البلد.

سأضرب لكم مثالاً عن نوعية الجدل العقيم الذي يراد له أن يسود، خالقاً بلبلة وضوضاء صوتية لا طائل منها ولا فائدة عملية ترجى من ورائها؛ في كل «حدث أمني» يشغل الرأي العام تتعالى الأصوات من الجانب الرسمي ومن يواليه مطالباً قوى المعارضة بـ «إدانة العنف» كنوعٍ من إثبات البراءة من هذا الفعل من جهة، وكشرطٍ من شروط اعتبارها طرفاً «جديراً» بالدخول معه في «حوار وطني» يفضي إلى حل. والغريب أن قوى المعارضة تكون في الغالب أسبق الجميع إلى إدانة العنف قبل وأثناء وبعد أي واقعة أمنية تجري على الأرض. والنتيجة أنه لا العنف سيتوقف في الشارع ولا إدانته ستفضي إلى نتيجة منطقية، لأننا باختصار منهمكون في تبديد دخان الحريق وليس إطفاءه، ومنشغلون في ملاحقة الهوامش وتضييع المتن.

الأمثلة كثيرة على هذا الهدر الغبي للفرص التاريخية، بعضها يصدر كسلوك عفوي ناجم عن فقر في الخبرة السياسية ومضمون فكري هزيل لأصحابها، وبعضه كسلوك مدبر تحرّكه الأطماع وتغريه المكاسب، أبرزها: تحويل الأزمة السياسية إلى «احتراب مذهبي» بين السنة والشيعة، وشخصنة الحراك وكأنه صراع من «أشخاص» ضد «أشخاص»، وليس بين فصيل عريض من الشعب يحمل قضية عادلة ومطالب محقة، أو بين فصيل هو في الحد الأدنى يحمل أفكاراً معينة حول «الاصلاح السياسي» يجب الإصغاء لها وليس مواجهتها بسلاح الخرطوش والغازات السامة، كما يجري تحريف واقع الحراك باعتباره مدفوعاً من «قوى خارجية» وليس حركة شعب كغيره من الشعوب التي تحرّكت بعد هبّة الربيع العربي وباركت تحركه البحرين وهنأته يوم حقق ما يصبو إليه، ناهيك عن الانصراف إلى الشأن الحقوقي ونسيان أو تناسي أن «الأزمة» هي في المقام الأول سياسية، وسببها وحلها سيكون «سياسياً» وليس غير ذلك.

سنكون قادرين على حل أزماتنا يوم نتحلى بالجرأة الكافية للاعتراف بها، فنحن لم نعترف بها بعد، ونتحاور بشأنها، فنحن لم نتحاور بعد لأننا لم نعترف بها، ونضع الحلول الشجاعة لها، فنحن لم نصل إلى الحلول لأننا لم نعترف ولم نتحاور وبالتالي لم ولن نضع الحلول أبداً ما دمنا ننظر إلى الأمور بـ «المقلوب».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3972 - الإثنين 22 يوليو 2013م الموافق 13 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:15 ص

      الحسبة ضايعة

      الحسبة ضايعه فهمهم ليس مستقبل البلد وانما بقاء مصالحهم..

اقرأ ايضاً