العدد 4301 - الإثنين 16 يونيو 2014م الموافق 18 شعبان 1435هـ

مكتبة التوعية... الوثبة الطموحة

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

على خلاف ما كان يردده شعراً الفقيه البحريني الشهير الشيخ يوسف بن أحمد العصفور البحراني (ت 1772م/ 1186هـ) بعد اضطراره إلى الهجرة من البحرين وفقده لكتبه التي التهمتها نيران الفتن والاعتداءات وفوضى الدم في الثامن عشر الميلادي حيث قال:

وأعظم حسرة أضنت فؤادي

تفرق ما بملكي من كتاب

كان مشهد افتتاح مكتبة التوعية للمعارف الإسلامية، لمن يدرك قيمة الكتاب والمخزون الحضاري الهائل الذي يمثله، مشهداً مبهجاً للنفس ومثلجاً للصدور، ويشعر المرء وهو يشهد لحظة ميلاد هذا الصرح الثقافي المهم وكأن التاريخ بدأ يترفق قليلاً بالنهضة العلمية والثقافية التي تعاني – في معظم الفترات - من وطأة الإزعاج السياسي، فتضطر للتحايل عليه، وقد تفلح أحياناً وقد تخفق في معظم الأحيان.

ولو قُدّر اليوم للشيخ يوسف أن يخرج من قبره في مدينة كربلاء وينفض من على كتفيه رمال قرنين ونصف القرن ليرى مكتبة التوعية شاخصةً كتحفة معمارية حديثة تصافح السماء بشموخ وتوثب، وقد نهض بأعباء تأسيسها شباب أمناء يملؤهم الطموح ويحركهم الوعي برسالة المعرفة، لو بُعث الشيخ من جديد ورآى ذلك لشطب كل عبارات الحسرة والأسى التي كتبها بيد مرتعشة وقلب محزون في لؤلؤته وحدائقه الناضرة عن فقده لكتبه، فالكتب الآن تُجمع وتحفظ ليستفيد منها الشباب والشابات، الرجال والنساء والأطفال، بعد أن كانت تُنهب أو تُحرق أو تُطمر تحت جدران الطين في ذلك الزمن العصيب.

لقد حفلت الأيام القليلة الماضية بأكثر من فعالية ثقافية تحتفي بالكتاب والمكتبة؛ فقبل أيام (8 يونيو/ حزيران 2014) احتضن بيت القرآن فعالية تدشين كتاب الباحث منصور سرحان «مواقف وذكريات مع شخصيات بحرينية»، وسط حضور متميز لكوكبة متنوعة من الكتاب والأدباء والشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي البحريني.

وقد غصت قاعة جمعية التوعية الإسلامية صباح السبت الماضي (14 يونيو/ حزيران 2014) بالمدعوين من المهتمين بالشأن الثقافي والديني ونشطاء المجتمع المدني لافتتاح مكتبة التوعية للمعارف الإسلامية، كواحد من البرامج النوعية التي دأبت الجمعية على تقديمها منذ وثبتها الطموحة الثانية في العام 2001 بعد التجربة الأولى (1972– 1984) التي اختتمت بالتشميع الأحمر.

وسيتم السبت المقبل (21 يونيو/ حزيران 2014) افتتاح مكتبة الإمام المنتظر التابعة لمكتبة السيد عبدالله الغريفي التي ستكون أيضاً إضافة نوعية تثري المشهد الثقافي المحلي، ومن المتوقع أن تتحول المكتبة إلى مركز علمي يستقطب الكفاءات العلمية والأكاديمية ويغني واقع الحركة الثقافية بالإصدارات والدراسات التخصصية ويحمل على عاتقه تقديم برامج ثقافية طيلة العام.

وهي كلها مظاهر خير تعكس الحيوية الثقافية للمجتمع الذي عرف عنه عشقه للكتاب وتعطشه للمعرفة حتى وهو يعاني جراحات عامين ونصف من وجعه الأكبر.

تأسيس المكتبات ظاهرة إيجابية تعكس رقي المجتمع، ودرجة تحضره، فكلما زاد إحساس الناس والنخب بأهمية الكتاب كوعاء ثقافي مهم ووسيلة من وسائل النهوض المعرفي، دل ذلك على درجة تقدم المجتمع وأعطى بذلك دليلاً على حيويته، فالإعمار والتعمير الثقافي أظهر معالم النهوض.

من هنا نرى أن كل المبادرات الأهلية التي تستهدف التسويق للكتاب والترويج للقراءة كظاهرة ثقافية تلقى نجاحاً منقطع النظير ويتلقفها الناس بتلهف وحب، هكذا كانت تجربة صحيفة «الوسط» مع مجلس بلدي الشمالية قبل أسابيع في معرض الكتب المستعملة الثاني (20 - 24 مايو/ أيار2014) الذي حاز على تجاوب كبير من كافة شرائح المجتمع المحلي.

لم يكتف البحرينيون بتشييد المكتبات العامة والخاصة في الداخل، بل حملوا معهم هذا الهم حتى في المهاجر التي قصدوها واستقروا بها، وهكذا نجد أن مكتبة والد الشيخ يوسف صاحب الحدائق الشيخ أحمد بن إبراهيم آل عصفور (ت 1718م/ 1131هـ) ضمت ميراث آل عصفور العلمي، وقد استقر في مدينة بوشهر (إيران). هذه المكتبة التي حفلت بالكثير من ذخائر وكنوز التراث العربي والإسلامي.

كما كان لمكتبة السيد محمد طاهر بن محمد بن محسن الموسوي البحراني (ت 1964) أهمية وشهرة واسعة في مدينة كربلاء المقدسة، فمؤسسها كان من مشاهير العلماء وأئمة الجماعة في كربلاء، وقد اشتملت مكتبته على مصنفات كثيرة في الفقه وسائر العلوم الدينية والأنساب والتراجم، والعديد من نفائس الكتب النادرة.

نشد على أيدي كل القائمين على هذه المشاريع التي تتسق وطبيعة هذه الشعب وتاريخه وشخصيته، ونتمنى للأخوة في مكتبة التوعية للمعارف الاسلامية الذي عملوا طيلة العامين الماضيين بهمة عالية وكفاءة وتفانٍ، لكي يروا ثمار غرسهم الطيب وقد أينع فلهم منا كل الشكر والتقدير.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4301 - الإثنين 16 يونيو 2014م الموافق 18 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:31 م

      شكرًا للتوعية وشكرا لك

      دور ثقافي مهم تقوم به جمعية التوعية فلها كل الشكر ..وخاصة على هذا الصرح وأشكر الكاتب على المقال الرائع

    • أم نور فاطمة | 7:41 ص

      جزاهم الله خيرر

      كنت ابحث عن. مثل هذا. الصرح وقد وفرتها لنا الجمعية شكرًا لهم

    • زائر 2 | 3:56 ص

      الكلمة الطيبة صدقه

      يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي.. جزا الله القائمين على المشروع خيرا

    • زائر 1 | 11:16 م

      مكتبة التوعية

      المفروض من سنين عندنا مكتبه تاخروا

اقرأ ايضاً