العدد 4163 - الأربعاء 29 يناير 2014م الموافق 28 ربيع الاول 1435هـ

دستور تونس الجديد... خطوة تأسيسيّة نحو حياة سياسيّة ديمقراطية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

ليست صياغة الدستور، اليوم وفي تونس، بالأمر الجديد على هذا البلد، فقد كانت تونس سبّاقةً في تقاليد سنّ الدساتير في العالم العربي من خلال عهد الأمان 1857 الذي أصدره محمد باي؛ ثم دستور 1861 الذي أصدره محمد صادق باي؛ وإثر الاستقلال جاء دستور يونيو 1959 الذي تمّ تعليق العمل به في2011. لكن ما هي أهمّ المحطات التي مرّ بها دستور يناير/ كانون الثاني 2014؟ وبم تميّز؟ وما قيمة هذا الإنجاز؟ وما حدود التفاؤل به؟

حين فرّ بن علي إلى المملكة العربية السعودية، ظنّ البعض أن البلاد مفتوحة، دستورياً، أمام المجهول، حيث لا عهد لتونس بمثل هذه الثورة وهذا الفرار، وبدا الاضطراب واضحاً، ولكن بفضل العمل بأحكام الدستور، تجاوز الساسة المشكلة وترأس آنذاك رئيس مجلس النواب البلاد إلى حين.

لكنّ نخبة من السياسيين والجماهير التي لايزال يغمرها الحماس، استشعرت خطورة الوضع الدستوري والتشريعي للبلاد، فكان اعتصام القصبة الذي طالب فيه المتظاهرون بانتخاب مجلس تأسيسيّ لوضع دستور جديد للبلاد، وهو ما تحقّق فعلاً ولو بعد حين.

وقد عرف دستور يناير 2014 محطّات مهمّة؛ إذ امتدّ عمل النواب عليه لأكثر من سنتين، حيث انطلق إعداده مطلع يناير 2012، ليختم في صيغة نهائية في 1 يونيو/ حزيران 2013. وعند عرضه برزت عديد التحفظات والانتقادات من قبل المجتمع المدني والملاحظين والخبراء القانونيين والنواب أنفسهم، وهو ما تطلّب تكوين لجنة توافقات أولى داخل المجلس (22 يونيو 2013)، وثانية بالتعاون مع رباعي الحوار الوطني (25 ديسمبر/ كانون الأول 2013) لمناقشة النقاط الخلافية وتغليب منطق التوافق، إلى أن تمّ يوم الأحد (26 يناير 2014) التصويت لفائدة الدستور الجديد بأغلبيةٍ ساحقة.

في الأثناء عاش الشعب على إيقاع إحساس جديد ملؤه الإعجاب والاستحسان خصوصاً أنه شعر فعلاً، من خلال ممثّليه في المجلس أو من خلال الجمعيات المدنية، أنّه يكتب دستور بلاده بيديه، ويناقشه ويتمثّله ويستبطنه، لكن مع احتداد الأزمة السياسية في 2013 وخصوصاً مع اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وتصاعد مظاهر الإرهاب، أحسّ معظم أفراد الشعب أن هذا الدستور كلّف غالياً من الأرواح والوقت، وطالب الجميع بإسراع الخطى نحو إنهاء الفترة الانتقالية وإرساء المؤسسات الدائمة.

وقد مثّلت صياغة الدستور والمصادقة عليه إنجازاً، ليس على المستوى الوطني بل على المستويين العربي والعالمي؛ فعلى المستوى الوطني هذا الدستور الجديد وبشهادة الخبراء هو الأطول من حيث عدد الفصول والأكثر دقةً وإلماماً بكل التفاصيل، في دساتير تونس بالطبع، وذلك لتفادي كل الإشكاليات أمام تطبيقه ولقطع الطريق أمام كلّ نوايا المسّ به أو التلاعب بمقتضياته أو تأويله لصالح طرف ما. وهو بذلك يمثل شهادةً جديدةً على القدرة على التوافق -دون تدخل شخصيات دولية أو هيئات أممية كما هو مألوف في الصراعات السياسية في العالم الثالث- رغم الاختلاف العميق بين مكونات الطبقة السياسية التونسية، التي برهنت بجميع أطيافها أن نجاح التجربة التونسية في الانتقال الديمقراطي أهم بكثيرٍ من مكاسب الأحزاب؛ إذْ أنّ هذه الخطوة تمثّل انتصاراً للحكومة المستقيلة والمعارضة والمؤسسات المدنية وعامة الشعب.

وأما عربياً وعالمياً فقد شهد القاصي والداني بروعة هذه التجربة التونسية التي فنّدت المصادرة التي يروّج لها أعداؤنا من أن العرب ليسوا أهلاً للديمقراطية، وأنهم ليسوا، بعدُ، أهلاً لها. لكنّ ميلاد الدستور الجديد في تونس جاء رداً عملياً واقعياً على بطلان رأيهم.

ولئن كانت هذه الخطوة عملاقةً في بناء المؤسسات بشكل ديمقراطي تشاركي توافقي، فإنّ أمام تونس تحديات تنوء بها الدول العريقة في الديمقراطية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: مدى التزام الحكومة الجديدة -التي نالت هذا الأربعاء 29 يناير ثقة المجلس التأسيسي- بأحكام الدستور الذي سوف يبدأ العمل به، ومدى احترامها لبنود خارطة الطريق التي أمضى عليها الفرقاء السياسيون. كما سيكون أمام المعارضة والأحزاب التي كانت في السلطة مسئولية المتابعة والمساءلة لهذه الحكومة على ضوء أحكام الدستور والتحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة. إضافةً إلى ذلك سيكون التحدي كبيراً أمام الشعب والجمعيات المدنية لتمتحن مدى استبطانها لهذا الدستور وكيف سيتجلى العمل به على أرض الواقع خصوصاً بما يتضمنه من حريات في الفكر والتعبير.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4163 - الأربعاء 29 يناير 2014م الموافق 28 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:09 ص

      دستور تونس الجديد

      مفخرة لتونس والعرب والعالم الحر

    • زائر 2 | 2:28 ص

      دستور تونس الجديد... خطوة تأسيسيّة نحو حياة سياسيّة ديمقراطية

      بالتوفيقلتونس وأهل تونس

    • زائر 1 | 3:57 م

      مبروك لتونس

      وأما عربياً وعالمياً فقد شهد القاصي والداني بروعة هذه التجربة التونسية التي فنّدت المصادرة التي يروّج لها أعداؤنا من أن العرب ليسوا أهلاً للديمقراطية، وأنهم ليسوا، بعدُ، أهلاً لها. لكنّ ميلاد الدستور الجديد في تونس جاء رداً عملياً واقعياً على بطلان رأيهم.

اقرأ ايضاً