العدد 3991 - السبت 10 أغسطس 2013م الموافق 03 شوال 1434هـ

ما بين الطائفة والمواطنة في الدولة المدنية الحديثة

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

المواطنة هي الطائفة الأعم والأكبر، والجامعة التي تجمع مواطني الدولة، وتتفرع منها طوائف وجماعات أخرى تصغر وتكبر، في أغلبية وأقلية، هذه الطوائف والجماعات لا تنسلخ عن الأصل في المواطنة، وهي الأساس، وإنما تجمعها انتماءات فرعية متعددة، قد تكون دينية أو مذهبية أو سياسية أو فكرية، لذلك فعدالة الدساتير والقوانين، وسواسية المواطنين وكرامتهم، أمامها، تخضع للتصنيف الأساسي للمجتمع في المواطنة.

الطائفة أو الجماعة، سواء كانت إثنية، دينية، مذهبية، قبلية أو عائلية، سياسية، مهنية أو علمية تخصصية، هي واقع اجتماعي، لا غبار عليه، وترى بعض الطوائف والجماعات الصغيرة تندمج بالتقارب في طائفة أو جماعة أكبر، ولكن أكبر الطوائف هي الطوائف الدينية، بين الإسلامية والمسيحية مثلاً، ومثل الطوائف المذهبية، بين الطائفة الشيعية والسنية، وكلتا الطائفتين، تجتمع تحت عباءتهما، طوائف وجماعات أصغر منها من اختلافات فقهية دينية، ومثلها الجماعات السياسية، التي تجمع بين أفراد من هذه الطوائف الدينية والمذهبية، لتتطيّف حول رؤية سياسية مشتركة، فلا يعيب أحد غيره إن انتمى الى طائفة غير طائفة الآخر، وإن فعل فإنما أعاب غيره بما في نفسه.

المجتمع منذ أمد التاريخ وفي الحداثة، تأسس على أساس الطوائف والجماعات، التي بدأت من الأسرة ثم العائلة، في شد أزر أفرادها لبعضهم البعض، وكذلك في القبيلة، إلا أن المرحلة التاريخية الاجتماعية، حكمت العلاقات بين أفراد هذه الطوائف والجماعات، وتوالدت لعلاقاتها أعراف بمثابة القوانين، التي فرضها التطور الفكري الاجتماعي عبر مراحل التطور.

ولن نطلق العنان للسباحة الى ظلام التاريخ، فما انقضى منه قد انقضى، وما عاد منه إلا أنه عتبات اندثرت إلا أنها قادت المجتمعات، وأرّقتْ البشرية الى الدولة الحديثة، في علاقات الطوائف والجماعات ببعضها، وتراكم الخبرات البشرية الاجتماعية والسياسية، التي أوجدت القوانين الحديثة، تلك القوانين المحلية والإقليمية، التي عابها بعض القصور، في فترات سيادة الطائفة أو الفرقة الأقوى، من حيث استحواذها على مصادر ووسائل الثروة والقرار، وتمكنها من الهيمنة العنيفة أو التهديد بها، ضد باقي طوائف وجماعات المجتمع، ما صغر منها وما كبر، ما جعل الآخر الواقع عليه الظلم الاجتماعي، يبدأ في التململ، وإطلاق الصوت نداءً لحقوقه.

بدأت المجتمعات في التكوين البشري لها، بالهجرة من بقاع مختلفة، تنقصها سبل العيش الأساسية، الى تلك البقاع الأيسر عيشاً، سواء عن طريق الهجرة الفردية والعائلية، أو عبر الهجرات القبلية، وسواء كانت تلك الهجرة سلمية في مهاجريها وفي مستقبليهم، أو كانت عنيفة عبر حروب الاستيلاء، التي قادتها الاكتشافات الجغرافية للبقاع البعيدة، ما جعل إجمالي الكرة الأرضية، مسرحاً للهجرة منها وإليها.

وهكذا استقرت الشعوب، كل في مساحة من الأرض بما فيها من مصادر طبيعية، وما حولها من بحار بثرواتها الأحيائية، بغض النظر عن قاطنيها الأصليين والوافدين اليها، وتطور النظام الاجتماعي لكل من هذه الشعوب، تفاعلاً بداخلها وتأثراً بغيرها من أنظمة الشعوب الأخرى، الأمر الذي أوجد الحاجة الاجتماعية والسياسية، لترسيم الحدود، وبدء الانتماء الحدودي (الوطني) لهذه الشعوب، الذي خلق علاقات التعاون في بعضها والتضاد في بعضها الآخر، ما نشأ على إثرها مفهوم الدولة، المحدد في عناصرها الثلاثة، الأرض والشعب وسلطات إدارة الدولة، وتطورت في الدولة، العلاقة بين الشعب والسلطات، من الاحتكار الى الشراكة في الدولة المدنية الحديثة، ثم الى سيادة الشعوب على سلطاتها ومصدريتها، لترتقي العلاقة بين الأفراد وفي تشكيل السلطات، على أساس المواطنة المتساوية الحقوق والواجبات.

ومن حيث طبيعة الإنسان كما باقي الخلق، في ميله الى الالفة والاجتماع، بقيت الطوائف، وستظل الى الأبد، ما أوجد في الدولة المدنية الحديثة آليات ومعايير جديدة لخلق الطوائف وعلاقاتها ببعضها، في مؤسسات المجتمع المدني، التي توسعت بالإضافة الى الطائفة الدينية والمذهبية، الى الجماعات السياسية والمهنية والتخصصية، والعمرية والجندرية، وتطورت أسس قوانين العلاقات الى مبدأ المواطنة، في استنان الدستور الذي يؤسس لتشريعات القوانين المختلفة، في علاقة فردية ما بين جميع المواطنين في الدولة، بأسس ثلاثة، الكرامة الإنسانية والعدل والمساواة.

فالمواطنة هي الطائفة الأعم والأكبر، والجامعة التي تجمع مواطني الدولة، وتتفرع منها طوائف وجماعات أخرى تصغر وتكبر، في أغلبية وأقلية، هذه الطوائف والجماعات لا تنسلخ عن الأصل في المواطنة، وهي الأساس، وإنما تجمعها انتماءات فرعية متعددة، قد تكون دينية أو مذهبية أو سياسية أو فكرية، لذلك فعدالة الدساتير والقوانين، وسواسية المواطنين وكرامتهم، أمامها، تخضع للتصنيف الأساسي للمجتمع في المواطنة، وما للتفرعات الطائفية والجماعية الأخرى إلا النزوع الى حماية حقوق أفرادها الخاصة، التي تندرج تحت الحقوق العامة للمواطن، دون تمييز ولا مس لأفراد طائفة بعينها على حساب الطوائف الأخرى في المجتمع.

فللطوائف والجماعات حق في توفير الدولة لها الاحتياجات الفرعية، وعلى القدر نفسه بحسب احتياجات الطوائف والجماعات الأخرى، في تقسيم الموارد المخصصة لهذه الاحتياجات لكل طائفة وجماعة تكافلاً، في - مثلاً - بناء المساجد والكنائس للطوائف الدينية، والمساجد والمآتم والمضائف، للطوائف المذهبية، والمقار والدعم المالي للطوائف والجماعات السياسية والمهنية وغيرها من طوائف وجماعات الدولة المدنية الحديثة، أما الحقوق العامة للمواطنين، من السكن والعمل والرعاية الصحية والتعليمية، والحقوق المدنية والسياسية الخ، وكذلك الواجبات والمحاسبات العامة، فهي متساوية لجميع المواطنين، وواجب على الدولة، أن تحفظ لكل طائفة أو جماعة، كيانها، وحمايتها من التطاول والمس بها من قبل الطوائف والجماعات الأخرى.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3991 - السبت 10 أغسطس 2013م الموافق 03 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:02 ص

      ذهبية أو مذهبية ساسة أو قسوه ما قاسها قساوسة لكن وساوس ساسه

      من المشاكل والآثار التي تركتها التجارة العالمية أو مايسمى بعولمة الفقر أنها خصخصت الوزارات الخدميه مثل الكهرباء وبقت الصحة فيها كحة والتربية مشاكلهم ما تنحل. حلوها بوسائل غير سلميه في بعض الدول بأن حبسوا بعض الأطقم الذهبيه – يعن الأطباء وشتتوا شملهم بميررات واهية؟ هل هذا من أجل التخلي عن تقديم الخدمات العلاج الأساسية للمواطن والمقيم. عاد لاحظ أن المستشفيات والمراكز الخاصة – طب خاص ومدارس خاصة وجامعات خاصة بعد زادوا في البحرين ليش؟

    • زائر 6 | 4:55 ص

      وسواس خناس أو منكر أو سادة وعبيد كما الجاهل في الجاهليه

      ليس سراً ولا جهراً أن الناس خلقوا شعوب وقبائل علشان يتعارفون، لكن عاد يتعاركون ويذبحون بعضهم بعض هذا حتى جحا إستنكر المنكر من فعايلهم وكأنهم داير رأسهم على أعقابهم ردوا. يعني يقولون إنهم مسلمين، لكن إشلون لا يسلم أحد لا من أياديهم ولا من لسانهم ولا عواينهم من الحسد أو وساوس شيطان أو لأنهم متبعين خطوات شيطان وساسوا الديار بها الوسوسه والهلوسة السياسية المملوئه سي أي دي بالانجليزية. يعني مو سياديه أو مو من بيت الساده ولا من بيت سيادي لكن يسوسون؟

    • زائر 3 | 1:34 ص

      الرجعية الطائفية تحاول الصاق تخلفها بالدين

      بعض الرجعيين في الأمة ولدينا الكثير منهم في منطقتنا الخليجية يحاولون الصاق طائفيتهم ورجعيتهم بالدين.
      لقد جعل الله اختلاف الأمم للتقدم والتطور ورفعة بني البشر وهؤلاء جعلوا من الخلاف مع الآخرين مدعاة للتصفية الجسدية والدموية فلا تكاد تختلف مع احدهم حتى يعطيك صك الحرمان من الحياة.

    • زائر 2 | 1:12 ص

      العلاقات القبلية والطائفية في الدولة والمجتمع نتاج الأقتصاد الريعي وهي غير أزلية

      الكاتب يرتكز على نقطتين في تكوين فكرته التي أصاغ بها مقالته النقطة الأولى انطلاقته من خلال الأرض التي يحيا عليها وما تحويه من تركيبة اجتماعية والنقطة الثانية هي الوعي والفكر بأعتباره المحرك للتطور المجتمعي مغفلا العامل المادي الأجتماعي لتطور الفكر والوعي نفسه وجموده وسباته الأساس في وجود وبقاء وتأصل العلاقات القبلية والطائفية القائم على الأقتصاد الريعي الغير منتج المعتمد على خيرات الأرض والذي يحتاج الى علاقات أجتماعية غير انتاجية من قبيل العلاقات الطائفية والتي حتما زائلة بزوال الأقتصاد الريعي

    • زائر 1 | 11:38 م

      التطور هي سنة الحياة.

      التطور الاجتماعي للشعوب هي سنة كونية لا يمكن تغافلها، ان يبقى مجتمع لعقود طويلة من دون تغيير فهذا يعتبر شدود، او ان ترفض فئة من المجتمع التغيير للأفضل فهذه كارثة تتحمل مسؤوليتها امام الأجيال القادمة.

اقرأ ايضاً