العدد 4183 - الثلثاء 18 فبراير 2014م الموافق 18 ربيع الثاني 1435هـ

تآكل الحلول الوسطى

محمود الجزيري Mahmood.Ridha [at] alwasatnews.com

.

تولّدت لدى الشعوب العربية وخصوصاً التي عاشت أو لاتزال تعيش مخاض الثورات وحركات التغيير، قناعة بعبثية الحديث عن أنصاف الحلول لتغيير بنية الأنظمة السياسية في بلدانهم، حيث يعتقد الكثيرون بأن طرح أنصاف التسويات ما هي إلا خدع تهدف إلى تقطيع الوقت ورفع الضغط عن السلطات الحاكمة، وبالتالي منحها فرصاً جديدة لالتقاط النفس.

هذه القناعة تبدو لدى الكثيرين منطقيةً ومعقولةً جداً، وقليلٌ من التأمل كفيلٌ بتبريرها وإسنادها في ضمير الشارع العربي.

أولاً: من الناحية المبدئية؛ فإن حق الشعوب العربية في السيادة الكاملة على قرارها وتسيير حياتها، وإدارة شئونها، كسائر شعوب الدول الأخرى، أمرٌ بديهيٌ لا يمكن نكرانه، ومُثبتٌ في نصوص الدساتير العربية والمواثيق الدولية. ومن هنا يكون الحديث عن تخلي الشعوب عن حقوقها في الحكم لصالح النخب التي حكمتها بسلطة القهر دون شرعية شعبية تحت غطاء «الحلول الوسطى»، أشبه ما يكون بشخص تعرّض للسرقة ثم يُطلب منه التنازل عن نصف المبلغ للسارق من أجل تسوية الموضوع وإنهائه بشكل وسطي.

ثانياً: إن حجم القمع الذي واجهت به السلطات العربية ثورات الربيع العربي وما رافقه من مشاهد الدماء والسحل والانتهاكات الفظيعة، قطع خيوط العودة بين الأنظمة وشعوبها، وحجّم كثيراً من فعالية الحلول التوافقية في إعادة رسم المشهد السياسي العربي، حيث اتجهت المسألة إلى حال المفاصلة التي يبدو معها مشهد طرفٍ يلغي الطرف الآخر إلى الأبد.

ثالثاً: من الناحية التاريخية، فإن الأحزاب أو الجهات السياسية العربية التي قبلت الدخول في العمليات السياسية «الناقصة» القائمة في بلدانها لمحاولة «الإصلاح من الداخل»، لم تستطع أن تحرز أية نتيجة جوهرية تُذكر يمكن أن تشفع لها أمام جماهيرها، لأن السلطات العربية وللأسف الشديد لم تتعاطَ مع هذه المبادرات بإيجابية لتثبيت أمل الناس في جدوى التجربة، بل وجدتها نشوة انتصار لجرّ المعارضة والقوى المناوئة إلى ملعب السلطة، وفرصةً للتسويق الإعلامي لمشاريع سياسية «ناقصة»، وأقدمت (أي السلطات) على إخصاء التجارب عوضاً عن إنعاشها. وبالتالي أصبحت المؤسسات التشريعية الموجودة في بلداننا العربية واحدةً من أكثر عوامل ترسيخ الإحباط الشعبي وتكريس فكرة القيام والثورة في عقول قطاعات عريضة من الشباب من أبناء الجيل الجديد.

لقد تآكلت كثيراً فعالية الحلول الوسطى في عالمنا العربي، لأنها غير مضمونة من ناحية قابليتها للاستمرار. وإلا فإن قليلاً من إفساح المجال للشعوب في المشاركة السياسية وصياغة مستقبل الدولة، وتمثيلهم في الإعلام بما يعبّر عن وجهات نظرهم الحقيقية، وإنعاش التجارب البرلمانية، وإطلاق حرية الأحزاب السياسية، وتليين الجانب مع المعارضة، وتحسين الوضع الاقتصادي للناس، كل ذلك كان كفيلاً بتجنيب الدول العربية تلك الهزات القوية التي أصابت أنظمة زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي، وأدت إلى ذلك التغيير العنيف.

إقرأ أيضا لـ "محمود الجزيري"

العدد 4183 - الثلثاء 18 فبراير 2014م الموافق 18 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:54 ص

      تقديم رائع ينطبق على بلدنا أيضا

      العزيز الكاتب الجديد، لقد شخصت السبب الذي يستدعي تواصل الحراك في دول المنطقة و من ضمنها البحرين، فأنصاف الحلول غير قابلة للاستمرار. إلى المزيد مع قلمك اليافع الجديد، و نشكر جريدة الوسط على إتاحة الفرص لأقلامنا الشابة و الدماء الجديدة في الصحيفة المحترمة!
      أبو حوراء

اقرأ ايضاً