العدد 4238 - الإثنين 14 أبريل 2014م الموافق 14 جمادى الآخرة 1435هـ

هل أصبح الدفاع عن الوطن جريمة؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لم أكن أصدّق ما سمعته من أكثر من صديق، وأيضاً ما قرأته في بعض المواقع من أن الحكومة المصرية قدّمت للحكومة البريطانية وثائق تؤكد أن مجموعة من الأخوان المسلمين شاركوا في الحرب ضد الانجليز إبان احتلالهم لمصر، وذلك بهدف التأكيد على أن الأخوان جماعة إرهابية، ويجب على بريطانيا اتخاذ موقفٍ قاسٍ منها، والأهم من الموجودين منهم على أراضيها!

ولكن بعد مراجعتي لمصدر الخبر تأكد لي صحة ما كنت غير قادر على تصديقه، فالمعروف عند العالم أجمع أن الدفاع عن الوطن واجب مقدس (وعند المسلمين فرضٌ يلزم الرجال والنساء)، وأن من يموت في سبيل الدفاع عن وطنه يعد شهيداً، وكل الأمم تقدّس قتلاها المدافعين عنها، وما يزال هذا المفهوم هو السائد حتى الآن في كل أنحاء العالم. ولهذا كان من المستغرب اعتبار المدافعين عن أوطانهم إرهابيين تجب ملاحقة أبنائهم وأحفادهم في نظر الحكومة المصرية الحالية!

لا يهمني ماذا ستفعل الحكومة البريطانية ولا كيف ستنظر إلى طلب حكومة مصر، فلكل دولة قوانينها وأعرافها، ولكن المسألة عندي أخطر من ذلك بكثير؛ فهل سيصبح كل مدافع عن وطنه إرهابياً؟ ثم كيف ستنظر حكومة مصر إلى كل الذين دافعوا عن وطنهم من المصريين؟ فالمعروف أن شرائح متعددة دافعت عن بلدها (مصر) سواءً أكان هذا الدفاع ضد الانجليز أم الفرنسيين أم اليهود، فهل سيكون كل هؤلاء إرهابيين يجب التبليغ عنهم لإيقاع العقوبات عليهم من تلك الدول التي قاوموا احتلالها؟

الشيخ حافظ سلامه، ابن السويس، شارك بقوة في مقاومة الاحتلال البريطاني وهو في مطلع شبابه، كما ساعد المقاومين الفلسطينيين في صنع قنابل بدائية للاستفادة منها في مقاومة الصهاينة، والشيخ حافظ أيضاً، كان أحد أهم رموز المقاومة ضد الصهاينة العام 1973، عندما حاصر الجيش الصهيوني بلده فامتنع عن تسليمها وقاوم هو ومن معه حتى استطاعوا حماية بلدهم من الاحتلال. وأذكر يومها كيف أشاد به الإعلام المصري واعتبره زعيماً للمقاومة الشعبية، فهل يصح الآن تصنيفه إرهابياً لأنه قاوم الاحتلال؟

المصريون جميعاً يعرفون سعد زغلول، وتمثاله وسط القاهرة، وهو يمجّد كثيراً لأنه تزعم ثورة 1919 ضد الانجليز مع مجموعة من رفاقه، ثم نفاه الانجليز إلى جزر سيشل. هذا الزعيم -كما يصفه المصريون- هل يصح وصفه بـ «الارهابي» لأنه شارك في مقاومة المحتل لبلده وأهله وعشيرته؟ والمسألة لا تقف عند حد سعد زغلول أو الشيخ حافظ سلامه -وهو لايزال حياً- ولكنها تتجاوز ذلك إلى كثير من الشخصيات المصرية المحترمة التي كسبت الاحترام بسبب مواقفها من الاحتلال أياً كان مصدره، وذلك أن الشعوب العربية تحمل كثيراً من الاحترام والتبجيل لكل من يقاوم المحتل، ويزيد ذلك الاحترام إذا انتهت المقاومة بالاستشهاد.

بل إننا نعرف أن الفرنسيين كرموا مـن قتل من المسلمين دفاعاً عن فرنسا في حروبها ولم يلتفتوا إلى الدين أو الجنس، فيكفيهم أن هناك من قدّم حياته دفاعاً عن بلدهم! فهل بعد هذا يصح اتهام من قاتل دفاعاً عن وطنه بالإرهاب مهما كانت الدوافع؟ ثم من سيصدّق ذلك الاتهام بل من سيقول إنه اتهام أصلاً؟ فالعالم أجمع يعد ذلك عملاً وطنياً بطولياً مشرفاً يخلد صاحبه بالذكر الحسن، وهذا الانطباع موجود حتى عند العدو الغازي، وقد أثبت التاريخ أن العدو يحتقر الخونة الذين ساعدوه على احتلال بلادهم، لأن من يخون وطنه سوف يخون الآخرين، لأنه لا ذمة له ولا مبدأ عنده، فهو محتقر ومنبوذ من الجميع.

وبالمناسبة فإن الحكومات المصرية السابقة نشرت أفلاماً سينمائية كثيرة كانت تتحدث عن بطولات المقاومين للاحتلال البريطاني، وكانت تقدّم هذا العمل باعتباره عملاً وطنياً عظيماً يستحق الاشادة، فما الذي تغيّر حتى يصبح عملا إرهابيا يستحق العقاب والتشهير؟

أي دولة في هذا العالم -ومنها مصر- قد تتعرض لغزو مفاجئ من هذا العدو أو ذاك، فكيف سيتعامل المواطن مع مفهوم المقاومة وهو يرى أن المقاومة أصبحت عملاً مكروهاً منبوذاً يستحق العقاب؟ في مثل هذه الحالة هل سيدافع عن وطنه أم يتركه نهباً للمحتل يفعل به ما يشاء؟

أن المفاهيم لا تتجزأ، فإذا كانت مقاومة المحتل إرهاباً عند البعض في هذه الأيام، فهي إرهاب عنده غداً أو بعد غد، مهما حاول التبرير، فما عاد الناس أغبياء تنطلي عليهم الأقوال مهما كانت، ومن هنا تأتي خطورة ما يقال خطأ خصوصاً إذا كان من الدولة!

لا أستبعد أن نسمع أن صلاح الدين الأيوبي كان إرهابياً لأنه قاوم المحتل الانجليزي والفرنسي، ومثله محمود زنكي أو قطز الذي قاوم الصليبيين، أو القسّام الذي قاوم اليهود، أو عمر المختار الذي قاوم الايطاليين، وغيرهم وغيرهم كثير.

بالإمكان محاولة الوصول إلى الهدف ولكن بوسائل مشروعة تبقي للدولة قيمتها أو معظمها على الأقل.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4238 - الإثنين 14 أبريل 2014م الموافق 14 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 11:22 ص

      كلام فاضي

      كلام فاضي اعلام الاخوان يفبركون قصص خيالية لكسب الشارع المصري والغربي مجه
      وين المصدر يااستاذ؟؟؟؟؟

    • زائر 11 | 7:39 ص

      أي نعم

      أذا تعارضت المصالح مع مطالب كبيرهم يغير القانون علي حسب الطلب

    • زائر 10 | 7:32 ص

      لا تستغرب

      اذا العربي انهان في وطنه وقال : لا . يعتبر خائن. والاغرب من هذا ان من يوالون الحكومات يقفون ضده ،متناسين ان الدنيا دوارة. وكما قال تعالى وتلك الايام نداولها بين الناس

    • زائر 9 | 7:10 ص

      تأكد مرة اخرى عن المصدر الذي تتشدق به

      الاخوان المستسلمون هم صنيعة بريطانيا،عندما وصلوا للحكم تم تبادل الود مع الصهاينة،وتحالفوا مع الشر ضد القطر السوري....نهجهم تفتيت الأوطان وتجزئ المجزأ....اما المقاومة الحقيقية فهي في غياهب السجون في كل مكان من أقطار العرب...ومن لا تتحدث عنهم فقد قربوا اليهم وعاض الدين الفسقة لتشريع ضرب النهج المقاوم في كل مكان....خلط الأوراق لن يخفي الحقيقة....لأنه بكل بساطة لن يصح الا الصحيح.

    • زائر 8 | 6:29 ص

      صلاح الدين

      يؤكد الكثير من المؤرخين أن صلاح الدين قتل من المصريين أكثر مما قتل من أي جنس اخر و أنه في الأصل لم يكن مصريا.

    • زائر 7 | 6:28 ص

      اى

      اى واحد اطالب بحقه يعتبر خاين للوطن ويكون مصيره يا القتل يا السجن والتعذيب هل يرضى الله ماتفعله الحكومة بشعبها يا الله انصر المظلومين

    • زائر 6 | 6:16 ص

      لا يهمه ماذا ستفعل الحكومة البريطانية

      الي طيح الجمل يتحمل كثرت سكاكينه

    • زائر 4 | 2:18 ص

      ها هم من سيحكمون مصر

      اذا اختلفوا مع احد تعاونوا مع الشيطان لأذلاله وسيرتد عليهم لاحقا .

    • زائر 3 | 1:47 ص

      لا إستغراب أبدا في هذا الزمن .

      لا أستغرب أبدا مما يحدث فكلما تعارضت المصالح كلما زاد التشويه على الدعاة والمصلحين كما كان في عهد الانبياء و فالتاريخ يعيد نفسه سبحان الله .

    • زائر 1 | 10:38 م

      بل صدق في زمن أصبح فيه المطالب بالديمقراطية هم خونة بينما من يجلب الأجانب للقتل والدمار في بلاده هم معارضة..

      لم أكن أصدّق ما سمعته من أكثر من صديق، هل أصبح الدفاع عن الوطن جريمة؟

اقرأ ايضاً