العدد 4084 - الإثنين 11 نوفمبر 2013م الموافق 07 محرم 1435هـ

اليونسكو، فلسطين والولايات المتحدة الأميركيّة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تهديد.. تنفيذ.. فتعليق! تهديد من قبل الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني بالامتناع عن دفع مستحقاتهما لمنظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) التابعة للأمم المتحدة احتجاجاً على منح الدولة الفلسطينيّة عضوية كاملة في المنظمة. وحين نالت فلسطين هذا الحقّ، أسوةً بغيرها من الدول، وبمباركةٍ من حلفاء الولايات المتحدة و»إسرائيل» (فرنسا مثلاً)، نَفَذ التهديد وتوقفت مساهماتهما المالية في المنظمة، ومرّت المدة القانونية للتدارك وانتهت المهلة الممنوحة للولايات المتحدة لتقدم تبريراً رسمياً لعدم الدفع وخطة بدفع المستحقات المتأخرة، وذلك يوم الجمعة الماضي، فكان تعليق حقها وحق «إسرائيل» في التصويت داخل المنظمة تلقائياً.

وأرجعت الولايات المتحدة قرار إلغاء تمويلها للمنظمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 إلى القوانين الأميركية التي تحظر تمويل أي وكالة تابعة للأمم المتحدة تعترف ضمنياً بمطالب الفلسطينيين المتعلقة بالدولة. كما سحبت «إسرائيل» تمويلها اعتراضاً على ما قالت إنها محاولات أحادية من جانب الفلسطينيين للحصول على الاعتراف بدولة فلسطينية.

وتبدو هذه الخطوة جريئة بل قوية من قبل اليونسكو إذ أنّ التمويل الأميركي للمنظمة يبلغ نحو 240 مليون دولار، أي حوالي 22 في المئة من ميزانية اليونسكو، وهو ما قد يعرّضها لأزمة مالية تضطرها لتقليص البرامج والإنفاق على المشاريع المزمع تنفيذها؛ إذ لا يخفى على أحد أنّ منظمة اليونسكو ذات الأهداف الإنسانية النبيلة، تشتهر بجهودها لدعم التعليم في الدول النامية وحماية التنوع الثقافي من خلال برنامج «مواقع التراث العالمي» وغيره، فهي المسئولة عن تحديد مواقع التراث العالمي وتعزيز التعليم في أنحاء العالم، فضلاً عن دعم حرية الصحافة بالإضافة إلى مهام أخرى. والسؤال الذي يلحّ على المتابع: إلى أيّ مدى سوف تستفيد فلسطين من تعليق هذا الحق الأميركي والإسرائيلي في التصويت؟

لئن لم يفوّت الإعلام الفلسطيني والعربي المتضامن الفرصة لاستغلال الحدث إعلامياً بتوصيف قرار تعليق التصويت هذا على أنه انتصار فلسطينيّ على الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل»، فإنّ الفرصة، لا شكّ، لاتزال مناسبةً لتحقيق مكاسب سياسية على الورق، وربما في الواقع أيضاً، حيث إنّ وزير الخارجية الفلسطينيّ رياض المالكي من المنتظر أن يكون قد ألقى في اجتماع يوم الأمس، الاثنين (11/11/2013)، كلمة دولة فلسطين في المؤتمر العام لمنظمة التربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور رؤساء ووزراء 195 دولة عضواً في «اليونسكو»، وهي فرصة ثمينة لانتزاع قرارات قد تخفف شيئاً ممّا يحصل في مدينة القدس المحتلّة من انتهاكات واقتحامات المستوطنين، ومحاولات الكيان الصهيونيّ فرض وقائع جديدة على الأرض في القدس الشرقية، والمتمثلة باستمرار أعمال الحفريات في محيط المسجد الأقصى المبارك وأسفله، بغاية تغيير هوية المدينة المقدسة وطابعها. والأكيد أن الديبلوماسي الفلسطينيّ سيشدد على المطالبة بتنفيذ القرارات الخاصة بفلسطين، بما فيها إرسال بعثة «اليونسكو» لتقصّي الحقائق بزيارة الأراضي الفلسطينية والقدس خصوصاً، لاستكشاف ما تقوم به سلطات الاحتلال من تخريب وتدمير وتشويه للتاريخ والتراث والآثار الفلسطينية. ويبدو أن الفرصة أيضاً مناسبة لكي تترشح دولة فلسطين للجان الخاصة للمنظمة، بما فيها اللجنة القانونية، ولجنة التراث العالمي، علّها تساهم مع دول العالم في المحافظة على التراث العالمي عموماً والفلسطيني خصوصاً.

ويجيء فَقْدُ الولايات المتحدة لحق التصويت، كعضو مهم في اليونسكو، في وقت تحاول فيه أن تدفع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قُدُماً، ومثل هذا الخلاف يحرج إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي أوضحت أنها تودّ تطبيع العلاقات مع اليونسكو.

لقد بان بالمكشوف «ازدواجية أميركا» فهي تقدّم نفسها على أنها الراعية الرسمية لمحادثات السلام بين فلسطين و»إسرائيل» من ناحية؛ ثم تقرّر وقف تمويل المنظمات التابعة للأمم المتحدة عقاباً لها على منح فلسطين عضوية كاملة لها من ناحية أخرى. وهو ما جعل بعض الأصوات في الديبلوماسية الأميركية تنادي بمراجعة هذا الموقف ومن ثمة إدخال تعديلات على القوانين الأميركية؛ فقد حثت مستشارة الأمن القومي للبيت الأبيض سوزان رايس الكونجرس على العمل من أجل أن تستعيد الولايات المتحدة حق التصويت في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو). وقالت رايس على حسابها على «تويتر» إنه «من المخجل أن تفقد الولايات المتحدة حق التصويت فيال يونسكو.. وعلى الكونجرس إصلاح هذا الأمر، فالقانون الحالي لا يعاقب الفلسطينيين بل يعرقل الولايات المتحدة.»

إن الولايات المتحدة، إذ تفقد حقها في التصويت، فإنها تفوّت على نفسها فرصة مهمة لممارسة «القوة الناعمة» والمتمثلة في القدرة على ممارسة نفوذ دولي من خلال توجيه القرارات في المنظمات التابعة للأمم المتحدة، قبل ممارسة القوة الغاشمة كلما تعلق الأمر بمصلحتها ومصلحة الكيان الصهيوني.

إنّ سياسة الولايات المتحدة في هذا السياق ليست بالجديدة؛ فليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها خلاف بين الولايات المتحدة واليونسكو؛ فقد انسحبت واشنطن من المنظمة العام 1984 بعد أن اشتكت من إجراءاتها البيروقراطية وانحيازها لدول العالم الثالث. واتهمت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان المنظمة بأنها تمثل منصّة لدول العالم الثالث لتوجيه الانتقادات للولايات المتحدة و»إسرائيل». ثمّ عادت الولايات المتحدة مجدّداً وانضمت للمنظمة في 2002 خلال رئاسة جورج بوش الذي قال إن المنظمة أجرت الإصلاحات الضرورية.

فهل ستعيد اليونسكو الكرة وتدخل الإصلاحات الضرورية لعودة الولايات المتحدة الأميركية؟ أو أنّ الكونجرس سوف يغيّر قوانينه كي لا يفقد البيت البيض دوره القيادي والتوجيهي في مثل هذه المنظمات؟

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4084 - الإثنين 11 نوفمبر 2013م الموافق 07 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:11 م

      مقال جيد

      بمثل هذه المقالات يمكن توعية القراء

    • زائر 2 | 6:10 ص

      أكيد اليونسكو راح يغير قوانينه

      فهل ستعيد اليونسكو الكرة وتدخل الإصلاحات الضرورية لعودة الولايات المتحدة الأميركية؟ أو أنّ الكونجرس سوف يغيّر قوانينه كي لا يفقد البيت البيض دوره القيادي والتوجيهي في مثل هذه المنظمات؟

    • زائر 1 | 1:16 ص

      شكرا على المساندة المتواصلة

      مقالاتك كلما تعلقت بفلسطين أظهرت حسا قوميا وانتماء للقضية
      بارك الله في قلمك
      فلسطينيّ

اقرأ ايضاً