العدد 3986 - الإثنين 05 أغسطس 2013م الموافق 27 رمضان 1434هـ

عن أبي البحر الخطي وزمانه

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

من الملاحظ أن قامة أدبية بوزن الشيخ جعفر الخطي (ت 1028 هـ/ 1618م) لم تحظ بالتعريف اللائق لا في مناهجنا الدراسية ولا في موروثنا الاجتماعي الذي يفترض أن يكون متحرراً من إكراهات السياسة وأحقادها. ومن الثابت أن السياسة عندما تدس أنفها في كل شيء، فإنها تسلب المحاسن أو تمنحها طبقاً لمقاييس ضمن شروط بات الجميع يعرفها.

قيمة شعر الخطي بالنسبة للبحرين لا تقتصر على الناحية الفنية، بل تتعداه لتضيف قيمةً تاريخيةً بالغة؛ فقد وردت في شعره أسماء للقرى والمنازل تزيد عن 22 موضعاً، وبعضها غير متداول كثيراً اليوم مثل: فاران (اسم جبل) بربغي، وكتكان، ومري، وماثنا، وأم الشيف...إلخ .

كما تضمن شعره عدداً من الحوادث العامة والمناسبات الاجتماعية وأحوال مجتمع البحرين في عصره، وهي ناحية تنبه لها كثير من دارسي التاريخ العربي الذين وجدوا في الشعر القديم مرآة عاكسة لطبيعة الحياة الاجتماعية السائدة وقتذاك.

عاصر أبو البحر (ت 1028 هـ/ 1618م) فترة انتقالية صعبة في حياة البحرين السياسة، اتسمت بالكثير من الاضطراب والقلق، فقد عاصر مرحلتين، مرحلة انتهاء الحكم البرتغالي ( 982 - 1032 هـ / 1521-1622م)، ومرحلة الحكم الصفوي التي تبدأ في 1011 هـ/ 1602م وتستمر حتى 1197هـ/ 1783م تقريباً، والتي تتسم بـ «الغموض والضبابية».

وفي العصر الحديث اضطلعت جزر «البحرين» بدور مهم على صعيد الحياة الفكرية، وأصبحت مركزاً من مراكز العلم، ويذكر أنها منذ القرن العاشر/ السادس عشر الميلادي غدت هي والديار الهَجَرية محط رجال علماء الإمامية.

وعلق الحر العاملي (ت 1104هـ /1692م) وهو معاصر للخطي إثر زيارته للبحرين، بأنه غرق في بحرين: «بحر العلم وبحر الأدب». وقال محسن الأمين (ت 1951): «خرج من البحرين جماعة كثيرون من علماء الشيعة وأفاضلهم قديماً وحديثاً»، وأرّخ لحياة العشرات منهم .

يشير تقي البحارنة في دراسته عن الخطي أن «بعضاً ممن يؤرخون للأدب والشعر حديثاً قد استبعدوا أبا البحر الخطي من قائمة شعراء البحرين وألحقوه بالقطيف، على أساس أنه وُلد فيها ولم تشفع لديهم في ذلك حقيقة كونه عاش في البحرين طيلة حياته، ونظم في حبّها قلائد الشعر، وخالط مجتمعها حتى أصبح واحداً منهم. فبخلوا عليه بالانتساب إلى جزيرة البحرين حباً وانتماءً رغم ولادته في القطيف».

وينبّه إلى أن أكثر شعره قد قاله أثناء وجوده في البحرين أو في خارجها موجّها خطابه لأهله وأصحابه وخلصائه في البحرين. فالقصائد التي قالها أثناء وجوده في القطيف لا تتعدى الأربع أو الخمس، ربما وهي قطع صغيرة، والقصائد التي وجّهها للقطيف من البحرين لا تتجاوز العدد نفسه تقريباً. أما باقي قصائده من أصل 133 فكلها نظمت في البحرين أو خارج البحرين موجّهةً إلى من فيها.

لقد تفاعل الخطي مع مجتمع البحرين، وشارك أهله فتعلق بهم وتعلقوا به، ووظّف فنّه للإشادة بأشرافهم وتقريظ أخلاقهم، وصار قطباً فاعلاً في هذا المجتمع. وكان له دوره في إثراء الجو الأدبي وتحريك الفضاء الشعري .

أخذ أبو البحر يتردّد على إيران بدءاً من العام 1010هـ/1601م، وعلى مدينة شيراز تحديداً، ويبدو أن تلك الزيارة تمّت لغرض سياسي، وكان شاعرنا «أبو حسان» ضمن الوفد الذي رافق القائد الإيراني الذي فتح البحرين وأجلى عنها البرتغاليين.

ويبدو أن الكثير من أعضاء الوفد، وعلى رأسهم أبو البحر، طابت له الإقامة هناك، فاستقر هناك مدة عام أو عامين، وبعث في هذه المرحلة بأرق وأعذب رسائل الحنين إلى أهله، فيما كان يتنقل بين مدن إيران الكبرى وحواضرها العلمية، خراسان، أصفهان وشيراز.

وفي أصفهان، في العام 1061هـ/1607م تحديداً، التقى بالشيخ البهائي، وحضر مجلسه حيث طلب الأخير من «أبي حسان» معارضة قصيدته في مدح صاحب الزمان وأمهله شهراً، إلا أن شاعرنا أبى أن ينظمها في الوقت نفسه، وأنشدها راويته وجامع ديوانه الحسن بن محمد الغنوي في قصةٍ يذكر تفاصيلها صاحب «أنوار البدرين».

ومن نماذج شعره قوله في وصف اللوز:

ولما اكتسى اللوز الحسين مطارفاً

جدائد... من أوراقِهِ السندسيةِ

أشار بأغصانٍ كأن فروعها

أكفٌّ تصدّت للدعاء... ومُدّتونراه يمدح

من هو رفيع المنزلة محافظ على الود، أو

علوي شريف النسب وذلك حسب قوله:

كلا طرفيه حين تنسبه إلى

علي وخير المرسلين محمدِ

ولقد اعتاد الخطي أن يراسل أهله في البحرين بقصائد يبعثها إليهم من شيراز وغيرها من البلدان التي كان يتنقل إليها، وكان يبعث بخطاباته مرفقةً بالقصائد الشعرية ومن ذلك قوله:

فارقتكم فجرعت زقومَ الأسى

زاداً وغسّاقَ الدموعِ شرابا

أكذاك كل مفارق أم لم يكن

قبلي محبٌّ فارق الأحبابا

إلى أن يقول:

يا هل ترون لنازحٍ قذفت به

أيدي البعاد، لجدحفص إيابا

لا تحسب البحرين أنى بعدها

مستوطنٌ داراً ولا أصحابا

ما أصبحت شيراز وهي حبيبة

عندي بأبهج من أوال جنابا

ما كنت بالمبتاع دارة سروها

يوماً بفارانٍ ولا بمقابا

لأسيِّرَنّ لكم وإن طال المدى

ما رقّ من محض الثناء وطابا

توفي الخطي في شيراز، ودفن هناك عند ضريح السيد أحمد بن الإمام موسى الكاظم. ولأبي حسان عقب في القطيف، فصاحب الأنوار يذكر أن له ذريةً في قرية «التُوبي» حتى زمنه. ويذكر آخرون أنه ترك ثلاثة أولاد في البحرين وجلّهم علماء وهم الشيخ عبدالله والشيخ أحمد والشيخ حسان.

ولقد قدّم الأستاذ تقي محمد البحارنة دراسةً مفيدةً جداً لشعر الخطي وحياته ضمّنها كتابه الرائق «أحاديث وسير»، كما حظي ديوان الخطي مؤخراً بدراسة وتحقيق وشرح في عملين، الأول صدر الديوان في طبعتين محققتين، الأولى صدرت عن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، قدّمها الأكاديميان أنيسة أحمد المنصور وعبدالجليل منصور العريض (2002)، والعمل الثاني جاء بجهد استثنائي للباحث القطيفي عدنان السيد محمد العوامي (2005) الذي بذل جهداً كبيراً في إخراج ديوان الخطي في جزئين بشكل يليق بمكانة الخطي الأدبية ويبين موقعه من بين شعراء عصره.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3986 - الإثنين 05 أغسطس 2013م الموافق 27 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:55 ص

      تعحبني كتاباتك في التاريخ

      نعم لقد غيب التاريخ الحقيقي للبحرين بسبب التهجير واللعبة السياسية القذرة .. أحسنت استاذي العزيز

    • زائر 6 | 3:55 ص

      مذكرة وسام :

      شكرا ياوسام لتخصيص هذا العمود لاستحضار وابراز منارات العلم والادب لاهل البحرين الاوائل فالبحرين ولادة الفقهاء والادباء منذ القدم فليس غريبا عليها اليوم ان تخرج اجيالا تميزو بالنبوغ والتفوق

    • زائر 5 | 2:20 ص

      شكر

      تسلم يا استاذ يعطيك العافيه

    • زائر 4 | 2:11 ص

      السيد عبدالرؤوف

      وكذلك الشاعر الكبير السيد عبدالرؤوف الجدحفصي.

    • زائر 2 | 11:18 م

      نبيل عاشور

      بالمناسبة يا شقيق في دراسة ماجستير عن الشيخ جعفر الخطي، عملها الدكتور جعفر طوق

    • زائر 1 | 10:38 م

      شاعر باحث الروح للشعر

      قبل الشعراء المصريين قاه هذا الشاعر الفذ بأحياء الشعر العربي بعد قرون من اهمال السيعر والشعراء في الوطن العربي
      للشاعر دور بارز في حفظ الكثير من مناطق البحرين. قال الشاعر :برغم العوالي والمهندة البتر دماء اسالتها سبيطية البحري .كما ذكر في نفس هذه القصيدة البلاد وتوبلي وبعض مناطق قرى البحرين. تحتاج اابحرين لإدراج الكثير من قصائده ضمن المناهج اادراسية في المدارس والجامعات.

اقرأ ايضاً