العدد 4336 - الإثنين 21 يوليو 2014م الموافق 23 رمضان 1435هـ

الشيعة بين إنصاف الأزهر وموضة التكفير

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

لا أحسب أن تنال الموضة الظرفية الجديدة لشخص طارئ على الدين، غرّ في السياسة والحياة العامة، من مبدئية ورصانة الموقف الديني المضيء للأزهر الشريف، في واحدةٍ من أدواره التقريبية الزاهية بين المسلمين، عندما أفتى إمامه الأكبر الشيخ محمود شلتوت (ت 1963) بجواز التعبد بالمذهب الإمامي، وقال ما نصه: «إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة».

وكانت هذه الفتوى من حسنات دار التقريب بين المذاهب التي أنشئت في القاهرة سنة 1948 واستمرت حتى العام 1970، وكان من أثر هذا التقارب أن قرّر الأزهر تدريس المذهب الشيعي الإمامي والزيدي في كلية الشريعة. كما أن جامعة إيران أدخلت دراسة فقه السنة في كلية «المعقول والمنقول» بها، كما كانت للدار مجلة ربع سنوية تصدر باسم «رسالة الإسلام».

ضمت جماعة التقريب هذه صفوة أهل العلم والرأي عند أهل السنة والشيعة، وفي مقدمتهم الشيخ مصطفى المراغي ومصطفى عبدالرازق والشيخ شلتوت، ومن الشيعة ضمت السيد حسين البروجردي والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والسيد عبدالحسين شرف الدين والشيخ محمد تقي القمي الذي كان أول من دعا إلى هذه الفكرة وإلى تأليف هذه الجماعة، حيث قصد مصر وعرض على علمائها فكرته فوجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية.

مناسبة التذكير بهذه الفتوى لهذا العالم الجليل، انتشار مقطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعية لأحد «المتقاعدين» يوم الجمعة (11 يوليو/ تموز 2014) يتهجم فيه على مكون كبير من مكونات شعب البحرين، متعرضاً فيه لعلماء رماهم بالكفر ودعاهم لدخول الإسلام، وقد بلغ عنده منسوب الوقاحة أن توعد كبار العلماء بـ «اصطيادهم كالفئران»، أمام مرآى القانون وسمعه، بل ورغماً عنه!

الخطاب الديني في البلد يعاني منذ ثلاث سنوات من انحدارٍ شنيع، لكنه الآن تعدّى مرحلة الانحدار إلى مستوى السخافة والتهريج الممجوج، الذي يستدعي التدخل السريع حفظاً لهيبة الدين الباقية، وصوناً لمصالح البلاد التي تتآكلها الأحقاد على مذبح الأطماع السياسية واللهاث الصبياني على كعكة النفوذ وضرع المناصب الحلوبة.

إن هذه النوعية الرديئة من الخطب الاستعراضية السمجه تسيء، أول ما تسيء، لهيبة الدولة وتعرض صورتها للاهتزاز وتضعها أمام محك اختبار المصداقية في تطبيق القانون. القانون الذي تحرص الجهات الأمنية على التذرع بالحرص على الأخذ به في حالات مشابهة هي في الغالب أقل خطراً من هذا التجاسر الصلف على مشاعر الناس وازدراء القانون.

المقطع المصوّر، أخرج مكوناً مذهبياً في البلد من دائرة الإسلام بكل بساطة! مكوّن له وشائج إنسانية ودينية وعاطفية واجتماعية مع ثقل ديمغرافي يشاركه العقيدة في الجوار، ووصمهم بالكفر، وبلهجة تهديد صريحة يجرّمها القانون راح يُلمّح إلى ما يمكن فهمه بوضوح باعتباره «تصفية جسدية» لأشخاص دعاهم للتوبة والدخول إلى حظيرة الإسلام!

يأتي هذا التهديد من شخص يسعى لتعويض خسارته لسلطة كانت له يوماً، وذلك عبر طموح طاغ يتملكه للبروز الاجتماعي تارةً بعنوان سياسي في أرض لا يملك فيها جمهوراً، وأخرى بعباءة فقيه تائب عرف الله حديثاً، فقيه يجابه الأزهر الشريف كندٍ بلا ندية، ويزاحم السياسيين في بيئة سياسية جرداء.

المرحوم الشيخ محمود شلتوت، الذي أطلق فتواه الحريصة على وحدة أبناء الإسلام، كان عالماً إسلامياً كبيراً، نال إجازة العالمية سنة 1918، وعين مدرساً بالمعاهد، ثمّ بالقسم العالي ثمّ مدرساً بأقسام التخصص، ثمّ وكيلاً لكلية الشريعة، ثمّ عضواً في جماعة كبار العلماء، ثمّ شيخاً للأزهر منذ 1958.

ولا يسعني أن أسرد الخلفية العلمية والأخلاقية والدينية لصاحب الخطاب الذي ينضح بقذارة النفس المريضة؛ فصيته أكبر من حجم التأثير المحتمل لهذا المقال، وفضائله ملأت الخافقين وضحاياه وضحايا المرحلة لازالوا أحياء يرزقون، وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.

هذه النوعية من الشتائم المنبرية، والتي اعتاد عليها البحرينيون بالمناسبة، واعتادوا أن تمرّ مرور الكرام دون أية محاسبة قانونية رادعة، لها تأثيرات خطيرة ليس على المستوى المباشر والظرفي فحسب، بل على المدى البعيد، فهذا الفكر العدمي الخطير إذا ما وجد طريقه إلى الانتشار والتجذّر في عقول الناشئة، فستكون عواقبه مدمّرةً على نسيج البلد وأمنه، وهو إذا كان اليوم يوجّه نيرانه وخطاباته المناوئة إلى طائفة بعينها – لأسباب تكتيكية تفرضها شروط المرحلة – فهو غداً سيعمل على توسيع مدى معركته على خصوم سيكونون كثراً حتماً، وما تجربة سورية والعراق عنا ببعيد.

إن غضّ النظر عن هذه التصرفات الرعناء، والخطابات الطائشة، يثير الشك في سكوت الأجهزة الرسمية وربما تورط بعضها في عملية الاستهداف الطائفي للمكوّن المذهبي الآخر. وهو استهداف بدأ بعد فبراير 2011 ولم يتوقف، بل راح يتكاثر ويأخذ شكل الظاهرة، لأنه يلقى بيئة محفزة تحرّضه على التمادي والإيغال في أكل لحوم المسلمين. ويكفي أن نذكر أن أحد السادة النواب كانت كل حصيلة إنجازاته النيابية سيلاً من الشتائم النابية يكيلها كل أسبوع ضد «الرافضة المجوس» متمتعاً بحصانة نيابية باعتباره ممثلاً للشعب ..الكافر طبعاً!

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4336 - الإثنين 21 يوليو 2014م الموافق 23 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 10:42 ص

      الحكومة

      الحكومة تؤيد كلام فليفل والدليل غلق مجلس العلمائى يعنى كلهم فى الهوى سوى الله اصبر شعب البحرين الطيب من الظلم والله كريم

    • زائر 17 | 6:50 ص

      كان زمان

      هذا كان قرار من شلتوت ، هو يتحمل مسؤوليته التاريخية وهو غير ملزم لسواد اهل السنة والجماعة ، النهر العظيم للإسلام

    • زائر 15 | 6:44 ص

      أخي العزيز وسام

      أنت تخاطب فئة جاهلة مثلاي خذ هذا التعليق على مقالك ( بكل فخر شيعية رافضية موالية لأهل البيت عليهم السلام وافتخر فإذا صليت وصمت وزكيت وحججت بيت الله اطمأننت إني أسير على نهج رسول الله وآل بيته فأشعر بالسعادة وأحمد الله على نعمة الإيمان والموالاة لأهل بيت النبوة ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) صاحب هذا الخطاب لايعرف شئ ولم يسمع به من قبيل حرية المعتقد والرا] وحرية التعبير فهمه ( أنا شيعية او شيعي او سنية او سني والإتخر ) طيب بماذا تفتخر هل كونك شيعي او سني علماً ان الشيعة والسنة ت

    • زائر 13 | 5:53 ص

      شلتوت يمثل نفسه فقط لا غير

      شلتوت يمثل نفسه فقط لا غير و هو لا يمثل إجماع الامة على الإطلاق

    • زائر 12 | 5:39 ص

      هناك أشياء لم نتذكرها

      لو كانت هناك نيه حسنه لفتوي الشيخ شلتوت لدي ايران لتم بناء مسجد واحد للسنه في ايران وعدم مضايقتهم في أمورهم الدينية ، مصيبتنا اننا ننسي هذه الأشياء

    • زائر 16 زائر 12 | 6:44 ص

      كذاااااب

      انه بروحي سائل ناس عجم سنه من ايران وبشتغلون اهني يقولون انهم عندهم كامل الحرية في ايران فلا تعزف على وتر قديم يا اخي...سنة ايران عنهم ممثلين في البرلمان وفي المجلس اللي ينتخب حتى قائد الثورة..

    • زائر 11 | 5:35 ص

      دعه يفرغ حقيقة ما بداخل صدور القوم

      بداخل الصدور امور لا يعلمها الا الله وجاءت هذه الازمة لكي تفضح المستور

    • زائر 10 | 5:32 ص

      وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد

      هاذا عمره ما بيتادب بالعكس انا اقول يا ريت يزيد في الي يسويه ما نبي الله ياخذ منه شي في الدنيا بالعكس خله يستانس حسابنه نبيه منه في الاخره يوم الي ما بتنفعه الدواعش بيوقف ذلييييل قدام كل مظلوم انظلم بسببه يبوس الايادي و الاقدام للصفح و محد بيصفح عنه دائما ادعو له انه الله ياخذ الحق منه في الاخره

    • زائر 8 | 4:14 ص

      النبأ العظيم الذي اختلف فيه المسلمون = الاعتصام بكتاب الله والعترة هما المنقذان

      المحنة والغربال وباب حطّة والغرفة من النهر التي ابتلي بها اتباع داوود مقابل جالوت وقربان الحق الذي تقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل. هذه امثلة لأمور وردت في القرآن تدلّل على ان الله لا بدّ وان يمتحن كل امّة وكل انسان=هناك امتحان خاص بالافراد وامتحان عام للأمة. وآل محمد ص هم امتحان لهذه الأمة وحديث الثقلين: كتاب الله وعترتي وسفينة نوح هذه دلائل على اين الصواب

    • زائر 6 | 3:11 ص

      خطوة جامعة إيران في دراسة فقه السنة بداية الغيث

      المتطرفون لن يسكتهم شيئ ، لكن تبقى دفعة بسيطة بعد خطوة جامعة إيران في دراسة فقه السنة لطمئنة المعتدلين من السنة. فقد آن الأوان لإصدار فتوى شيعية على غرار ما أفتى به الشيخ شلتوت نصها: «إن المذاهب السنية مذاهب يجوز التعبد بها شرعاً كسائر مذاهب الشيعة».

    • زائر 14 زائر 6 | 6:05 ص

      لسنا بحاجة لهذه الفتوى

      لسنا بحاجة لمثل هذه الفتوى فلا يمكن للأغلبية الساحقة من المسلمين ان تقبل بفتوى كهذه من أقلية

    • زائر 5 | 3:05 ص

      اعبد الله كما تشاء

      اعبد الله كما تشاء ليس لأحد ان يمنعك حتى لو شئت ان تعبده بطريقتك الخاصة

    • زائر 7 زائر 5 | 3:48 ص

      أحسنت أخي وساام

      إن هذا المخلوق لا يعرف من العلم أو الدين إلا الفتات ولا يتعمق في بحوثه واستدلالاته بالنصوص القرآنية أو الحديثية ولا أدري هل السبب هو الجهل أم التدليس !!!
      والمصيبة أن هذا المخلوق الغريب متحمس جدًا وواثق جدًا بما يطرحه !!!! و كان مقالك أستاذ السبع قوية جدًا و راقيًا لتبين له ولمن يصفق ويطبل ويزمر له قدره الحقيقي ...

    • زائر 4 | 1:39 ص

      الساكت عن الحق شيطان اخرس

      هذا التافه هو ممثل داعش في البحرين وهو يفتخر بذلك وهو راس حواضن الدواعش فاذا قدم الدواعش للبحرين وهذا ليس مستبعد هناك قرى ومدن حاضنه على غرار الوضع في العراق ومن الحواضن لدينا الرفاع والبسيتين والمحرق والبديع والحد والحبل على الجرار احنا في البحرين مصيرنا القتل على ايدي الدواعش لاننا مرتدين في نظرهم بس سمعوها مني حتى انتم السنه لستم في حل من قطع الرقاب وعلى الظالم تقوم الدوائر

    • زائر 3 | 1:12 ص

      أتمنى أن يعاقب هذا المعتوه

      أنا أحد ضحاياه في فترة التسعينات سجنت وعذبت وقطع رزقي ورزق عائلتي بدون سبب ولا أعرف لماذا حدث لي كل هذا لحد الآن وهذا كله بأوامر من عند العقيد القار والشيخ المصلح التائب حاليا، بعد خروجي من المعتقل لم يجد غضاضة في ان يساومني على العودة للعمل إلا إذا عملت ضمن كوادره وسوف يعطيني صك البراءة والعودة للعمل وبراتب لا أحلم به فقط أعمل معه وأشي بمن أشاء وخاصة أهل قريتي . وعندما رفضت طبعا هذا العرض السخي قال خلاص روح صفط سمج في المركزي وانسى وظيفتك. أتمنى أن تدور عليه الدوائر ويلاقي جزاء أفعاله الدنيئة.

    • زائر 9 زائر 3 | 5:23 ص

      زيك ألوف

      كان الله في عونك اخي الكريم .. المصريين عندهم مثل معبر .. يقول (ياجاي مصر .. زيك ألوف) .. وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون

    • زائر 2 | 11:03 م

      شيعية رافضية موالية وافتخر

      بكل فخر شيعية رافضية موالية لأهل البيت عليهم السلام وافتخر فإذا صليت وصمت وزكيت وحججت بيت الله اطمأننت إني أسير على نهج رسول الله وآل بيته فأشعر بالسعادة وأحمد الله على نعمة الإيمان والموالاة لأهل بيت النبوة ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )

    • زائر 1 | 10:59 م

      شكرًا.

      شكرًا جزيلا على مقالاتك الراءعة

    • زائر 21 زائر 1 | 10:48 ص

      شكرا لمرورك

      شكرا لمرورك الكريم

اقرأ ايضاً