العدد 4133 - الإثنين 30 ديسمبر 2013م الموافق 26 صفر 1435هـ

العام 2013... ارحلْ يعني امشِ

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

نهاية كلّ سنة تتنافس الصحف العالمية على اختيار شخصيّة العام: الشخصيّة الأكثر تأثيراً كلّ في مجاله. ولعلّ مجال السياسة يبقى الأخطر والأهم والأشد تأثيرا. ولا يشذّ العام 2013 عن هذه القاعدة، فمنهم من رشّح فلاديمير بوتين من روسيا، ومنهم من قدّم شخصية الفريق السيسي من مصر، ومنهم من اعتبر بابا الفاتيكان شخصيّة مميّزة للعام 2013، نظراً لجهوده الحثيثة في مجال إحلال السلام ونشره، ولكن... كما ترون يختلف المحلّلون ويتساءلون لمن يُعطى هذا اللقب المجيد؟

بالنسبة إليّ نظرت في دول الربيع العربي وتدبّرتُ في أمر غيرها من الدول العربية التي تشهد منذ سنوات حروباً أو اضطرابات، مشرقاً ومغرباً، فلم أتردد في حسم الأمر بخصوص شخصية العام 2013، وجدتها شخصيّةً أذهلت العالم ودوّخته، قسّمته ووحّدته، طلبت ودّه وحاربته، غيّرت من آراء قادته رأساً على عقب، نعم، شخصيّة هذا العام، الذي يرحل غير مأسوف عليه، هو واحد أحد بلا منازع ولا ندّ، صديقنا اللدود «الإرهاب»!

الإرهاب شخصية العام 2013، صال وجال، مزّق الأوصال، وعجّل الآجال، وحش لا دين له ولا هويّة؛ يلبس لبوس الدين والدين منه براء، ويلبس لبوس الدولة والدولة منه في شقاء، كما قد يلبس لبوساً خفيّاً فكأنه شبح دون هويّة، أو لعلّه شيء من الدولة الموسومة بالعميقة.

هبت رياحه فانتشرت روائحها، وانتقلت آثاره فأتت على الأخضر واليابس، نالت من الساسة والعساكر والأبرياء... نعم هو ذا الإرهاب شخصية العام 2013، كونه الكلمة الأكثر تحبيراً في الصحف، وشفرته الأصعب على الحلّ عند الكلّ، هاجم ديارا لم يكن يفكر يوما في زيارتها، باغت أهل تونس الخضراء في شهري فبراير ويوليو وأصاب وجهين سياسيين وبعض الجنود، ليترك لوعةً في القلب وحيرةً في الفكر، كون هذا البلد، عادةً، محصّناً من الإرهاب، لكنه ها قد دقّ أبوابه عبر بوّابة الاغتيال السياسيّ وبقيت جولة الحسم في أمره مؤجلة للعام 2014.

وأمّا الحالة المصريّة فبليّة وألف بليّة، تحوّلات سياسية خطيرة تدخل معها أمّ الدنيا نفقاً مظلماً مع المنعرج الأخير في الشهر الأخير من العام 2013، مرحلة التفجيرات التي لا تميّز بين مسلم ومسيحي، إخوانيّ أو سيسيّ، مناضل شريف أو بلطجيّ. لهفي عليك يا أرض الكنانة يا مهد الحضارة، قد زارك الإرهاب بمسميات وتكتيكات لن يدفع ثمنها غالياً إلاّ أبرياؤك.

وأمّا الدراما السوريّة فقد شهدت فيها القوى المتصارعة كرّاً وفرّاً، والمتاجرون بها بيعاً وشراءً، والغلبة فيها للموت حيث اتسعت مساحة الدم وانتشرت رقعة الخراب دونما حلّ، والكل موعود بجنة الخلد أو حكم لا يبلى ولا ينحلّ، فيا لَهَفي على دمشق العزّ والشرف، وعلى المجد المعتلّ يا أسفي!

وأنت يا لبنان، يا جمال الحروف والحركات على أشجار الأرز تَقاطَرُ اليوم دموعاً، قد تقاتل فيك الإرهاب مع الإرهاب، وتناثرت أحلام شعرائك ونالت منك التفجيرات تلو التفجيرات حتّى غدوت، بعد أن كنت لؤلؤة الشرق، شيئاً من الماضي الجميل.

وأنت أيها العراق، يا دار السلام والوفاق، ضرب فيك الإرهاب كل مكان، اهتزّت له الأركان، وانشق منه البنيان، تمزّقتَ أشلاء وأشلاء، لم يسلم فيك الزائر ولا المقيم، لم ينج العدوّ ولا الحبيب، ما أنت اليوم أيها العراق إلاّ غصّةً في الحلق، دمعةً في العين، حسرةً في القلب، حيرةً في العقل الذي ما عاد يعقل فيك شيئاً.

وأنت يا سودان الشمال والجنوب، يا حسرةً على تقسيمك ساكنةً في القلوب، وأنت أيها اليمن السعيد هل فيك بعد رجل سعيد؟ وأنت يا ليبيا المختار يا أرض المجاهدين الأحرار، اختلط الحابل فيك بالنابل؛ فما عدت تعرف من المقتول ومن القاتل! من المظلوم ومن الظالم!

وفي مهبّ الريح ذهبت قضيتك يا فلسطينيّ، فأين منك التلاحم العربيّ؟ وأين منك شعارات كثيراً ما دوّت فدوّخت، ولعلعت وجلجلت، حتّى كاد منها قلب الصهيونيّ ينفطر، آه! يا فلسطينيّ انشغل الكل بشخصية العام بالإرهاب وانتشى العدوّ الصهيونيّ بفرقتنا وأذكى جذوتها حتى أخذ منّا الأرض والماء، وما ترك لنا إلاّ الشقاء.

دول الربيع العربي، والدول العربيّة في الشرق الأوسط لا تزال تعاني صعوبة الحسم مع الإرهاب حتى صار من شدّة ما عشش فينا صديقاً لكنّه لدود؛ الكل يكرهه، غير أنّ الكثيرين منّا وفينا يطلبون ودّه؛ كلاّ على شاكلته وبمقولاته وبمسميات تصل حدّ القداسة حيناً، ولكنها في الممارسة دناسة وأيّة دناسة. فأيّ شرع وأيّ دين يحلّ قتل الأبرياء بدم بارد، بين الناس تُفجّر أطنان القنابل فيموت الصغار والكبار، النساء والرجال، وتندثر الأحلام والآمال... ويبقى صديقنا اللدود الإرهاب.

يا صديقنا اللدود يا «الإرهاب» ضربتَ فقطعتَ، وانتشرتَ حتى أوغلتَ، وهذا عامك قد ولّى وأدبر فاذهبْ غير مأسوف عليك، ارحلْ يعني امشِ، ارحلْ فما لك بيننا محلّ ولا معقل.

يا صديقنا اللدود يا «الإرهاب» يا بطل العام 2013 اغرُب عن وجوهنا، فبئس الصديق أنت! سنستبدلك بالسلام منذ أول يوم في العام 2014. سندعو للسلام، للحياة، للمحبّة، لجنّة عرضها السماوات والأرض جنّة للسلام، يدخلها من لا يدوس على دماء الأبرياء.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4133 - الإثنين 30 ديسمبر 2013م الموافق 26 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:16 ص

      قل يا رب

      يا صديقنا اللدود يا «الإرهاب» يا بطل العام 2013 اغرُب عن وجوهنا، فبئس الصديق أنت! سنستبدلك بالسلام منذ أول يوم في العام 2014. سندعو للسلام، للحياة، للمحبّة، لجنّة عرضها السماوات والأرض جنّة للسلام، يدخلها من لا يدوس على دماء الأبرياء.

    • زائر 6 | 3:19 ص

      كل عام وصاحب المقال بخير

      ونشكرك على مقالاتك الجيدة والجميلة وعلى دفاعك العظيم من أجل السلام

    • زائر 3 | 1:10 ص

      حلم السلام..

      السلام افتقده من عام 2011 انتظره بفارغ الصبر ادفع عمري لكي ألاقيه ساعة قبل منيتي ..إلى متى و نحن في هذا الظلم و العيش في هذه ....... 2014 سنة سلام ان شاء الله على كل دول المسلمين

    • زائر 2 | 12:22 ص

      فعلا كان عاما صعبا

      الله لا يعيده على العالم العربي

    • زائر 1 | 11:44 م

      يا سلام

      مشاعر وتحاليل صادقة شكرا على المقال

اقرأ ايضاً