العدد 3988 - الأربعاء 07 أغسطس 2013م الموافق 29 رمضان 1434هـ

لماذا سحب 22 مليون متمرد مصري ثقتهم من الرئيس مرسي؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

«نطالب الرئيس مرسي بأن يتنازل عن السلطة اعتباراً من الثلاثاء 2 يوليو 2013 على الساعة الخامسة بعد الظهر والسماح لمؤسسات الدولة بالتحضير لانتخابات رئاسية سابقة لأوانها». هذا ما دعا إليه البيان الصادر عن حركة «تمرد» والمنشور على موقعها الالكتروني. وفي حال رفض ذلك»-تضيف الحركة- بأنها ستدعو إلى «عصيان مدني اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل».

لقد كان يوم الأحد 30 يونيو بمثابة فرصة لفرض واقع قوة وموازين جديدة على الأرض التي تمكنت من خلاله هذه الحركة من تجنيد وإنزال قرابة 17 مليون مواطن مصري في مختلف ميادين المدن المصرية بعد تمكنهم من جمع قرابة 22 مليون توقيع ينزع الثقة من الرئيس المصري.

وقد اعتبر جلّ الملاحظين أن العنف الذي انفجر مؤخراً وأدى إلى مقتل 55 شخصاً وإصابة 700 آخرين في اشتباكات جرت في 7 محافظات مصرية، اعتبر أنه جاء دون التوقعات التي كانت تتحدث عن انفجار لهيب العنف وانتشار الفوضى. وبالنظر إلى حالة الخوف والترقب التي سادت وزجت بملايين المصريين إلى الأسواق ومحطات البنزين وما برز عنه من ظهور طوابير كبيرة... في رد فعل كذلك الذي يسبق استنفار الحرب، فما الذي أدى بمصر إلى هذه الحالة الاحتقانية؟

واجه المصريون إبان حكم الإخوان انخفاضاً حاداً في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وصل إلى 2.2% في السنة المالية المنتهية في يونيو 2012 ، مقابل 5.1% في 2009/10 قبل الثورة. ومن المتوقع أن يتراوح معدل النمو عند حوالي 2% بحلول يونيو2013. وقد أسفرت حالة عدم الاستقرار السياسي المستمر إلى انخفاض تدفقات الرساميل السياحية والاستثمار الأجنبي المباشر. وقد أدى انخفاض النمو إلى مفاقمة عجز الموازنة وميزان المدفوعات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي إلى مستويات حرجة. كما وشهد الجنيه المصري أزمة كبيرة. ففي نهاية يناير2013 خسر الجنيه 12.5% من قيمته مقارنةً مع فترة ما قبل الثورة، مع بروزٍ متنامٍ لسوق العملة السوداء. كما وظهر اختلال في التوازنات المالية المصرية التي شهدت في يونيو 2012 انفجار الدين العام المحلي الذي بلغ 80.3% من الناتج المحلي، وعجزاً للميزانية بلغ 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وهو عجزٌ كبّل أيدي الحكومة وحدّ بشكل كبير من هامش حركتها الموازناتي. بالإضافة إلى ارتفاع ديون مصر الخارجية إلى نحو45.5 مليار دولار في عهد مرسي، بعد أن كانت تبلغ 34.4 مليار دولار العام الماضي.

كما ولاتزال بنية وهيكلة الاقتصاد المصري تتسم بالهشاشة واعتماده بشكل كبير على صادرات النفط التي تمثل نصف صادرات البلد. كما أن3.3 مليون مصري يعانون من البطالة وتمسّ هذه الآفة 46.4 في المئة من الفئة العمرية المتراوحة بين 20-24 سنة. مما ساهم حسب تقرير غير رسمي لبنك الطعام المصري في رفع نسب الفقر، حيث يقدّر أن أكثر من 42 في المئة من المصريين أصبحوا تحت خط الفقر في العام 2013.

إن هذه الأمراض المستفحلة في الجسم الاقتصادي المصري تجد أصلها في الاختيارات السياسية الاشتراكية والدولاتية التي انتهجها القادة المصريون. فقد أدت هذه السياسات إلى تكبيل البلاد وسقوطها تحت ثقل بيروقراطية ثخينة، واستفحال الفساد في غياب المنافسة في العديد من القطاعات، ما أدى إلى تفاقم المحسوبية وانعدام الشفافية واحتكار قطاعات صناعية وخدماتية من طرف رأسمالية احتكارية فاسدة.

وقد كرّست حكومات ما بعد الثورة هذه الاختيارات، واستخدمت القطاع العام كحل لتخفيض الضغوط الاجتماعية وتلبية الاحتياجات الوظيفية. كما ورفعت حكومة الإخوان من خلال سياسات شعبوية محضة، من الحد الأدنى للأجور لامتصاص غضب الفئات الأكثر ضغطاً. فأضحى القطاع العام المصري يوظّف نحو 5.8 ملايين شخص، بالإضافة إلى 0.5 مليون عامل مؤقت.

زد على ذلك أن مصر تتوفر على عددٍ كبيرٍ من الشركات العمومية أعلى من متوسط الشركات العمومية في الدول النامية. كما أن الجيش المصري يمتلك حصة كبيرة من الشركات المملوكة للدولة، ولكن الملاحظين لا يعرفون إلا القليل عن طرق تسييرها وتوزيع أرباح هذه الشركات. كما وفشلت حكومة الإخوان في إصلاح نظام دعم غير عادل وفعّال يستنزف 25 في المئة من الموازنة العامة للدولة.

إن التدبير الدولاتي المركزي وضع الاقتصاد المصري في المرتبة 107 من146 بلداً في مؤشر التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمي لسنة2012/13، وهو انخفاض حاد، بالنظر إلى الرتبة81 في السنة الماضية. كما أن تقرير ممارسة أنشطة الأعمال في 2013 صنّف مصر في الرتبة 109 من أصل 183 بلداً.

لقد شهدت الشهور الأخيرة التي سبقت انفجار الأزمة خصاصا في القمح والزيت والوقود ظهرت ملامحها بوضوح في مشاهد الطوابير الطويلة أمام محطات البنزين والسولار وانقطاعات يومية متكررة للتيار الكهربائي وانعدام الأمن، وزيادة الجريمة (التي تضاعفت ثلاث مرات منذ الثورة، وفقاً للأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية).

بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، ساهم عددٌ من الظروف الاجتماعية والسياسية في استفحال الأزمة وبروز قطيعة بين الرئيس المصري والمعارضة والشارع المصري. ويتمثل أهمها في محاولات أخونة الدولة عبر تعيين أتباع مرسي من الإخوان في المناصب المختلفة والتضييق على المعارضة وتحجيم دورها، بحجة أنها لا تملك شعبيةً على أرض الواقع. بالإضافة إلى سوء تدبير أزمة سد النهضة التي تعتزم دولة إثيوبيا إنشاءه، والذي سيؤثر سلباً على حصة مصر من مياه النيل.

أدت هذه العوامل مجتمعةً إلى فقدان الثقة تدريجياً في مؤسسة الرئاسة، ومهّدت الطريق أمام صعود قوى التمرد الداعية إلى العصيان المدني في منعطف يضع المجتمع المصري في مسار يصعب التكهن بمآلاته.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3988 - الأربعاء 07 أغسطس 2013م الموافق 29 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً