العدد 4317 - الأربعاء 02 يوليو 2014م الموافق 04 رمضان 1435هـ

الشاب العبار... وداعاً

حسن المدحوب hasan.madhoob [at] alwasatnews.com

.

اليوم الخميس مساء، تودّع جثة الشهيد عبدالعزيز العبّار ثلاجة الموتى التي ظلت فيها طيلة 77 يوماً، وبعد 52 يوماً كان قضاها الشهيد في سرير الإنعاش في غيبوبة الأموات.

إذاً هي شهران ونصف ويومين، كانت دموع طفليه مجمدة في مآقيهما، ينتظران أن يريا أباهما، الذي ودّع الدنيا في زهرة شبابه، ينتظران أن يريا جثته محمولةً على الأعناق، لتوارى الثرى، فأي حلم أبسط من هذا كان يتمناه هذان الطفلان بعد أن فجعا في غمضة عين بأبيهما، حلم انتظراه أياماً وليالي، وها هو اليوم سيتحقق.

طوال الشهرين والنصف الماضية، كان هذان الطفلان يترقبان أن ينثرا أوراق المشموم على تراب قبر والدهما، ويرشا ماء الورد على لحده، ولكن على أي تراب كانا سينثرانه وقتها، وأي ماء ورد سينال قبره، ووالدهما تحتويه ثلاجة مقفلة بإحكام في مشرحة درجات حرارتها تقل عن الصفر!

طوال الفترة التي قضاها الشاب العبار في غيبوبته وفي المشرحة، كان طفلاه يصحوان على صورته المعلقة على جدران منزل جدهما المتهالكة والآيل للسقوط، تلك الصورة المعلقة، والتي تبديه في غيبوبته التي استمرت قريباً من الشهرين، والتي قضى بعدها إلى بارئه، تاركاً وراءه زهرتيه، وخلفهما كل الدنيا.

العبار أصيب في 23 فبراير/ شباط من هذا العام بإصابة مباشرة في الرأس أدخلته في غيبوبة، وقد تضمنت شهادة الوفاة التي صدرت وقتها، أن سبب الوفاة «توقف في الدورة الدموية»، وأهله كانوا يريدون أن يكتب في التقرير أن سبب الوفاة هو إصابته بالطلق الناري، والنتيجة أنهم رفضوا استلام جثمانه إلا بهذا الإقرار، غير أن وزارة الداخلية، صرّحت وقتها أنها غير معنية بالأمر، وأن الموضوع هو بين العائلة والطبيب الشرعي، وبين الجهتين ظل جثمان العبار في مكانه في ثلاجة الأموات طوال هذه الأشهر.

قبل يومين، قالت عائلة العبار أنها «حصلت بشكل رسمي من النيابة العامة (وحدة التحقيق الخاصة) تقريراً يفيد بأن الوفاة حدثت من مضاعفات الإصابات النارية الرشية بالوجه والرأس بما أحدثته من أنزفة بالمخ ومضاعفات التهابية وتوقف بالقلب أدى إلى الوفاة».

البحرينيون جميعاً، كانوا يتألمون لعدم دفن جثمان العبار، كما بذات المقدار الذي يتألمون فيه كثيراً لسقوط الضحايا من أبناء هذا الوطن، فأي قدر كتب على البحرينيين، بأن يسلموا للتراب شاباً تلو آخر، فما بالك إذا كان حتى التراب يصبح حلماً لعائلة تترقب أن يحظى ابنها به، بعد أشهر انتظار وترقب!

قضية العبار، ينبغي أن تعطينا كبحرينيين جميعاً درساً، أن وطننا يحتاج إلى الحلول الإنسانية، وليس الأمنية، جربنا على مدى عقود كل الحلول الأمنية، والنتيجة أن آلام البحرينيين تتزايد، وآمالهم في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة لم تتوقف، بل ظلت تنمو وتقوى يوماً بعد يوم، وستظل تزداد حتى تتحقق أحلامهم.

صحيح أن حلم طفلي العبار برؤية قبر والدهما سيتحقق اليوم، ولكننا على يقين أن حلمهما في دولةٍ تحتضن كل أبنائها على قدم المساواة والكرامة للجميع، حلم سيتحقق قريباً بإذن الله.

إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"

العدد 4317 - الأربعاء 02 يوليو 2014م الموافق 04 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:21 ص

      مع من تتحدث ومن تخاطب؟

      الجماعة خالصين ومصممين على استمرار الحلّ الامني ولو ذهب نصف شعب البحرين فأي خطاب ينفع او أي مناشدة تجدي

    • زائر 3 | 12:14 ص

      اه يا وطن

      الهذه الدرجة وصل الظلم في وطني الجريح ان العين لتدمع والفلب ليحزن ولكن لا نقول الا صبرا ان الصبح لقريب لتحقيق حلم الحرية والعدالة

اقرأ ايضاً