العدد 3973 - الثلثاء 23 يوليو 2013م الموافق 14 رمضان 1434هـ

السلطتان التنفيذية والقضائية في الدولة المدنية الحديثة

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

المعهود في الدولة المدنية الحديثة، أن تتشكل السلطة التنفيذية (الحكومة)، بناءً على معيار تمثيلها الشعبي والسياسي، بإحدى وسيلتين، إما بالانتخاب الشعبي المباشر لرئيس الحكومة، وإما بتقلد مسئولية رئاسة الحكومة من قبل الأغلبية البرلمانية الممثلة للحزب السياسي الفائز بأغلبية كراسي البرلمان، فيتم تعيين رئيس الحكومة تمثيلاً لهذه الأغلبية البرلمانية، باعتبار أن الحزب الفائز بأكثرية عدد النواب في البرلمان، يكون قد حاز تمثيل الأغلبية الشعبية، ويتبع في مفاصل أخرى أن تتحالف عدة أحزاب لتشكل الغالبية البرلمانية، ونتيجتها أن تتشكل الحكومة بإرادتها.

السلطة التنفيذية

ولمحاكمة هذه الآلية، نجد أن تشكيل الحكومة الممثلة للغالبية البرلمانية، سواءً باستفراد حزب سياسي بعينه، أو بطريقة الائتلاف السياسي من داخل البرلمان، يُسقِط ويجور على مبدأ أساسي للدولة المدنية المتمثل في مبدأ الفصل بين السلطات، فإن تَسَيّدَ حزب أو أكثر على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في ذات الوقت، يكون قد سقط مبدأ الفصل بين السلطات، من حيث أن جوهر التفويض الشعبي لكل من هاتين السلطتين، يتمثل في الأداء الحكومي الخادم للشعب، للسلطة التنفيذية (الحكومة)، وفي رقابة السلطة التشريعية لأداء السلطة التنفيذية (الحكومة)، فكيف يراقب حيادياً، تمثيلاً لجميع مكونات المجتمع المختلفة، حزب سياسي أو ائتلاف أحزاب قلة، حكومة هي من بطنه، تمثله أكثر من تمثيلها حقيقة مكونات المجتمع، في خلاصة مفاد مؤداها أن تشكيل الحكومة يأتي سياسياً أكثر من كونه تمثيلاً للمجتمع.

لذا فإننا نميل إلى الانتخاب العام الشعبي لرئيس الحكومة بناءً على اختياره لوزراء الحكومة وبرنامج حكومته، فيتقدم كل مرشح لرئاسة الحكومة ببرنامجه الحكومي، وفي ذات الوقت بتسمية مرشحي وزرائه، وبذلك فالناخب لا يمنح صوته لرئيس الحكومة كفرد، بل لبرنامج حكومي ولحكومة، متمثلةً برئيس الحكومة.

ومن حيث تفويض الشعب للسلطة التشريعية، إضافةً لمهامها التشريعية، رقابة أداء السلطة التنفيذية (الحكومة)، هي بمثابة متابعة يومية، يوكلها الشعب غير المتفرغ لهذه المهمة، للسلطة التشريعية، من حيث هي المعنية بالتشريعات التي تحكم أداء الحكومة، وبالتالي، يفوّض الشعب السلطة التشريعية في حدود طرح موضوع الثقة في الحكومة، أما موضوع إبدالها بغيرها، فهي منوطةٌ بالشعب، أصل السلطات وسيدها، عبر الاستفتاء الشعبي.

ورئيس الحكومة والوزراء، هم كما أفراد أي سلطة أخرى، نبراسها خدمة جميع مكونات الشعب، لا تمييز بينهم بانتماء عقائدي أو سياسي، أو أصل أو جنس، أو مساحات مناطقية، وتقصيره في أدائه تجاه أي فصيل مجتمعي، هو بمثابة تقصيره في حق كامل المجتمع، لذا تنطبق في الدولة المدنية، معايير انتخاب وإزاحة السلطات الأخرى، على انتخاب وإزاحة السلطة التنفيذية.

ولن يمايز أفراد أي حكومة عن غيرهم، سوى المنافسة النزيهة للكفاءة والخبرة العلمية والمهنية قبل معيار الانتماء السياسي، لذلك عادةً ما تكون حكومات التوافق الوطني، هي الأبهى ما بين تشكيلات الحكومات.

السلطة القضائية

استقلال السلطة القضائية، يتأتى من أن لا رقابة ولا محاسبة لأفرادها إلا من خلال مختصيها العلميين والمهنيين، المتمثل في مجلس القضاء الأعلى، الذي يتشكل عبر الانتخاب الحر المباشر من قبل جميع المنتسبين إلى السلك القضائي، هذا المجلس، يفوّضه الشعب أداء دوره في الرقابة والمحاسبة على القضاء، في نص دستوري.

حالها حال السلطات الأخرى في التفويض الشعبي، وفي حق الشعب إزاحتها وإبدالها، وما وضع القاضي أن لا سلطة عليه في قضائه، سوى تفويض من الشعب له بذلك، حين قبوله كفردٍ في السلطة القضائية، واستقلال السلطة القضائية، مثلها مثل باقي سلطات الدولة، لا يُسقط الرقابة الشعبية عليها، التي يفوّض الشعب تفاصيل سلطته في ذلك، إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي يحقّ للشعب إزاحته وإبداله، عبر آلية يعتمدها الشعب في الدستور.

ومتى ما حاد جهاز القضاء عن دوره في المساواة والعدالة، في أفراده دون إصلاح ومحاسبة من قبل مجلس القضاء الأعلى، ومتى ما أسلم استقلاله، بتبعية أية سلطة أخرى، حيث أن السلطة القضائية، هي السلطة الوحيدة التي لا يجوز لها تفويض غيرها ولا حتى في جزء يسير من صلاحيتها، إلى أي سلطة أخرى، غير السلطة الشعبية، وإلا جاز للشعب سيد السلطات ومصدرها، إزاحتها وإبدالها بغيرها، من خلال أفراد السلطة القضائية، بانتخاب أفراد مجلس القضاء الأعلى، غيرهم من كانوا قبل سحب ثقة الشعب فيهم، وذلك من خلال نص دستوري واضح الآلية، يترجمه الشعب بتحقق نسبة معينة من الكتلة الانتخابية العامة، لسحب الثقة من مجلس القضاء الأعلى، لإزاحته وانتخاب غيره.

والسلطة القضائية في الدولة المدنية، متى ما تشكلت حسب الدستور، هي سيدة نفسها، ولا يسودها غير السلطة الشعبية، وهي من تؤسس وتدير ميزانيتها وأجهزتها وأنظمتها وقوانينها، حسب المواد الدستورية، وهي المعنية بسبغ صفتها على أي فرد في المجتمع أو تجريده منها، عبر إدخاله في سلكها، وتحديد دوره في هيكليتها، أو إقصائه منها ليعود فرداً عاديا في المجتمع، وما صدور الأحكام القضائية باسم رئيس الدولة أو الملك، إلا توحيداً للمجتمع في رمزيته، لا في شخصه.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3973 - الثلثاء 23 يوليو 2013م الموافق 14 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:51 ص

      من تكون

      في فقرة تقول اننا نميل الي الانتخاب العام الشعبي انت تقول بصفة الجمع اننا ومن تكونون حتي تميلون الي هذا او ذاك ليس كل ما ينفع الغير ينفعك او ما يطبق في بلد يصلح لبلد اخر خصوصا البلدان العربية التى لها خصوصيتها ردي ليس حبا في حكم الفرد و الاستبداد القصد اننا لم نصل الي النضج السياسي في وجود من يفتي بذاك مؤمن فانتخبوة و ذاك كافر اتركوة

    • زائر 7 | 8:04 ص

      عجيبة مقالاتك استاذ يعقوب سيادي

      سلمت يداك

    • زائر 5 | 4:23 ص

      لماذا الدول العربية لا نتخب رؤساء حكوماتها ؟

      في الملكيات الدستورية الغربية الملكية هي جزء من هوية البلد ولكنه لا سلطة له و رؤساء الحكومات تنتخب بشكل مباشر او عبر كتلتهم الفائزة و في المغرب أخذ الطابع الاخير مع احتفاظ الملك بالتسمية و بقاء سلطات واسعة في يد الملك فهي بذلك ملكية مطلقة بنكهة دستورية اما الاردن فانه واقع بين الملكيات المطلقة و الملكيات بنكهة دستورية اما باقي الملكيات العربية فهي مطلقة

    • زائر 4 | 3:53 ص

      كلامكم جميل وواقعنا مرير في هذه البلد

      الأغلبية العظمى تعرف كيفية ادراة الدول الحديثة ومشاركة الشعوب فيها ولكن المشكلة كما ذكر الحقوقي عبد النبي العكر في مقاله عن قلب حقيقة الواقع
      بأنه افضل الموجود في حين ان العالم كله يعرف انه اسوأ الموجود

    • زائر 3 | 3:28 ص

      كلمة ياريت

      كلام جميل ياريت بس اين التنفيد

    • زائر 2 | 2:16 ص

      اذا لم تتوفر تلك الطريقتين ( مالعمل ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      المعهود في الدولة المدنية الحديثة، أن تتشكل السلطة التنفيذية (الحكومة)، بناءً على معيار تمثيلها الشعبي والسياسي، بإحدى وسيلتين، إما بالانتخاب الشعبي المباشر لرئيس الحكومة، وإما بتقلد مسئولية رئاسة الحكومة من قبل الأغلبية البرلمانية الممثلة للحزب السياسي الفائز بأغلبية كراسي البرلمان، فيتم تعيين رئيس الحكومة تمثيلاً لهذه الأغلبية البرلمانية، باعتبار أن الحزب الفائز بأكثرية عدد النواب في البرلمان، يكون قد حاز تمثيل الأغلبية الشعبية، ويتبع في مفاصل أخرى أن تتحالف عدة أحزاب لتشكل الغالبية البرلمانية

    • زائر 1 | 12:29 ص

      كيف سلطات وين سلطة الدستور والقانون وسيادته؟

      دول عالم ثني بينما الدول التي لا تخوض حروب ولكن تتلقي الاموال في أرصده مثل النمسا سويسرا والدول القريبه جغرافيا وأنظمتها ملكية دستوريه. فالدستور أعلى سلطه بسبب وجود القانون الذي يخول ويعطي التكليف للمؤسسات وللافراد في المجتمع. المحكمة الدستوريه تتبع الدستور وبها أجهزة الرقاب والمحاسبه وهذه الأجهزة مستقله بذاتها تراقب القانون والحكومه وتحاسب أعضاء الحكومة وخاصة الوزراء والوكلاء والمدراء.. فلذا الوزراء ليسوا أعلى من الدستور ولا القانون فلا يمثلون سلطة وإنما كل وزير عنده حقيبه عنده خطط وبرامج

اقرأ ايضاً