العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ

البحرين أين المنتهى... للمرة الأخيرة

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

نلخص الوضع الذي آل إليه حال البحرين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالتدهور العام الذي أصاب الدولة كنظام مؤسسات وقانون، فباتت عاجزة عن انتشال حال المواطن من براثن ما أتت به من ممارسات.

ولم تعي من الحراك الشعبي المتعدد الأطراف والمتعدد المطالب والحلول، إلا أمراً واحداً، هو تهديدها في بقاء حالة الاستئثار بالسلطة والقرار، فقد رفعت السلطات رايات العمالة للخارج، إستثماراً لآلامها التاريخية الذاتية، وآلام الدول الخليجية، التي عملت جاهدة على جعل نفسها مديرة ومدبرة لأوضاع الأقليم، ليس لقدراتها الذاتية، بل صراعاً مع الدولة الأكثر تقدماً تكنولوجياً وسلاحاً، ودوراً إقليمياً، وفق عدائها التاريخي لإيران، وقد أسقط تقرير بسيوني تلك الورقة.

ثم رفعت بهتاناً راية تخزين واستخدام المعارضة للسلاح، لقلب نظام الحكم بالقوة، الأمر الذي حلمت من خلاله بالدعم دولياً، بما يتسقّ منطوقه مع القوانين الدولية، فباءت المحاولة بالفشل، رغم تصريحات بعض الوزراء، فالمجتمع الدولي لا يجنح للتصريحات الرسمية في التلفزيون والصحافة المريضين، ما دعا المستشار محمود شريف بسيوني إلى دعوة السلطات لفتح الإعلام الرسمي للمعارضة، بل يجنح إلى المعلومة المادية، التي يستخلصها ممثلوه الدبلوماسيون.

ثم راهنت السلطات على دعوات المجتمع الدولي، بالدعوة إلى حوار الأطراف المعنية بالأزمة، المعارضة والسلطات، واعتقدت بأنها بطاولة الحوار القائم، الذي سخرت له جميع أجهزتها الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية، للنيل من المعارضة بأنها لا تقبل بالحوار، دعماً للمحاولة الرسمية باتهام المعارضة بنيتها قلب نظام الحكم بالقوة، ففصلت ووزعت الأدوار في الحوار على مقاييس تضمن لها الاستئثار بالقرار، فجاء الحوار باهتاً. إلا أن رؤية المعارضة والمجتمع الدولي، أثقب في الرؤية والتحليل من هشاشة جدران مقر الحوار، وتوزيع كراسيه على كل من هب ودب، بشرط الموالاة، وكان صبر المعارضة والمجتمع الدولي عليه طويلاً، بما أسقطه في نهاية المطاف.

ثم عطفت السلطات إلى التوتير الطائفي، لحماية نفسها من اجتماع الطائفتين الكريمتين على المطالب، فارتدت نبالها إليها في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظماتها السياسية والحقوقية، فعمدت مجدداً إلى نكران ما جنت يداها من تمييز طائفي، أسوةً بتصريح وزير الخارجية مؤخراً، «المؤزمون فشلوا في إحداث فجوة بين الشعب البحريني.. والشيعة يحصلون على كامل حقوقهم»، («الوسط»، 8 نوفمبر 2013)، فلم تفهم السلطات الدرس، فمازالت تراهن على التصريحات الرسمية، ولم تدرك ما أصاب مصداقيتها من ضرر، خصوصاً من بعد ازدواجية سياساتها في التجنيس في جانب وإسقاط الجنسيات عن المواطنين في الجانب الآخر، معتدةً بالمجلس الوطني، في شقيه الشوري والنيابي، الذي هو من صنيعة يديها، والذي خان ضميره وضمير الأمة، في اللعب على وتر التوجه الدولي لمحاربة الإرهاب، فعمدت السلطات إلى وصم الحراك الشعبي بالإرهاب، وشدّدت من عقوبات قانون مكافحة الأعمال الإرهابية، ووسعت من توصيفات الممارسات في الشارع بما يطالها وصف الإرهاب، ليس إعتماداً على النص القانوني، بل على تقييمات أهواء أفرادها. فالمتظاهرون بأكثر من خمسة، وحارق إطار في الشارع، ورامي حجر من بعد فرسخ، على رجل أمن بادر بإطلاق الرصاص الحي القاتل، رداً على صيحة بلفظ لا يعجبه، فأردى زميل القاذف أو قريبه قتيلاً، أو جريحاً على وشك الموت، وحماية لهذا الجريح من القتل اللاحق في السجون، وليقين الناس بالتجربة أن القاتل لابد فالتٌ من العقاب، كل أولئك إرهابيون، أما الطرف الآخر الذي يتسلى بالقتل والجرح، بسلاح قاتل، لأتفه الأسباب، عبر افتراض أن كل متظاهر سيقذفه بالمولوتوف، كما حصل في مرات معدودة عبر الثلاثين شهراً من الأزمة، فهو ملاك الطهارة والعدل، خصوصاً أن غالبيتهم العظمى من غير المواطنين، وإن كانوا، فهم من ذوي النزق الطائفي.

هذا على الصعيد الدولي والدبلوماسي، أما على صعيد الممارسة على الأرض في الداخل، فقد لجأت السلطات إلى القوة، وإفلات منتسبيها من العقاب، بما جعل هؤلاء الأفراد يتسلون بتعذيب وإهانة المعتقلين والموقوفين، وقذف خمسة أو ستة أطفال برتلٍ من مسيلات الدموع، بما يطال الآمنين في غرف منازلهم، وكأنما يجازى رجل الأمن بمبلغ يتزايد كلما استهلك أكثر من مسيلات الدموع والمقذوفات الأخرى، وبما طال الفصل من الأعمال بمعيار طائفي وسياسي مزدوج، وتفشي حالات القتل والجرح والاعتقال، وعدم الامتثال للدستور والقوانين، وتفشي النفوذ الفردي على حساب المؤسسات والقانون، وإفلات المسئولين من العقاب، جراء كل هذه الممارسات، وجراء الإستئثار بالملكيات العامة ونهب الأراضي والبحار والشواطئ، والسرقات المالية والعمولات في المؤسسات والشركات الرسمية لصالح المتنفذين، والشح على المواطن في قوته وكرامته، وجراء سقوط وفشل المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وحَيْدُها عن أصل عملها، وجراء دستور مفروض بإرادة منفردة على غير ما تم التوافق عليه في الميثاق، والكثير الكثير من الممارسات غيرها، جعلت يقيناً أن لا أمل في إصلاح نظام إدارة الدولة، إلا بنظام المؤسسات والقانون، والمحاسبة الشعبية، من بعد إعادة صياغة الدستور والقوانين، وإنشاء السلطات من جديد، بطريقة وطنية توافقية، لا تفرق بين المواطنين، لا على أساس مذهبي ولا عائلي، بل المواطنة بالولادة من أبوين مواطنين، هي المعيار الوحيد من قبل ومن بعد إنشاء حكومة منتخبة شعبياً، بمعيار صوت واحد لكل مواطن، واعتبار البحرين دائرةً انتخابية واحدة غير مجزأة إلى دوائر أو مناطق، عبر اشتراك الجميع في ذلك بالكفاءات، ومن دون تخوينات.

وإلا ماذا نتوقع، قبل التدخلات الدولية، استباقاً لتفاقم الأزمة، إلا أن تتحلل الدولة والسلطات، لتعم الفوضى للانتقامات الشخصية جراء المصائب التي نال كلٌ منها نصيبه.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 8:31 م

      أحسنت استاد

      أحسنت و بارك الله في هذا القلم النظيف الحر الأبي و عساك دوم علي القوة

    • زائر 15 | 10:38 ص

      حب الدنيا اعماهم

      اللهريحفظك يايعقوب سيادي وخليك لنا ذخر ياربي بجاي عشرة محرم الحرام سبدي السلطة عرفت تلعبها صح مع المعارضة في جلب اشخاص لايمثلون الا انفسهم حتي اخوان السنة متبرون منهم ومن افعالهم

    • زائر 14 | 6:12 ص

      النصرات

      اذا جاءكم من فوقكم ومن اسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر... سينجزوعده وسيهزمهم كما هزم الاحزاب والله ليس بمخلف وعده رسله اللهم يامنزل الكتاب ويامرسل الرياح ويا هارم ا لاحزاب انظرنا يا الله

    • زائر 13 | 5:36 ص

      قانون الغاب

      أستاذ يعقوب أثني على كلامك والدليل على ما تقول أبنائنا لا زالوا بالسجون وحكم عليهم ظلماً وعدواناً حيث إعتمدت المحكمة على ( معدوم ) وهو المصدر السري المجهول والاعتراف تحت التعذيب وأخذت به دون دليل فهذه دول القانون والمؤسسات !! المشتكى لله

    • زائر 12 | 3:36 ص

      v

      المنتهي عند سدرة المنتهى
      و على البحرين العفا

    • زائر 10 | 1:46 ص

      انت ضمير الشعب

      أحي قلمك الشريف فمقالاتك يجب ان تحفظ وتدون كمرجع للتاريخ تدرسه الاجيال القادمة حتى لا تضيع الحقيقة وتسلب الهوية اكثر!!!!اتسأل وأنا أقرأ مقالاتك ومقالات العزيزة مريم الشروقي الا يوجد على الطرف الآخر رجل رشيد يهمه مصلحة الجميع ام هناك حول شديد كم قال د منصور؟؟؟ شكراً للوسط ولكتاب الأعمدة الذين يروننا بمقالاتها التي تثلج الصدر

    • زائر 9 | 1:19 ص

      ااصيل

      صبحك الله بالخير استاذي الجليل كم انت عظيم ...ان اعظم الجهاد عند أإلله كلمة حق عند سلطان جار...وها انت قد اديت الامانة فجزاك الله خيرا

    • زائر 8 | 1:14 ص

      ملخص وافي عن الوضع البحريني

      ونتمنى القصاص من المجرمين ونيل الحقوق لكل المواطنين

    • زائر 7 | 12:12 ص

      مقال تاريخي

      لن ننسى مواقفك الشجاعة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ البلد وإيمانك بحقيقة المطالب الشعبية ووقوفك ضد تيار المصالح وضد الانتهازيين وجرأتك في قول كلمة الحق وتحليلات الدقيقة الصادقة التي تنم عن حس وطني عال ،بارك الله فيك و كثر من امثالك.

    • زائر 5 | 11:59 م

      لك الشكر ايها الاستاذ

      استاذ يعقوب كل يوم تتحفنا بموضوع اكثر دقة وتوصيف للوضع .
      سلمت يداك على ما خطتا

    • زائر 4 | 11:46 م

      لقد صدحت بكلمة الحقّ ولخصّت القول

      خلاصة الوضع هو ما قلته ايها الحرّ الشريف وما بعد كلامك كلام ولا بعد توصيفك توصيف. انها الحقيقة المرّة، وفي النهاية سوف لن يصحّ الا الصحيح. والشعب باق ومصرّ وثابت على مطالبه وهذه الاعمال انما تزيده قناعة بان هذا الوضع غير مقبول لدى اي انسان لديه كرامة

    • زائر 11 زائر 4 | 2:16 ص

      كلام الحق يزعّل

      كلمات لها ثقل في الشارع البحريني لما يحدث جراء المطالبه بحقوق الشعب المسلوبه . استادي العزيز نتمنى لك التوفيق في مواضيع اخرى

    • زائر 3 | 11:45 م

      ملخص رائع للأزمة في البحرين

      هذا هو واقع الحال. ولكن اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر

    • زائر 2 | 11:45 م

      رعب الكفاءة؟

      من كان يوما مراسلا مغمورا في دائرة حكومية أو حارسا على بوابة مدرسة أو أو.... ثم أصبح بقدرة قادر ممثلا للشعب لا شك ترعبه كلمة كفاءة كاتبنا العزيز!!!

    • زائر 1 | 9:59 م

      فرصه لا تعوض

      الطرف المستفيد من الازمه يريدها ان تستمر لان الازمه سترفع من رصيده البنكي لذلك لا يرى في حلها فائدة له تذكر واستمرارها فرصه لا تعوض

اقرأ ايضاً