العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ

حصاد عاشوراء... وماذا بعد؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ذكر الرحالة والمؤرخ الايطالي (بيترو ديلا فالي) في كتابه المشهور (The Travels of Pietro Della Valle in India)، مدوناً فيه جوانب عديدة من رحلته إلي الشرق الإسلامي، أنه زار إيران زمن الشاه عباس الأول الذي حكمها بين 1588-1629، ورافق الشاه في عدة مناسبات، فرآى في مناسبتي استشهاد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وفي محرم ما يلي: «تتجمهر المواكب (العزاء) حول الميدان الواقع قبالة القصر والمسجد الكبير، ثم تتفرّق بعد الدعاء، للشاه طبعاً، وكان وزير اصفهان وأمين الخزانة يتابع المشهد مع بعض فرسانه لمنع وقوع حوادث شغب بين المعزين أنفسهم على مداخل الشوارع المؤدّية للساحة، وهو أمرٌ يحدث كثيراً في مثل هذه المراسم ويحصد نفوس المشاركين، علماً أن الشاه عباس كان يستمتع بمشاهد العنف هذه آخذاً جانب إحدى الهيئات في الدفاع عنها، وبعد اندلاع الفتنة يختبئ هو ومرافقوه في أحد البيوت المجاورة ويبقى يتفرّج على المعركة من النوافذ».

وفي المقابل حجّ الإمام علي بن الحسين (ع) خمساً وعشرين حجةً على ناقته، وكانت ترافقه طوال تلك الفترة ولم يضربها قط بعصا أو سوط.

هذه الأمثلة وردت ضمن نقاش حول حصاد موسم عاشوراء هذا العام، بين صديقين أحدهما من العاصمة والآخر من إحدى القرى التي منعت ممارسة عادة ضرب الرأس بالآلات الحادة، فيما يسمى (التطبير)، بناء على فتوى المراجع العظام لما يسبب ذلك من توهين للعقيدة وللشعائر الحسينية ولنهضة الحسين الإنسانية والحضارية العالمية. وأضاف الصديق الثاني للصورتين السابقتين في كيفية التعاطي مع المُثل والقيم الحضارية أمام الإنسان والحيوان، بين بني البشر من الموالين، والأئمة الأطهار؛ مشهداً آخر بقوله: عندما اقترح أحد المتابعين لمواكب العزاء على أحد الأخوة المنظمين لحلقات ضرب الرأس، أن يحوّلوا موعد هذه الحلقات الدموية إلى فجر يوم العاشر حفاظاً على نفسية الأطفال والصبية من هول منظر الدماء، وأن ذلك لن يؤثر في إيمانهم بأنها من أجل الحسين (ع)؛ رفض المنظم ذلك بقوله: «عند الفجر معظم الناس نيام... من سيشاهدنا إذن في الشوارع»؟ فقال له: «وهل ممارستكم لهذا الأمر هو من أجل الحسين (ع) أم من أجل أن يشاهدكم الناس؟»، فتركه ولم يرد عليه.

فقال الصديق الأول: إذن أنت بأمثلتك هذه تردد نفس مقولات من هم ضدنا وتدعو إلى الحد من الشعائر الحسينية وتضعيفها؟ فردّ الصديق أنه يؤمن إيماناً قاطعاً بالمجالس الحسينية التنويرية، واللطم السلمي على الصدر بلا عنف ودماء، والدعاء، والمراثي، وتوسعة كافة الشعائر البعيدة عن العنف ضد الجسد وإسالة الدماء من الظهر أو الصدر أو الرأس. لأن الشعائر الحسينية الأصيلة هي من أهم أسباب بقاء حرارة قضية الحسين (ع). ماعدا هذه الممارسات التي تقومون بها، وبإصرار، لأنها دخيلةٌ على الشعائر الحسينية ولم تكن منها في الأصل، ولم يقل بها أئمة أهل البيت وهم أولى بالشعائر مني ومنك. وما الرواية المرسلة التي تعتمد عليها في ممارسة هذا الفعل بحجة أبداً. وإلا كنت كمن يقول بأن الحسين (ع) استشهد من أجل نيل الشفاعة، فصار شهيداً لكي يكون شفيعاً للأمة فقط! وبذلك أنتم تضربون رؤوسكم كي تثبتوا أنكم حسينيون وفي حزن على فاجعة كربلاء؟ مع أن الحزن يا أخي، ليس إلا ما يكابده القلب من لوعةٍ وأسى، وأنا لا أفهم كيف يكون التعبير عن الحزن الحُسيني بإسالة الدماء من الرأس؟ بل وأضفتم لها هذا العام المشي على الجمر، وأطلقتم عليها «شعيرة مقدسة»، وبإعلان وملصقات منشورة أيضاً.

وهنا تحدى الأول بأن يثبت له صدق ما يقول عن الممارسات الدموية بأنها دخيلة على الشعائر الحسينية وليست أصيلة، فأوجز الثاني ذلك بقوله: عزيزي... نحن نظلم المصطلح نفسه إذا قرّرنا بأن إسالة الدماء من الرأس والجسد بآلة حادة يسمى شعائر، فهذه لم تدخل على قضية الحسين (ع) إلا قبل بضع عشرات من السنين، والسبب في كل غلو دخل ديننا وعقيدتنا هو بعض الجماعات الآرية، والمغولية، والتركمانية من وسط آسيا. ذلك أن الشاه إسماعيل، مؤسس الدولة الصفوية في القرن السادس عشر للميلاد، أوجد وزارة جديدة في دولته اسمها «وزارة الشعائر الحسينية»، وقد سافر ذاك الوزير إلي أوروبا في مهمة، وهناك تعرّف على بعض الممارسات المسيحية الخاصة بتخليص النفس من الذنوب الدنيوية وتكفيراً لها ومنها إسالة الدماء بعنف من الجسد بآلات حادة.

فأُعجب الوزير بهذا التصوّر وفرح به وعلم بأنه سيُفرح الشاه ويقربه من أتباع أهل البيت فيكثر المريدون حوله. وجاء بتلك الممارسة الغريبة على ديننا الإسلامي الذي اعتنى بجسد الحيوان أيما اعتناء قبل جسد الإنسان. فتبناها الشاه، في بلد انتشرت فيه الأمية بشكل كبير آنذاك، ونشرها بين الناس وحرّض بشكل رسمي على تبنيها، بل وتوفير كافة الإمكانيات لها. فمتى تبنت السلطة مثل هذه الممارسات التي تلهي الشعب عن قضاياه الأصيلة والشعائر الحسينية الثورية حقاً وسمحت بممارساتها بعلانية برغم كمية العنف الجسدي التي بها والدماء، والأسلحة، من سيوف وآلات حادة؛ فاعلم أنها ليست على درب الثورة الحسينية الحقيقي التي طالبت بالإصلاح والقضاء على الفساد والظلم والطغيان في كل زمان ومكان؛ وإلا لما تبناها أمثال إسماعيل وعباس، وغيرهما، وروّجوا لها.

ثم لا ننسى عهد السيطرة البريطانية وتشجيعها لهذا الأمر من الهند إلى إيران إلى الخليج، لأن في ذلك إلهاءً مجانياً عن القضية الحسينية الثورية الأصيلة. والغريب أن يأتي من يدافع باستماتة، عن هذه الممارسات، تفوق دفاعه عن الحسين (ع) وأهداف ثورته الإنسانية النبيلة، وهو حتى لا يعلم لماذا يقول (حيدر) وهو يسير في موكب عزاء للحسين وليس لوالده الإمام الشهيد!

إن تقليد الدم هو عنوان السلطة المعادية للحراك الحسيني، وليس عنوان دعوة الحسين (ع) لتأسيس مجتمع السلم والأمن ونبذ العنف. وكما قال أحد المفكرين، إنها الثورة التي بدأها الحسينيّون بالحماسة وختمها أهل السلطة العسكرية بالفاجعة، فعنصر التراجيديا جاء معلولاً لخطيئة الأعداء.

ثم أن الحسين (ع) ضحّى بروحه ليُحيي الأمّة بدرس التحرير والعزة، فهل دروس التحرير والعزة تتمثل بضرب الرأس بآلة حادة وإسالة الدماء؟ وفي موت الممارسين لهذا السلوك، في الطرقات، وهم على هذه الحالة... وللحصاد بقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4091 - الإثنين 18 نوفمبر 2013م الموافق 14 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 2:41 م

      واصل جهادك يا دكتور

      تحية كبيرة للدكتور محمد،، وتحية لقلمه الفذ ،، واصل جهادك يا دكتور بالكلمة الصادقة والناقدة فكم نحن بحاجة لأمثال هذا القلم الذي يضع الأصبع على الجرح بلا أية مناورة

    • زائر 8 | 2:35 م

      لا يا استاذ .. نظرة قاصرة

      لا .. ادري لماذا المسرحيين من البحارنه .. ضد التطبير ؟
      هل هذا بسبب الرمانسية التي عاشوها في المسرح ؟
      إن الذي يشوه صورة الاسلام هو ذاك الذي يفجر نفسة ويقتل الابرياء
      اما من يـُسيل دمه لأجل قضية الحسين فهو صاحب قضية ورساله

    • زائر 7 | 3:09 ص

      كلام منطقي

      كلام منطقي أستاذ يا ريت يسمعون الكلام اهل التطبير المتعصبين لشان ضرب القابة وما شابه....

    • زائر 6 | 2:45 ص

      تدجين المصطلحات

      حتى الشعائر الحسينية صارت تصنف سلمية وعنيفة!!!
      الى اين ستاخذنا السياسة ، هذا التصنيف فراغ وافراغ..

    • زائر 5 | 2:44 ص

      لا لا والف لا

      من اين لك كل هذا ...........قال الامام الحجه(ع):(وسأبكى عليك بدل الدموع دما..)ما قيمة ادماء الجبهه والرأس امام ادماء العين لأمام معصوم وهو المعنى بهذا الشأن؟..ثم لو خرج الذين يحتجمون للعلاج فى الشوارع هل ستعترضون؟ والمعروف ان الحجامه سنه نبويه وافضلها فى الرأس وفى نفس موضع التطبير وتسمى بالمنقذه......وسنظل نضرب هاماتنا للوعة المصاب.ونرجو منك لاتقترب من ....... جل الفقهاء العظام حلال الا القله فراجع كتاب لماذا التطبير للمهتدى البحرانىز

    • زائر 4 | 1:43 ص

      والله مشكله

      ما ادري ليش هالعصبيه للتطبير ولا وبعد يغلطون ويهاجمون غيرهم حتى المراجع ما تسلم منهم قاتل الله الجهل.

    • زائر 2 | 11:59 م

      ويش لك يالحبيب

      خلك على مسرحك أحسن وتاريخ البرتغاليين، ويش لك يالحبيب بالتطبير وغيره.

اقرأ ايضاً