العدد 4315 - الإثنين 30 يونيو 2014م الموافق 02 رمضان 1435هـ

لماذا يكرهون سلوى؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

بحلول رمضان المبارك شهر الرحمة والغفران، كنت أمنّي النفس بهدنة لا نسمع فيها أخبار الموت ولا نشمّ خلالها روائح الدم المنبعثة من الاغتيالات الغادرة. لكن، كم كانت أحلامي طفوليّة! لم أتعلّم بعدُ أن أكفّ عن الحلم، وأن أهيّئ النفس لانتظار الكوابيس!

نعم هكذا نزل علينا خبر اغتيال الناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص في مدينتها العظيمة بنغازي في ليبيا الشقيقة الجريحة... قبل عقد من الزمن كتب الصحافيّ الأميركيّ توماس فريدمان مقاله الشهير تحت عنوان «لماذا يكرهوننا؟»، واليوم نستعير صرخته ونتساءل بدورنا لماذا يكرهونك سلوى؟ لماذا يكرهون الحوار؟ لماذا يكرهون الأحرار؟

بدمٍ بارد، اغتال مسلحون «مجهولون» يوم الأربعاء الموافق 25 يونيو 2014، عضو المجلس الانتقالي الليبي السابق المحامية والناشطة الحقوقية سلوى سعيد بوقعيقيص برصاصة في الرأس بمنزلها، في مدينة بنغازي، ولم يكتف المجرمون بذلك، بل انهالوا عليها طعناً بالسكاكين في عدة أماكن من جسمها، وقد توفّيت متأثرةً بإصابتها بالرصاصة في الرأس.

وتعد المحامية سلوى بوقعيقيص ناشطة سياسية ليبرالية في ملف حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومدافعة بشدة عن حقوق الإنسان قبل الإطاحة بنظام المغرور معمر القذافي وبعده، بل وتعد من رموز الثورة الليبية، لكونها من مؤسسي المجلس الوطني الانتقالي السابق الذي قاد مرحلة الثورة منذ انطلاقها، ولشغلها أيضاً منصب نائب رئيس الهيئة التحضيرية للحوار الوطني الذي ستشرف عليه الحكومة الليبية لإجراء مصالحة وطنية شاملة. كما كانت من النشطاء البارزين في عدة هيئات تعنى بالشأن السياسي والحقوقي من بينها (منبر المرأة الليبية من أجل السلام)، كما كانت من المدافعات المتحمّسات عن حقوق المرأة في ليبيا، ما سبّب لها خلافاتٍ مع آراء المتشدّدين والإسلاميين المتطرّفين.

ومن المفارقات العجيبة أن سلوى كانت قد شاركت صباح يوم الفاجعة (الأربعاء) في الانتخابات التشريعية ونشرت على «فيسبوك» صوراً لها وهي تدلي بصوتها في مكتب اقتراع. كما ظهرت في فترة ما بعد الظهر عبر محطة تلفزيونية وتحدّثت عن تدهور الوضع الأمني في بنغازي. لكنّ النهاية المأساوية لسلوى بوقعيقيص وعملية الاغتيال الجبانة التي تعرّضت لها قد جعلت الكثيرين يشعرون أنهم يعرفونها منذ زمن بعيد حتى وإن لم يسمعوا عنها قبل ذلك إلا القليل، ذلك أنّ نهايتها بعد أداء الواجب الانتخابي ورئاستها بالنيابة للهيئة التحضيريّة للحوار الوطني من أجل المصالحة الوطنية في ليبيا، جعلها هدفاً لأعداء الديمقراطية والحرية؛ ومن ثمّة صار بيّناً أنّ المستهدف من ورائها هو المسار الديمقراطي الذي تحاول ليبيا على رغم الصعوبات التقدم فيه، وهو ما جعل استشهاد سلوى مصدر إلهام بالنسبة للناشطين، وللنساء في بلادها.

وهو ما يذكرني بسيناريو الاغتيالات السياسية في الجارة تونس العام 2013؛ فكلما شارفت المصالحة الوطنية والحوار على إدراك محطة جديدة في مسار الانتقال الديمقراطي إلاّ وطعن هذا المسار من الخلف وكانت الضحية رجالاً أبراراً من خيرة أبناء البلد.

نعم، لقد أثبتت سلوى بوقعيقيص في الساعات الأخيرة السابقة لوفاتها أنها عاشقة للوطن والحرية، تؤمن بدولة ليبية ديمقراطية، مقاومة للجهل والتخلف والعنف، مبشرة بوطن يتسع للجميع على قاعدة الحوار والمصالحة. وثبت أيضاً بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ هذا العمل الإجرامي يتعارض مع الشرائع السماوية ومبادئ حقوق الإنسان، ولا يعدو أن يكون سوى مجرد محاولة بائسة خسيسة من بعض الضعفاء الذين يتاجرون بالدين لإسكات أصوات الأحرار المضحين بأرواحهم في سبيل الدفاع عن حرية شعوبهم وأوطانهم ونشر مبادئ الديمقراطية. لكن، لن تمنع هذه الأعمال الإرهابية الشعب الليبي من استكمال حلمه وسعيه نحو وطن حر مستقرّ مستقل موحّد.

إنّ اغتيال سلوى يمثّل خسارةً كبرى لصوتٍ قويّ في مسيرة النضال من أجل المساواة؛ فقد كانت من المدافعات بشدة عن حقوق المرأة طيلة حياتها، وكانت لا تملك إلا صوتاً تضعه في صندوق الاقتراع، أو تقول به ما تعتقد هي أنه حق، وتقوله جهاراً نهاراً، لكن بالمقابل مثّل اغتيالها أيضاً فرصةً أخرى لمن لا يزال يعلّق الأمل على عناصر بعض التيارات المتشددة أو بقايا الأنظمة البائدة كي يكشفوهم على حقيقتهم، إذْ وصل بهم الأمر إلى اغتيال امرأة في بيتها غدراً وبهتاناً.

لكنّ المجرمين، الذين لم يتحمّلوا شجاعتها وجرأتها، لم يدركوا أنهم بإثمهم الذي ارتكبوه، قد دفعوا بآلاف الليبيات إلى تجاوز حالة العزوف واستعادة دورهن في الدفاع عن حقوقهن ومكانتهن الاجتماعية والسياسية والثقافية، فضلاً عن المساهمة في مسيرة بناء ليبيا الجديدة.

إن مسيرة نضال الشهيدة سلوى وكفاحها من أجل السلام والحوار والمصالحة الوطنية، كفيلٌ بأن يدفع الدولة الليبية إلى ترشيحها لنيل جائزة نوبل للسلام، فقد قادت النضال من بنغازي في ليبيا في أحلك الظروف، ولم يسكت صوتها المنادي بالحق في وقتٍ هرب فيه أشباه الرجال وتركوا الوطن مرتعاً للإرهاب والجريمة المنظمة.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4315 - الإثنين 30 يونيو 2014م الموافق 02 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 1:00 ص

      شكرا

      تسلم يا اخي العزيز على هذا المقال الرائع لك مني كل التقدير والمودة

    • زائر 7 | 2:31 م

      تحية طيبة

      ليتهم يكرهون سلوى...هم يكرهون ذواتهم و هذه مأساتهم و يرتمون في أحضان شخصية وهمية كلها نقاء و طهر فيحاربون ذواتهم في غيرهم في هستيريا جماعية لا تخلف سوى الموت و الدمار و هم الضحية و الجلاد في مسرحية عبثية تجري على ركح يمتد آلاف الكيلومترات

    • زائر 6 | 2:26 م

      غدر

      عار عليهم لكن هل يعرفون العار؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 5 | 6:52 ص

      تعازينا

      تعازينا تغمدها الله برحمته
      ورزق أهلها والشعب الليبي الشقيق جميل الصبر والسلوان
      رحمها الله

    • زائر 4 | 4:54 ص

      انا لله وانا اليه راجعون

      هالزمن يحتضن القتلى و المجرمين و لا مكان فيه للقلوب النظيفه و الطاهره

    • زائر 3 | 2:24 ص

      رزقهم الله جميل الصبر والسلوان في سلوى

      إلى متى هذا الغدر هل يرضى الله بهذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 2 | 2:17 ص

      امثالها قله .. امثالهم كثر

      لو ان مثلها كعدد امثالهم لكان الوطن العربي اجمع بخير .. ولكن كما يقال الكثره تغلب الشجاعه فالجبناء دائما يأتون على حين غره بعدد كبير

    • زائر 1 | 1:03 ص

      اقتراح وجيه

      إن مسيرة نضال الشهيدة سلوى وكفاحها من أجل السلام والحوار والمصالحة الوطنية، كفيلٌ بأن يدفع الدولة الليبية إلى ترشيحها لنيل جائزة نوبل للسلام،

اقرأ ايضاً