العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ

التعلّم والعيش معاً... أيّة علاقة ممكنة؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

 

تتضافر الحجج يوماً بعد يوم، لتؤكّد العلاقة المتينة بين التعلم المدرسيّ وقيمة العيش المشترك أو العيش معاً، حتى أن تقرير جاك ديلور الشهير والمعروف باسم «التعلم ذلك الكنز المكنون» والصادر عن اليونسكو سنة 1996، جعل التعلم من أجل العيش معاً، أحد أربعة أعمدة يقوم عليها التعلم: وهي التعلم من أجل أن تكون، التعلم من أجل أن تعرف، التعلم من أجل أن تفعل، إضافةً إلى التعلم من أجل العيش المشترك. فما أبرز دواعي هذا الطرح اليوم؟ وأية علاقة ممكنة بين التعلم وقيمة العيش المشترك؟

لعل حقيقة كونية لا يرقى إليها الشك اليوم تجدر أن تكون مدخلا لاستعراض أبرز أسباب طرح علاقة التعلم بقيمة العيش معاً؛ هذه الحقيقة تؤكد أن العالم لم يكن يوماً على قدر من التقارب والتواصل كما هو عليه اليوم، وأن المجتمعات لم تكن على قدرٍ من التنوع والاختلاف كما هي عليه اليوم. بل إنّ المجتمع الواحد، مهما صغُر، لم تبرز اختلافاته ولم تظهر تنويعاته كما برزت وظهرت في أيامنا هذه.

والتنوع فضلاً عن كونه ظاهرةً طبيعيةً وثقافية، هو ظاهرةٌ صحيةٌ تنبئ بالحركة داخل المجتمعات، غير أن بعض الفئات داخل هذا التنوع، وخصوصاً منه الثقافي ولاسيما في مظهره الديني أو الإثني، ترفض هذا التنوع وتمقت الاختلاف حتّى لَيَصِلُ بها الأمر إلى محاولة إقصاء الآخر وطمسه بشكل أو بآخر.

ولعل إطلالة على عالمنا العربي، وخصوصاً بعد 2011، واختيار هذا التاريخ ليس اعتباطياً، تكشف لنا صعوبة العيش المشترك في أكثر من قُطر عربي، وهو ما استدعى في أحيان كثيرة منطق القوة بدل الحوار لإقصاء الآخر المختلف. وليست الظاهرة عربيةً فحسب، أو حكراً على الدول التي مرّت مؤخراً بثورات أو انتفاضات كشفت الغطاء عن نسيج مجتمعي هشّ، وإنّما الظاهرة عالمية؛ فخلال حلقة نقاش بعنوان «التعليم في عالم متغير»، جمعت الخبراء وصناع القرار، قالت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا: «إنّ المجتمعات في جميع أنحاء العالم تواجه ضغوطات حادة تتمثل في المشكلات الاقتصادية وأوجه اللامساواة المتنامية، والتنوّع والتطرّف المتزايدين. وتفرض معالجة هذه التحديات اعتماد مقاربة جديدة لمعنى التقدّم. وتتطلب رؤية واضحة لنوع المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه وللتعليم الذي نحتاج إلى أن نستند إليه. وسياسة التعليم هي السياسة الطويلة الأجل الأنجع على هذا المستوى– لذا نحتاج إلى أن نكون أصحاب رؤية في هذا المجال».

وقد جاء ذلك في افتتاح حلقة نقاش عامة شاركت اليونسكو في تنظيمها في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خلال مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم في الدوحة، وأضافت المديرة العامة لليونسكو «أننا بحاجةٍ إلى إعادة النظر في المبادئ الأساسية للتعليم من أجل المستقبل– لتعزيز حقوق الإنسان، وتعميق الاحترام والتفاهم المتبادلين، وتلبية احتياجات عالم متغيّر».

إذاً هو عالم متغير، للتعليم والتعلم فيه دور عظيم لتدارك ما يُتَداوَلُ من ثقافات سلبية وممارسات وتصرفات غير مقبولة في المجتمعات المتعددة المتحركة المختلفة. وهي تصرفاتٌ تعكس ضعف الوعي لدى البعض حول مفهوم التعايش والتربية والحوار والتواصل والتعامل مع قضايا التنوع الثقافي. وفي هذا السياق يقول د.رجب بن علي العويسي: «لذا كان من المهم أن تعمل مؤسسات التعليم على ترسيخ هذا الفكر وتأصيل هذه القناعة وتربية النشء على قبول الاختلاف والتعايش مع الآخر.»

وهكذا يبدو للتعلم الدور الأبرز في غرس قيم العيش المشترك، ومن ثمّة تكون العلاقة سببيةً بين التعلم والعيش معاً؛ فالأول وسيلة لتحقيق الثاني، لذلك من الضروري العمل على حسن انتقاء المحتوى التعليمي والوسائل التنشيطية والبيئة الصفية والمدرسية المناسبة كي يحقق التعلم واحداً من أهم أهدافه، ويغرس قيمة كونية هي العيش المشترك على الرغم من الاختلاف الذي ما فتئت رقعته تتسع، وآثاره تنعكس على المجتمعات بما يمكن أن ينطوي عليه من أحقاد دفينة قد تُحمّل الأجيال اللاحقة أوزار الأجيال السابقة.

ومن أجل تفادي صور التطاحن الاجتماعي، لابد أن يتحمل التعليم ومن ورائه القائمون عليه في كل مناطق العالم، ولاسيما في العالم العربي، المسئولية في ترسيخ قيم العيش المشترك، على أن لا يكون ذلك في شكل شعارات ومحتويات تعليمية نظرية تنتهي بانتهاء الدرس، وفي أحسن الأحوال بتقديم الامتحان الصفي، وإنما تكون قيمة العيش المشترك كفاية جوهرية يكتسبها المتعلّم في مواقف تعلم أصيلة حقيقية في الفضاء المدرسي، لتمكّنه من مواجهة مواقف مشابهة في المجتمع، وتكون كذلك كفاية مفتاحية يتمكن من خلالها من فتح أبواب القرن الحادي والعشرين... قرن التعدد والاختلاف والتنوّع بامتياز.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4168 - الإثنين 03 فبراير 2014م الموافق 03 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:57 ص

      هلا

    • زائر 4 | 6:15 ص

      التعلّم والعيش معاً... أيّة علاقة ممكنة؟

      علاقة قوية فالتعلم أداة لتعليم الناشئة قواعد العيش المشترك

    • زائر 3 | 3:50 ص

      الحاجة ملحة

      ودر التعليم كبير في تحقيق مبادئ العيش المشترك

    • زائر 2 | 1:56 ص

      نرجو ذلك

      وإنما تكون قيمة العيش المشترك كفاية جوهرية يكتسبها المتعلّم في مواقف تعلم أصيلة حقيقية في الفضاء المدرسي، لتمكّنه من مواجهة مواقف مشابهة في المجتمع، وتكون كذلك كفاية مفتاحية يتمكن من خلالها من فتح أبواب القرن الحادي والعشرين... قرن التعدد والاختلاف والتنوّع بامتياز.

    • زائر 1 | 11:23 م

      بارك الله فيك فمن هذا نعاني

      والتنوع فضلاً عن كونه ظاهرةً طبيعيةً وثقافية، هو ظاهرةٌ صحيةٌ تنبئ بالحركة داخل المجتمعات، غير أن بعض الفئات داخل هذا التنوع، وخصوصاً منه الثقافي ولاسيما في مظهره الديني أو الإثني، ترفض هذا التنوع وتمقت الاختلاف حتّى لَيَصِلُ بها الأمر إلى محاولة إقصاء الآخر وطمسه بشكل أو بآخر.

اقرأ ايضاً