العدد 4042 - الإثنين 30 سبتمبر 2013م الموافق 25 ذي القعدة 1434هـ

مؤتمر شباب السلام: الحبُّ أوكسجين السلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

السؤال الذي أرّق، ولايزال، عقول الفلاسفة وذوي الألباب: «هل الأصل في الشعوب الميل إلى السلام أو أنّ الناس بشر دون باء ميّالون إلى العنف والحروب؟».

يتجدّد السؤال في كلّ حين وآن ويأخذ أشكالا وأشكالا، ولكنّ الإجابة التي تقدمها وقائع الحدثان تؤكد رجحان كفة ثقافة الشرّ والعنف على ثقافة السلام منذ قصة قابيل وهابيل إلى يومنا هذا. واللافت أنّ البشريّة على امتداد تاريخها، سواء عبر حكمائها أم أنبيائها أم الرسالات السماوية أم المنظمات الراعية للسلام حديثا، كانت دوما ولاتزال تحثّ على السلام رغم اختلاف الوسائل من عصر إلى آخر. وقد تلخصت عصارة هذه التجربة الإنسانية في نص الميثاق التأسيسي لليونسكو وتحديدا في ديباجته حيث جاء فيه ما يلي: «لمّا كانت الحروب تتولّد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام».

ويأتي انعقاد مؤتمر الشباب الدولي «شباب السلام»، والذي نظمته المؤسسة العامة للشباب والرياضة في البحرين، والمتزامن مع يوم السلام العالميّ، لبناء حصون السلام وذلك بحضور عدد من المسئولين والدبلوماسيين وحشد من الشباب والوفود المشاركة والبالغ عددهم أكثر من 500 شاب وشابة من 36 دولة من مختلف أنحاء العالم، ليؤكد السعي الحثيث عند عقلاء العالم إلى ضرورة إرساء ثقافة السلام؛ ولكن هذه المرة بنكهة شبابيّة. فقد تطرّق الشباب في هذا المؤتمر العالمي، الذي رعاه رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة رئيس اللجنة الاولمبية البحرينية سموّ الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، إلى محاور مهمّة منها الأبجديات الحياتية والتنمية الاقتصادية ودور وسائل الإعلام في تشكيل آراء الجمهور، بالإضافة أهميّة الروح الرياضية وتقبّل الرأي الآخر وتجارب واقعيّة لتعزيز ثقافة السلام من وفود الدول المشاركة. وممّا جاء في كلمة سموّ الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة: «تتكلم شعوب العالم بلغة واحدة هي لغة السلام ويجتمعون على طاولة واحدة من أجل السلام ويبحثون كيفية صناعة السلام»، لكن، وطالما الحال كذلك، لماذا يميل الشباب إلى العنف ويعزفون عن السلام؟ وما الحلول الكفيلة بتقوية اتجاهاتهم إزاء ثقافة السلام؟

لاشكّ أنّ حالة الإحباط التي يشعر بها الشباب جرّاء أزمة البطالة العالميّة تمثّل أحد أبرز الدوافع نحو ثقافة العنف؛ فالبطالة ليست حالة اقتصاديّة فحسب، وإنما هي كارثة عالميّة تهدّد الكيان وتفقد الإنسان احترامه لذاته. كما العنف الأسريّ والتفكك الاجتماعيّ من شأنه أن يولّد إحساسا بغياب الطمأنينة والسلام لدى الأطفال والشباب. لكنّ الأدهى والأمرّ هو التوظيف الخبيث للدين والتغرير بالشباب من قبل السياسيين وتأثير المنابر الإعلامية بزرع المفاهيم المغلوطة بين الشباب وخاصة أنهم أكثر قابليّة على تغيير أفكارهم بين الفينة والأخرى بحكم أن شخصيتهم في طور النموّ. أمّا المصيبة الكبرى فحين يطرق العنف أبوابه من خارج حدود الوطن متسلّلا عبر نوايا إجرامية لتفكيك أواصر هذا المجتمع أو ذاك ببثّ عوامل التفرقة فيه وشحن الشباب لأغراض مشبوهة تهدّد السلم والأمن الاجتماعيين، حينئذ لا تقع المسئولية على الشباب وحده بل إن المجتمع بكلّ مكوناته يتحمّل المسئولية في ذلك.

وقد حرص مؤتمر شباب السلام على كون الشباب الأداة الأنسب لنشر مفهوم السلام بل واعتبارهم سفراء السلام في العالم، غير أنّ ذلك لا يجب أن يبقى حبرا على ورق وإنما يقتضي تفعيل هذه التوصيات استبعاد واستئصال كل ما من شأنه أن يوجّه الشباب إلى العنف والاقتتال من ذلك إخراج الشباب من دائرة الإحباط والعمل من أجل إنهاء البطالة وتشجيع المشاريع الصغيرة ودعمها لتعزيز فرص نجاح الشباب في بناء ذواتهم ومزيد احترامهم لكيانهم حين يجدون أنفسهم مساهمين بفاعلية في الدورة الاقتصادية لا عالة على حكوماتهم يستجدون منحا أو مصروف جيب لا يسمن ولا يغني من جوع.

كما ينبغي إيقاف التوظيف المشبوه للدين والإعلام في نشر ثقافة العنف مهما كانت المسوّغات ومن أيّ طرف كان في العالم. ولعلّ تطوير المناهج التعليميّة وإحلال ثقافة السلام والتربية على قيم المواطنة وحقوق الإنسان وإشاعة ثقافة التسامح في المناهج التربوية من أهمّ الوسائل الممكنة ولذلك أكدت منظمة اليونسكو، على: «المساهمة في صون السلم والأمن بالعمل، عن طريق التربية والعلم والثقافة، على توثيق عرى التعاون بين الأمم...». كما أنّ دمقرطة الحياة الأسرية والمدرسية والجامعية، بل وتشريك الشباب في البرلمانات وإتاحة الفرص له عبر وسائل الإعلام، كلّها سبل كفيلة بتحصين الشباب من العنف وتوجيهه نحو ثقافة السلام.

إنّ اجتماع العالم ممثّلا بشبابه قد وجّه الأنظار إلى أهميّة الشباب في صناعة ثقافة السلام وتكرار مثل هذه اللقاءات يصبّ في مصلحة الشباب ويمنحهم المزيد من الثقة في إشاعتها، بل إنّ تشكيل مجموعات شبابية يكون هدفها الضغط باتجاه السلام في العالم وتوظيف الوسائل المتاحة لذلك، بما فيها الإرادة السياسية داخل أي بلد، يكون خير دليل على التحقيق الفعلي لرسالة السلام التي بثّتها البحرين إلى العالم من خلال استضافتها لمؤتمر شباب السلام. لكن كل هذا وذاك لن يكون حقيقة فعلية إذا لم تنتشر بين الناس ثقافة هي الأصل والمنبع، ثقافة الحبّ بما يحمله من معان سامية تغنّت بها كل شعوب العالم حب الناس للناس، للخير لحياة أجمل. إنّه لو كان السلام إنسانا يتنفّس، يختار غير الحبّ روحا ومُتنفَّساً. نعم إنّ الحبّ هو أوكسجين السلام.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4042 - الإثنين 30 سبتمبر 2013م الموافق 25 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:17 ص

      لماذا يميل الشباب إلى العنف ويعزفون عن السلام؟ وما الحلول

      طرح جيد لكن الأجوبة ما زالت تحتاج إلى تعميق

    • زائر 7 | 3:19 م

      سï»»م

      اطلعت على مقالك وقد حاء معبرا عن واقع حقيقي قائم ومï»»ئما لما تعايشه اï»»مم اليوم. وقد احسنت صنعا لما ربطت المسالة بما يجري فعليا في البحرين ومساهمة الشباب والسلطة فيه
      دمت موفقا ومتالقا.

    • زائر 6 | 1:21 م

      سفراء السلام

      ا ريت تبادر البحرين إلى إرسال مجموعة من الشباب إلى خارج الوطن لبث رسائل السلام في العالم حتى نقرن القول بالفعل

    • زائر 5 | 10:17 ص

      سلمت يداك

      بصراحة مقال متميز أخ سليم وفيه الكثير جوانب الاهتمام بمجال الريادة والابتكار المتعلقة بشباب المستقبل باعتبارهما عملية إبداعية تستفيد من الإيجابيات وتعظمها وتنظر للتحديات كفرص لإيجاد حلول إبداعية وواقعية .سلمت يداك اخي الكريم.

    • زائر 4 | 10:13 ص

      السلام

      آه ذلك المنشود

    • زائر 3 | 1:21 ص

      جاهلية الحروب وحروب الجاهلية

      من المسائل سأل جحا لما يقال إذا كان الله حيا نبيه محمد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام بالسلام بينما اليوم لا سلام وكثر الكلام عن السلام لكن الناس فا في عندهم رحمة ويتذابحون؟

    • زائر 2 | 1:17 ص

      لما الشباب والشابات مختلفات حتى في تتبع خطوط الموضة؟

      قد يكون بسبب الأشرار لكن قد يكون في السلام مشاكل أو تشاكل أو تشابه ليس في اللام أو المتفرق لكن سلام قد يكون وطني وقد يكون أميري وقد يكون ملكلي أو جمهوري أو شعبي – تعبويوي يعني. الى هنا ليس فيها مشكلة وإنما مسأله. هنا أيضاً ليش السلام ملكي ولما أمير ولما وطني (...)؟ أووا ليس تحية الإسلام يقال فيها سلامٌ عليكمْ؟ فلما الناس تتناوش وتتهاوش وألله خلقهم ليتعارفوا لا ليتعاركوا؟

    • زائر 1 | 12:55 ص

      الإنسان ذئب لأخيه الإنسان؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      هل الأصل في الشعوب الميل إلى السلام أو أنّ الناس بشر دون باء ميّالون إلى العنف والحروب؟

اقرأ ايضاً