العدد 4178 - الخميس 13 فبراير 2014م الموافق 13 ربيع الثاني 1435هـ

العرب... ثورات وعنف وحركات تغيير

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

رغم مرور ثلاثة أعوام ونيف على الثورات العربية، يتساءل الكثيرون عن طبيعة النتائج وما آل إليه الوضع منذ العام ۲۰۱۱ حتى الآن. فقد احتل شبان عرب من دول عربية عدة، سلسلةً من الميادين العربية امتدت من تونس ومصر إلى البحرين واليمن وسورية وليبيا والمغرب.

كانت تلك بداية إعلان جيل جديد دخوله على خط السياسة والتغيير. لكن نظراً لفقر الممارسة السياسية بسبب الموانع والقوانين والاحتكار الرسمي على مدى عقود، جاءت المشاركة على شكل ثورات وانتفاضات ذات طابع عفوي مفاجئ٬ وهذا كشف بدوره عن الممارسات القمعية ضد المتظاهرين وأوضح أمام المواطن العربي مدى عمق الفساد والإستئثار في النظام العربي.
لقد فتحت الثورات الباب أمام الأجيال الجديدة والمهمشة، وأوضحت مدى توق العرب للتغيير بعد طول جمود. وبينما يشعر الكثير من العرب وخصوصاً في صفوف نخب متنوعة٬ بخيبات أمل من جراء ثورات العالم العربي٬ إلا أن الثورات لم تكن سوى بداية شائكة في طريق طويل ومتعرج الهدف منه السعي لبناء عالم عربي أكثر حريةً وحرصاً على تنمية نفسه بنفسه، في ظلّ قيمٍ للعدالة والتعامل الإنساني تجاه كل مواطن.
وعبر الثورات وميادينها، اتضح مدى عمق الألم العربي٬ واتضحت دموية أنظمة كالسوري والليبي، مما دفع بالثورة السورية والليبية إلى العنف المسلح. واتضح في الوقت نفسه أن لدى الشعوب حلماً (مهما بدا بعيداً) يحرّكها ويمدها بالطاقة والقدرة على التحمل.
لكن الشعوب الثائرة والأجيال الشابة لم تكن في وضع يؤهلها لاستلام سلطة بعد ثورة٬ فقد تفجرت الثورات عندما وصلت الشعوب إلى لحظة غضب لا تؤجل، ممزوجةً بلحظة تفاؤل وحلم بمستقبل أفضل. لهذا شكلت الثورات بداية لوضع جديد.
هذا الدخول المفاجئ والسريع إلى عالم الممارسة السياسية لجماعات وأجيال وقوى وفئات من كل أطراف المجتمع مثل أكبر ثورة في الواقع العربي، وهو بطبيعة الحال أرعب الكثير من النخب المسيطرة، وأخاف العديد من الأقليات٬ كما أنه فتح
الباب واسعاً لأخطاء وسلوكيات وممارسات على أيدي القوى الجديدة، سيمثّل نقدها جزءاً من حالة إنضاج الممارسة السياسية لفئات شعبية لم يسبق لها أن شاركت في عمل سياسي. لقد مثلت الثورات أجرأ محاولة شعبية عربية للتعبير عن الحاجات والمطالب الشعبية والفردية التي لم تنجح الأنظمة العربية٬ المنشغلة بتعظيم نفوذها وسلطتها، في التعامل معها.
وفي كل ما وقع وحلّ بمنطقتنا لن نعود إلى النظام العربي القديم. لقد سقط هذا النظام في أماكن واهتز في أماكن، وتناقض في أماكن أخرى، بفعل ثورات الشعوب. كما أن فهمنا كعرب، لدور الدولة ودور النظام السياسي ومكانة الحرية، هو الآخر يتغيّر كل يوم، فمن الخضوع لدولة منحازة غير مساءلة تميّز بين مواطنيها، إلى البحث عن نظام سياسي عادل ودولة مؤسسات تقع المسافة بين الثورات والمستقبل. فلا سورية ولا مصر ولا أي من الدول العربية الأخرى ستستطيع العودة إلى واقع ما قبل 2011. فكل محاولة بهذا الإتجاه لن تعدو أكثر من أن تكون سعياً للتأجيل وشراء الوقت.
إن التحدي الأكبر أمام العرب يمكث في المستقبل وحساباته ومصاعبه في ظل التعامل مع قوى جديدة نشأت من رحم الواقع العربي. يجب أن يكون الهدف الأساسي والشغل الشاغل للأنظمة وللنخب، إشراك هذه القوى والتشارك معها على قاعدة سياسية أكثر انفتاحاً واستيعاباً في ظل عدالة واضحة وحرية مضمونة.
إن النخبوية العربية والنظام الفردي الديكتاتوري بدأ يسقط مع الثورات٬ وهو حتماً مصابٌ بشيخوخة مزمنة٬ لهذا يسقط على مراحل عبر الإصلاح الطوعي (كما بدأ يقع في المغرب عبر إصلاحات الملك وحركة المجتمع)، أو عبر الثورات في كل أطراف وأجزاء الوطن العربي.
إن الوعي يتغيّر، والمعرفة تتغيّر٬ وما عدم قراءة هذا الواقع بدقة إلا تمهيداً لانهيارات في أماكن لم تصلها الثورات. نحن فعلاً نعيش خياراً قاسياً بين خوف النخب القديمة من جهة، وبين استحقاقات الإصلاح التدريجي من جهة أخرى، لكننا نعيش أيضاً في ظل تناقض أصعب منه: فشل الإصلاح أو السير في طريقه لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من الانهيارات السياسية العربية.
لقد أراد عربي الميادين من الأجيال الشابة أن يكون وطنه العربي مكاناً للبقاء، ومكاناً للبناء، لا مكاناً للهجرة. ففي الكثير من البلدان العربية يتحوّل كل شاب وشابة، وكل مواطن، إلى مشروع هجرة هرباً من التمييز الرسمي والقانوني الذي يعشش في الواقع العربي٬ وهرباً من سيطرة نخب مغلقة تحتكر الإقتصاد والسياسة، وتمنع تكافؤ الفرص ولا تتواصل إلا مع من يشبهها.
لكن العربي الجديد أراد لنفسه الحرية ليكون مثل كل مواطن في مجتمعات العالم٬ أراد أن يعبّر عن رأيه بحرية من دون أن يؤدي تعبيره إلى التعسف والفصل والتعذيب. ولو حصل وتظاهر وأثر على مجرى الحياة في بلاده٬ أراد من بلاده ومؤسسات الدولة أن تراجع نفسها وتعيد النظر في سياساتها قبل أن تنزل به العقوبات التي تعمق الجروح.
أراد المواطن العربي الذي احتل الميادين أن تنحاز بلاده إلى الحرية، وإلى حقّه في تغيير حكومته بصفتها حقاً طبيعياً وطريقة في إيصال الأفكار ونقد الأخطاء ومواجهة الظلم. أليست الحرية هي الضمان الأهم لمنع الظلم وللحد من التطرف؟
لقد نجح العربي الجديد في هزّ النظام العربي الذي همّشه٬ وهذا ساهم في بناء الأرضية لمواجهةٍ بين مبادئ الحرية ومبادئ الديكتاتورية٬ كما ساهم في بدء صراع مكشوف بين الماضي والمستقبل، نرى صوره في سورية، وفي مصر، وفي أرجاء المنطقة العربية.
إنه صراع الإصلاح أو الثورة٬ وصراع الجيش أو الحكم المدني٬ والصراع على مكانة مدنية الدولة نسبة لإسلاميتها (تونس وغيرها)، وصراع الحرية والعدالة والحقوق، وحق تغيير النظام السياسي والإحتجاج مقابل الاستعباد والمصادرة... أصبحت قضايا يناقشها الشعب ويتحرك من خلالها جيل الشباب.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4178 - الخميس 13 فبراير 2014م الموافق 13 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:37 ص

      رب ارجعوني.........................................

      بالأمس نسبتم وزعمتم وادعيتم زورا وبهتانا وظلما أن ثورتنا ذات صبغة طائفية،فاصطنعتم واجتررتم دموع الأسف،وصرتم نظاميين عكس النظام الذي انتفض ضد أوباما في وصف الحراك بالطائفية،واليوم تسوقون لاسم البحرين وشعبها المنتفض ضد الديكتاتورية في سطور متموجة حسب الرياح.

    • زائر 1 | 5:18 ص

      فوضى الربيع العربي

      لم تجن الدول التي مرت بهذه الهبات غير الخراب والدمار والتفكك . وكشفت عن اسوا ما في شعوبها .كثير من النشطاء الذين دعوا للثورات مستغلين سوء اوضاع مواطنيهم ، الاقتصادية بالاساس ،كانوا عملاء تم تدريبهم وتمويلهم من الخارج - راجع التسجيلات المسربة لبعض النشطاء المصريين - والتي بينت عمالتهم لجهات خارجية .لم ينكروا التسجيلات بل تزمروا من انتهاك "الخصوصية" . "صدج مايستحون ! " ا

اقرأ ايضاً