العدد 4266 - الإثنين 12 مايو 2014م الموافق 13 رجب 1435هـ

القانون الانتخابي في تونس... خطوة إيجابيّة أخرى في المسار الانتقاليّ

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

ارتبط الانتقال الديمقراطي في تونس، بعد التوافق الحاصل في الحوار الوطني، بتلازم ثلاثة مسارات وهي المسار الحكومي والمسار الدستوري والمسار الانتخابي. وقد أوفت الحكومة السابقة بتعهداتها، فتنازلت في الموعد عن الحكم لحكومة التكنوقراط غير المتحزبة برئاسة المهدي جمعة؛ كما أوفى المجلس التأسيسي بالتزاماته: فأنهى المصادقة على الدستور، ثمّ جرى الاتفاق على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وتمّ انتخاب أعضائها. وها هي المرحلة الانتقالية في تونس تؤذن بالرحيل، وها هو فصلٌ آخر من فصول العمل الديمقراطي والتوافق الوطني يكتب بعد المصادقة على القانون الانتخابي غرّة شهر مايو/ آيار. فما قيمة هذا القانون الانتخابي؟ وما دلالات الانفراج السياسي الذي ينطوي عليه؟ وما أهميته في تونس اليوم؟

جاء إقرار مشروع قانون الانتخابات والاستفتاء في تونس بعد مناقشات استمرت قرابة أسبوعين، ليمهد بذلك لاستكمال تنفيذ الانتقال الديمقراطي؛ إذْ بدأ النقاش بشأن هذا القانون في 18 أبريل/ نيسان الماضي، وشهد سجالات حامية بين النواب بخصوص عدد من القضايا الخلافية أبرزها منع كوادر نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من الترشح حتى تنظر العدالة الانتقالية في أمرهم. وقد تمت المصادقة على القانون الانتخابي بعدما أيّده 132 نائباً ممن حضروا الجلسة مقابل رفض 11 نائباً وامتناع 9 عن التصويت. ويضم المجلس 217 نائباً.

ويقدّر المحللون أنّ هذا القانون في غاية الأهمية بالنسبة للفترة الانتقالية في تونس، حيث سيمكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، والتي يحددها الدستور خلال سنة 2014. كما سيمكن الهيئة من أخذ الوقت الكافي في حدود ستة إلى سبعة أشهر لإجراء هذا الاستحقاق الانتخابي المقبل بعد أن تقترح الهيئة موعداً انتخابياً في أقرب الآجال، ليصادق عليه المجلس الوطني التأسيسي. وقد أكد مُفْدي المْسِدي المتحدث باسم رئيس المجلس التأسيسي التونسي، أن الأطراف السياسية الممثلة في المجلس التأسيسي، وكل الجهات السياسية عازمة على احترام الدستور وإجراء الانتخابات في 2014.

واللافت للنظر في هذا القانون الانتخابي أنه تمّ إسقاط الفصل 167 من مشروعه، والمتعلق بـ «العزل السياسي»، الخاص بمنع التجمعيين من الترشح للانتخابات القادمة، بحصوله على 108 أصوات واحتفاظ 43 نائباً بأصواتهم ورفض 23 آخرين، بعد أن افتقر إلى صوت واحد حتى يتم تمريره.

ولئن ظهر في تصويت أعضاء كتلة حركة النهضة الإسلامية بعض التململ والاختلاف بخصوص هذا الفصل الشهير، فإنّ توجّه قيادة الحركة الإسلامية في تونس، وهي تتبوّأ مكانةً مؤثرةً في قرارات المجلس التأسيسي بخصوص التشريعات والقوانين، قد قرّرت حسم مسألة العزل السياسي لكوادر التجمع إلى صناديق الاقتراع معتبرةً أن الشعب سيحسم فيهم حيث صرّح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أثناء حضوره للمجلس التأسيسي لمناقشة تصويت النهضة على الفصل 167: «نحن لا نريد الزج بالمسار الانتقالي في الخطر خاصة وهو في مراحله الأخيرة، وموقف قيادة النهضة يتبنّى عدم التصويت على الفصل». أما عن موقف قواعد حركة النهضة فقد قال الغنوشي: «قواعدنا جزء من الشعب ونحن نركن إلى مصلحة الوحدة الوطنية»، وشدّد على أنه تم بذل جهد كبير لإعادة قطار تونس على السكة، ولذلك يجب إنهاء المرحلة الانتقالية بسلام.

وقد اعتبر الكثير أنّ التقاء أكبر حركتين سياسيتين في الحكم والمعارضة، والأمر يتعلق بحزبي «النهضة» و»نداء تونس» حول رفض تمرير قانون العزل السياسيّ وتركه للمواطنين في الانتخابات، هو بمثابة اتفاق يمثل محطة مهمة أخرى باتجاه إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية للانتقال إلى المرحلة الدائمة. ذلك أنّ إسقاط الفصل المتعلق بالعزل السياسي في نظر البعض يمثل تخفيفاً كبيراً على القانون الانتخابي.

إذاً، وبعد جولاتٍ من التجاذب السياسي في تونس، وبالمقارنة مع تجربة حكم الإسلاميين في مصر بعد الثورة، يمكن للمتابع أن يراهن على «تونسة» الحركة الإسلامية، من خلال تأكيدها على استقلاليتها المطلقة عن الجماعة الأم (حركة الإخوان المسلمين) التي لم تكن تجربتها في المعارضة أو السلطة بالناجحة دائماً. وتؤكد الحركة الإسلامية في تونس ممثلةً في حزب حركة النهضة، على الارتباط أكثر فأكثر «برجاحة وعقلانية وتجديدية أطروحات المدرسة الزيتونية بما تعنيه من خصوصية ومقاصدية واعتدال ووسطية، ونبذ جميع أشكال العنف والتطرّف والإرهاب والانقلاب والتنظيمات الخاصّة، والتفريق بين الوظائف الدعوية والمهامّ الحزبية، والتخلّي عن العوالم السرّية والتشبّث بالأنشطة العلنية والقانونية» كما قال المحلل التونسي خالد شوكات. وتؤكد، أمام الضغط الذي تعيشه هذه الحركة دولياً، أنها حركة مدنية وديمقراطية تقف في الضفة الأخرى من تجارب بعض حركات الإسلام السياسي التي يتميّز خطابها وأداؤها في أحيان كثيرة بالعنف.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4266 - الإثنين 12 مايو 2014م الموافق 13 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:36 ص

      شيخ حكيم

      صرّح زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي أثناء حضوره للمجلس التأسيسي لمناقشة تصويت النهضة على الفصل 167: «نحن لا نريد الزج بالمسار الانتقالي في الخطر خاصة وهو في مراحله الأخيرة، وموقف قيادة النهضة يتبنّى عدم التصويت على الفصل

    • زائر 4 | 6:07 ص

      من حسن إلى أحسن

      هنيئا لتونس بهذه الخطوات الجريئة على درب الديمقراطية

    • زائر 3 | 4:45 ص

      القانون الانتخابي في تونس... خطوة إيجابيّة أخرى في المسار الانتقاليّ

      مقال جيد يا أستاذ
      نشكرك على بناء صورة واضحة عن الوضع في تونس
      بلدنا العربي الشقيق يعز علينا

    • زائر 2 | 2:30 ص

      كان لا بد من منعهم عقابا لهم

      العزل السياسي الخاص بمنع التجمعيين من الترشح للانتخابات القادمة

    • زائر 1 | 12:23 ص

      نرجو ذلك

      أنها حركة مدنية وديمقراطية تقف في الضفة الأخرى من تجارب بعض حركات الإسلام السياسي التي يتميّز خطابها وأداؤها في أحيان كثيرة بالعنف.

اقرأ ايضاً