العدد 4276 - الخميس 22 مايو 2014م الموافق 23 رجب 1435هـ

الشراكة المجتمعية في مواجهة الكوارث

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

في الصباح الباكر من يوم الأحد (11 مايو/ ايار 2014) كان السكون يخيم على بلدتنا باربار، وبعد أن تحرك الباص الذي ينقل ابنتي علياء إلى مدرستها في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً، توجهت إلى البيت، وبينما كنت أهم بالجلوس على مكتبي لمحت من بعيد سحابة دخان غير عادية آخذة في الازدياد مصدرها موقع العمارة التي يسكنها ابن أخي زكي الوداعي الذي يحظى بمكانة كبيرة في نفسي.

المشهد كان مثيراً ومخيفاً ولم يدع لي مجالاً للتفكير، فخرجت مسرعاً وجريت إلى حيث مصدر الدخان، وشاهدت الناس في الطريق تزحف زرافات زرافات لاستبيان ما هو جارٍ، وتقديم المساعدة إذا تطلب الأمر. عند وصولي إلى موقع الحدث كانت مشاهد ترجيديا المأساة تؤكد حضورها في صراخ النسوة وهي تنادي «هل من مجير ينصرنا»، وساكنو المنازل المجاورة يخرجون من بيوتهم مذعورين وهم في ملابس النوم للنجاة بجلدهم، وفي خضم هذه اللوحة المأساوية وجدت سيد محمد حفيد أخي جعفر، الذي لم يتجاوز الحادية عشر عاماً، هائماً في الشارع، فأمسكته وتوجّهت حيث سكن الأسرة للاطمئنان عليهم.

وتوجهت كما غيري للمشاركة في عمليات مكافحة الحريق وتقديم ما يلزم من مساعدة لمواجهة الكارثة والحد من تداعيات أضرارها الإنسانية والمادية. وأنا أتمعن في مصدر النار لأتبيّن حقائق الموقف استوقفني لهب النار الصادر من أحد المكيفات في أحد الشقق العلوية وهو ينشط بسرعة فائقة باتجاه الأسفل، وما هي إلا لحظات حتى امتد لهب الحريق وانتقل إلى المنازل المجاورة بسهولة، لانعدام الفواصل الآمنة بينها وبين العمارة المحترقة. ولم يكن أمامنا غير العمل بسرعة لإبعاد اسطوانات الغاز من المنازل المجاورة لكي لا يطالها لهب النار ويؤدي إلى انفجارها والتسبب في مضاعفة الكارثة.

ونحن في داخل أحد المنازل نعمل على فك اسطوانات الغاز كان لهب النار يغزو ممر المنزل، وفي مقابل ذلك هبّ الجميع للعمل بمسئولية عالية لوقف زحف لهب النار، وجسّد ذلك روح العمل الاجتماعي الواعي والمسئول.

ذلك الحدث عاد بذاكرتي إلى سبعينيات القرن الماضي عندما حاصرت النيران عائلة الحاج إبراهيم عياد، يومها كنت مع مجموعة من شباب باربار يحضرني من بينهم أحمد حسن شعيب، حيث قمنا بإحداث ثقب في سقف المطبخ وإنزال الرمال على اسطوانة الغاز المشتعلة وإخمادها وإنقاذ الأسرة من كارثة إنسانية.

شهدت في مسرح تراجيديا الحدث مواقف إنسانية معبرة تميزت بسمات الشجاعة والمسئولية الأخلاقية لأفراد المجتمع، واستوقفني في سياق ذلك الموقف المسئول من ابن باربار ميرزا الحاج علي سلمان حيث قدم مسرعاً بصهريج ماء الشرب الذي يسترزق منه ليضحّي به ويعمل على تفريغ ما به من ماء للحد من امتداد الحريق إلى المساكن المجاورة، كما أن الموقف الإنساني المشرف لعمال المجاري من «الجالية الهندية والبنغالية»، ترك صدى طيباً وسط المجتمع المحلي حيث زجّوا بصهريج الماء في معركة مواجهة الحريق، وكان لذلك الموقف دوره الايجابي في وقف زحف النيران.

ويشكل وصول إمدادات الدفاع المدني حدثاً كان ينتظره الأهالي بفارغ الصبر لما له من قيمة معنوية وفعلية في دعم القدرات الفنية لمقاومة الحريق ووقف امتداده، والتحم أفراد المجتمع مع أفراد الدفاع المدني وشكّلوا فريق عمل واحداً، راسمين بذلك لوحة مميزة في بعدها الإنساني لاستراتيجية الشراكة المجتمعية في مواجهة مخاطر الكارثة، وأبدى أفراد الدفاع المدني مسئولية مهنية عالية في العمل على وقف انتشار الحريق وإخماد بؤره بمساعدة أفراد المجتمع.

في مقابل تلك المشاهد، لا يفارق مخيلتي الموقف الصلب لصاحب العمارة المحترقة (ابو ابراهيم) المعروف بأعماله الإنسانية وتقديمه المساعدات للمحتاجين، حيث كان صامتاً وعانقته فقال «إنه قضاء الله وقدره». وعلى الرغم من المصيبة التي حلت به، كان يوزّع المياه على أفراد الدفاع المدني والشرطة والأهالي. وفي تقييمه لما حدث يقول «بعد مجيئي من صلاة الفجر قرّرت أن أسترخي قليلاً، لكن القدر أيقظني وهرولت مسرعاً حيث مصدر الصياح، وإذا بي أجد النار تلتهم مصدر رزقنا ووسيلتنا لمساعدة الضعفاء، وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، وعدت إلى البيت وصلّيت لله ركعتين وشكرته على ما أعطى».

الأسباب الفعلية للحادث لم يصدر بشأنها تقرير من جهة الاختصاص، وما جرى تأكيده في بعض الصحف بأن السبب الحقيقي يعود إلى «اندلاع حريق داخل صالة للأفراح والمناسبات» تقدير غير دقيق، حيث أن الأجهزة الكهربائية في الصالة مفصولة بالكامل، ومحتويات الصالة على الرغم من الأضرار التي أصابتها إلا أنها لم تتلف بالكامل مقارنةً بما حدث من أضرار في المحتويات الموجودة في الموقع المجاور للصالة. كما أن اشتعال الحريق في الصالة يمكن أن يتسبب في حدوث أضرار أكثر شمولاً وخطراً، وذلك يشير إلى احتمال أن يكون الحريق حدث نتيجة خلل أو حادث ما وقع خارج الصالة.

الحادث يؤكد على ضرورة أن تتحمل جهة الاختصاص توفير تجهيزات فنية ومواقع متخصصة لمكافحة الطوارئ في مواقع التجمعات السكنية وتدريب أفراد من المجتمع المحلي على طرق إطفاء الحرائق للاستفادة منها في مواجهة الحالات الطارئة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4276 - الخميس 22 مايو 2014م الموافق 23 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً