العدد 4088 - الجمعة 15 نوفمبر 2013م الموافق 11 محرم 1435هـ

خارطة «الحسين» العالمية

سعيد محمد saeed.mohd [at] alwasatnews.com

ما بعد العام 61 للهجرة (680 ميلادية) وحتى اليوم، أي على مدى 1333 سنة منذ استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في معركة (كربلاء صيانة الإسلام)، سعت العديد من الحكومات المتعاقبة لمحاربة أي ذكر لتلك الواقعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ليس حفاظاً على مشاعر المسلمين من وحشية الذبح الأموي، بل لطمس الذكرى ومنع تفاعل الناس معها.

لقد أدرك الأمويون، أن إعادة تفاصيل ما حدث في كربلاء، بعد واقعة الكرامة الإسلامية تلك، تحرّر الناس من سطوة الجور والظلم والاستبداد، بل كانت قبضة الدولة العباسية على إحياء ذكر واقعة الطف أشد من القبضة الأموية ودمويتها لا تقل عنها! انظر ما نقله التاريخ عن حميد بن قحطبة (159 هـ) وكان وزيراً لهارون الرشيد، والذي بأمر الأخير، قتل في يوم واحد 60 علوياً، ورمى بهم في بئر غوير، حتى أنه ما كان يصوم شهر رمضان المبارك، وحينما سأله عبدالله البزاز أعاد عليه ما اقترفته يداه، وأنه، كما هو حال أعوان الطغاة، يائسون من رحمة الله.

لقد بقيت واقعة الطف متأججة حاضرة متألقة في نفوس المسلمين طيلة 1333 سنة، وينبغي لنا أن نتساءل عما أحدثته نهضة الإمام الحسين (ع) من تغيير، ليس في حياة المسلمين فحسب، بل في حياة الإنسانية جمعاء. لقد أصبحت تلك النهضة، خارطة طريق عالمية، وعلى مدى مئات السنين، وحيث لم يكن لدى الناس ما لديهم اليوم من وسائل تواصل إعلامية ومعلوماتية هائلة، فعلت تلك الحكومات فعلها فحاولت عبثاً تغييب الواقعة، ربما نجحت إلى حد ما، باستخدام وعاظها ولاعقي أحذيتها وكلاب أهل الجور في التصدي للذكرى بل ولتشويهها في كتبهم الصفراء الساقطة. وها هي اليوم، تمسح بقوة كل المحاولات لتعود خارطة الحسين كونياً في عالم يستمع فيه الناس لبعضهم البعض لحظةً بلحظة، مهما تباعدت المسافات وتعدّدت الأزمنة.

في هذا السياق، ترى الباحثة فاطمة مطشر في تأريخها للمواكب الحسينية في عهود الطغيان، أنه «في القرن السابع للهجرة أصبح قراءة المقتل عادةً متبعةً للشيعة، وأول من منع القراءة يوم العاشر الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 640هـ (1223م) وهو أول منع علني من حاكم عباسي بعد انتشار المجالس حول صحن الإمامين الكاظمين (ع) في بغداد.

ويذكر ابن الجوزي (ج7 ص23) أن اللطم جرى في صحن الإمام الكاظم (ع) يوم العاشر في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهذا تاريخٌ آخر يوثق المواكب والعزاء، ورغم محاولات الأمويين والعباسيين لمنع زيارة قبر الحسين (ع)، وتشديد الإجراءات الظالمة وقتل وتهجير أصحاب المواكب، إلا إن تلك الزيارات لم تتوقف ولم تنقطع) انتهى الاقتباس.

كذا، من غير الممكن إطلاقاً أن تنجح كل محاولات الطمس والتغييب والتشويه، سواء تلك التي دعمها الأمويون والعباسيون وأحفادهم في الماضي، أو تلك التي تجري في الحاضر، ويمكن إرجاع ذلك الفشل الذريع إلى أن النهضة الحسينية هي حركة تجديد للدين الإسلامي، على أسس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كأول حركة صد قوية في وجه محاولات إعادة المسلمين إلى الجاهلية الأولى على يد الحاكم غير الشرعي يزيد بن معاوية. أضف إليها قائمة المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية والفكرية التي تهفو إليها كل شعوب العالم.

خارطة الحسين العالمية، تجاوزت تشويه المشوّهين وإرجاف المرجفين ومؤرخي الذهب الأموي والعباسي، الذين ذهبت أفعالهم الخسيسة سدىً وهباءً منثوراً، حتى ظهر من غير المسلمين من يمتلك أمانةً وضميراً لأن يقول كلمة حق لم يجرؤ على قولها من ملأت الدولتان الأموية والعباسية وحكومات الأحقاد ركابهم فضةً أو ذهباً. ولعل مقولتين في هذا الشأن تختصران وصف خارطة الحسين العالمية:

الأولى: ما ورد في كتابه «رحلة إلى العراق»، حيث قال الباحث الإنجليزي جون آشر: «إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي». والثانية ما جاء في كتاب «حضارة الإسلام» للمستشرق الأميركي غوستاف غرونيبا، وهو ألماني الأصل، بقوله: «الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك بقرون عديدة. إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى» (انتهى الاقتباس). وتوضيحاً، حتى لا تأتي المقارنات المجوفة تحت عنوان «أية شخصية مسلمة أخرى»، فإن الإشارة هنا تركز على الصورة المحزنة للمقتل.

لنتأمل كيف هي تلك الصورة المحزنة اليوم، تتوزّع على الكون بأسره مختصرةً عبارةً الإمام الشهيرة: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». فالسلام عليك يا أبا عبدالله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار.

إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"

العدد 4088 - الجمعة 15 نوفمبر 2013م الموافق 11 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:56 ص

      غوستاف يقول

      لو كان هناك اثنان من الشيعة في اي مكان من العالم لأقاموا عليه مأتما وانه وجد واحدا فقط في ايطاليا يقرأ الكتاب -المقتل- ويبكي ووضع مائدة للفقراء وعرفت انه بحريني ويرد سبب غزو الحسين -ع- للعالم لاتباع الحسين الذين ذابوا عشقا فيه

    • زائر 8 | 5:33 ص

      احسنت بارك الله فيك

      يعطيك العافيه كتبت فأبدعت جزاك الله كل خير السلام على الحسين و على علي ابن الحسين و على اولاد الحسين و على اصحاب الحسين و نريد ان نقول بأننا حسينيون حتى النخاع و إن الحسين مخلد

    • زائر 7 | 4:24 ص

      فهمت التاريخ يا أستاذ سعيد

      الفرق الزمني هو 1374 عاماً والتاريخ المكتوب في المقال هو 1333 سنة، وهذا يعني أن الحسبة كانت في العام 2003! لكن بطرح المجموعين يصبح الفارق حوالي 41 سنة، وأنا كما فهمت أستاذي بومحمد، أن العقود الأربعة الماضية، شهدت بالفعل، انتشاراً واضحاً وكبيراً لمباديء النهضة الحسينية في كل العالم خصوصاً بعد سقوط صدام في العام 2003.. هل فهمي صحيح أستاذي؟
      على كل حال، مأجورين ومثابين.. استفدنا كثيراً من المقال الرائع والله يعود الجميع.

    • زائر 4 | 3:42 ص

      الحقيقة لا تغطى بغربال

      لقد حاول الطغاة على مر العصور طمس ثورة الحسين ولكن الله أبقاها وقيض لها بشرا ذابو في حب الحسين يورثون حبه لأولادهم وهذا ما ابقى ثورة الحسين متألقة بل وتزداد ألقا عاما بعد عام .
      مقال اكثر من رائع .

    • زائر 3 | 3:04 ص

      أم علاء الكويتية

      السلام على الحسين وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه.. السلام على أولاد الحسين واصحاب الحسين وعلى أبي الفضل العباس عضيد الحسين وعلى زينب العقيلة وبنات الرسالة.. السلام على الفئة القليلة التي دافعت وضحت ورفعت راية لا إله إلا الله محمداً رسول الله.. قالت زيد للطاغية: كد كيدك واسع سعيك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا.. خارطة العالم الحسينية تحمل راية سيد الشهداء اليوم رغماً عن أحفاد يزيد اللعين.
      مأجورين: اختكم أم علاء - الكويت

    • زائر 2 | 3:01 ص

      اولاد عم

      الرجاء ان لا تنسوا ان الأمويون والعباسيين مع بني هاشم جميعهم اولاد عم مباشرة وخلافات هم هي علي السلطة والحكم

    • زائر 5 زائر 2 | 4:18 ص

      لا تكن من أحفاد يزيد تروح ملح دنيا وآخرة

      مع احترامي لك زائر 2.. لا تركن إلى الذين ظلموا.. وجهة نظرك هذه تطابق وجهة نظر أحفاد يزيد... كلمة الإمام الحسين عليه السلام واضحة :"إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".. يتفق على موقفه علماء الطائفتين فلا تضع نفسك في موقع خطأ يسجل في ميزان أعمالك انتبه جيداً... بلا ولاد عمومة بلا خرابيط أمام الدفاع عن دين الله من مجرم فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحترم.. لا تنسى أنه ضرب الكعبة بالمنجنيق واستباح مدينة الرسول "ص" ثلاثة أيام.. ..هل تتشرف به؟

    • زائر 1 | 12:58 ص

      أم مريم

      مقال جميييل .. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين

اقرأ ايضاً