العدد 4196 - الإثنين 03 مارس 2014م الموافق 02 جمادى الأولى 1435هـ

من تونس... «التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية»

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

«لم ترقَ المنطقة العربية إلى حلم الوحدة الاقتصادية العربية الذي انكمش إلى مجرد تعاون ظل يتراجع حتى حُوصر في نطاق تيسير التبادل التجاري بين اقتصادات لا تنتج الكثير. بينما بقيت العراقيل تعترض مسيرة إنشاء سوق عمل عربية واحدة، وتحول دون تنفيذ الاتفاقات القائمة بين الدول العربية»، ذلك أبرز ما رشح عن التقرير الذي أعدّته لجنة الأمم المتّحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب يآسيا (الإسكوا) بخصوص التعاون العربي عبر نصف قرن من الزمن. وقد حمل التقرير عنوان «التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية». كان ذلك خلال الأسبوع الماضي، حين احتضنت تونس إطلاق استراتيجية تفعيل التعاون العربي للوصول إلى تكامل اقتصادي واجتماعي حقيقي بينها وذلك بمبادرة من لجنة الأمم المتّحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، التي اعتبرت في التقرير ذاته أن «القهر والاستباحة الخارجية والتعثر التنموي» في نظر فريق التقرير، «أهم سمات الواقع الراهن الذي هو وليد عقود من التشرذم والإخفاق في نهج التنمية السياسية والاقتصادية». لذا دعا إلى «مسار بديل تكون بدايته في إحياء فكرة التكامل بين الدول العربية، الذي يشكل هدفاً ووسيلة». فما دلالات انعقاد هذا الملتقى في تونس؟ وما أبرز التحديات التي تحول دون تحقيق التكامل العربي اقتصادياً واجتماعياً؟

لا يخفى على المتابع التحسّن الملحوظ على الساحة التونسية، ما جعل الدول والمنظمات تستثمر مناخ الديمقراطية الوليدة هناك لتعقد الشركات خصوصاً مع الحكومة التونسية الجديدة، وتطلق المبادرات. وها هي الأمم المتحدة ممثلة في لجنتها الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» تستثمر هذا المناخ لتطلق من تونس، خلال ملتقى دولي، مبادرة التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية، بمشاركة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي، والأمينة التنفيذية لـ «إسكوا» وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة ريما خلف.

ورأت خلف أن تونس «أضحت الأغنى عربياً بإنجازها الديمقراطي، وبدستورها الذي تقدم على كل ما سواه في حماية الحريات والحقوق وصون الكرامة الإنسانية». واعتبرت أن قوى الثورة التونسية «كانت أكثر وعياً وأوسع حيلةً، فمنعت أعداء التقدم من استلاب ثورتها وحصّنت الوطن من العودة إلى الاستبداد، والمجتمع من الانزلاق إلى العنف». ولاحظت أن الإنجاز التونسي «لم يتأتَ عن دعم من المانحين أو من العالم الخارجي، بل ربما تحقق بسبب غيابه».

لكن هل قدرنا أن ننتظر الأمم المتحدة حتى تذكرنا بضرورة التعاون الاقتصادي والاجتماعي؟ ألم يكن من الأحرى بنا أن نبادر عبر هياكل جامعة الدول العربية إلى هكذا مبادرات؟ أولسنا أدرى بحاجاتنا أم سنبقى عالةً على غيرنا حتى يذكرونا بأهمية التعاون العربي اقتصادياً واجتماعياً؟

لقد عرضت ريما خلف في كلمتها خلال الملتقى الصورة الحالية للأداء العربي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهو «لم يكن أفضل حالاً، إلا إذا كان مقياسَنا بناءُ البروج الزجاجية الخلابة أو استهلاك المعارف والطيبات التي ينتجها الآخرون». و»لا يَخفى على أحد ما خلفه القصور التنموي من هشاشة اقتصادية وبطالة وفقر وظلم إنساني». وقالت خلف «على رغم مظاهر الثراء الفاحش، اتسعت دوائر الفقر حتى أسرت خُمس العرب، والبطالة ما فتئت ترتفع حتى بات ربع شبابِ العالم العربي اليوم وخُمسُ نسائه، محرومين من عملٍ يوفر لهم عيشاً لائقاً». فيما «ينتشر سوء التغذية حتى أصبح يطاول خمسين مليون عربي، وأصبح أكثر من نصف مليون طفل في اليمن، وأكثر من مليون طفل في الصومال مهددين بالموت جوعاً».

لكن لا نعدم بعض المبادرات والدراسات الجادة في موضوع التعاون العربي التي نبّهت إلى التحديات التي تواجه التكامل العربي اقتصادياً واجتماعياً، والتي بات من الضروري الانتباه إليها لتجاوزها.

بادئ ذي بدء، لا تبدو فلسفة التعاون الاقتصادي العربي واضحة، فضلاً عن محدودية مفهوم نطاق التعاون الاقتصادي المباشر، في الوقت الذي يمكن فيه إيجاد مجالات تعاون غير مباشر لها تأثير كبير، مثل تبادل العمالة، والطلاب، والسياحة. كما يمثّل التمويل من أهم التحديات التي يواجهها منشئو الشركات في العالم العربي، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت العام 2008 والتي لازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.

لكن يبقى التحدّي السياسي من أبرز ما يحول دون هذا التكامل الاقتصادي؛ حيث يلاحظ غياب الإرادة السياسية، وضعف المشاركة الشعبية في رسم السياسات، زد على ذلك الخلافات السياسية التي أدت إلى مزيدٍ من تقسيم وانقسام الدول العربية. ويستتبع التحدي السياسي التحدي الأمني؛ فالصراعات بين بعض الدول العربية لا تكاد تخبو جذوتها حتّى تشتعل من جديد، بل حتى داخل الدولة الواحدة.

وأمّا عن مشاكل البروتوكولات بين الدول العربية فحدّث ولا حرج؛ إذ لا يتم تطبيقها بالكامل، ذلك أنّ هناك دولاً غير راغبة في التنازل عن مصالحها الفردية من أجل مصلحة الدول العربية عامةً.

ومن التحديات أيضاً ما هو ثقافي واجتماعي ناتج عن غياب التخطيط القومي العربي لنشر ثقافة التكامل والتبادل، وعدم تطوير المناهج الدراسية حتى تتلاشى تدريجياً أصوات بعض النخب التابعة التي لا تؤمن بأن الاندماج الاقتصادي العربي ضرورة لتحقيق مصالح أهم من المصالح التي تربطها مع أطر أخرى أوروبية أو غيرها.

إنّ الوقوف على نوعية التحديات هو أول الخطوات لتجاوزها بالبحث عن الحلول الكفيلة لمواجهتها.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4196 - الإثنين 03 مارس 2014م الموافق 02 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:51 ص

      من تونس... «التكامل العربي سبيلاً لنهضة إنسانية»

      مقال وصفي تحليلي فيه من المعلومة المفيدة ما فيه من الرأي المتزن
      كل التوفيق

    • زائر 2 | 6:07 ص

      واأسفاه

      لم ترقَ المنطقة العربية إلى حلم الوحدة الاقتصادية العربية الذي انكمش إلى مجرد تعاون ظل يتراجع حتى حُوصر في نطاق تيسير التبادل التجاري بين اقتصادات لا تنتج الكثير. بينما بقيت العراقيل تعترض مسيرة إنشاء سوق عمل عربية واحدة، وتحول دون تنفيذ الاتفاقات القائمة بين الدول العربية

    • زائر 1 | 11:46 م

      فمتى التكامل العربي؟

      على رغم مظاهر الثراء الفاحش، اتسعت دوائر الفقر حتى أسرت خُمس العرب، والبطالة ما فتئت ترتفع حتى بات ربع شبابِ العالم العربي اليوم وخُمسُ نسائه، محرومين من عملٍ يوفر لهم عيشاً لائقاً

اقرأ ايضاً