العدد 4341 - السبت 26 يوليو 2014م الموافق 28 رمضان 1435هـ

الدور البريطاني من «الحماية» إلى «الإصلاحات الإدارية»

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

بعد ما يقرب من المئة عام من العلاقة مع البحرين (التي بدأت في 1816م)، استطاعت بريطانيا في عشرينات القرن الماضي أن تنفذ للداخل البحريني وأن تضغط باتجاه تنفيذ الإصلاحات الإدارية. كانت فكرة الحماية من الاعتداءات الخارجية هي الحاضرة في بداية العلاقات الثنائية، ولكن تداعيات الأحداث أدت إلى دخول بريطانيا في قضايا الشأن الداخلي.

برز النفوذ البريطاني بصورة أكبر بسبب انعدام الاستقرار الداخلي بالإضافة إلى حاجة البحرين للحماية البريطانية من الاعتداءات الخارجية. يذكر محمد الرميحي في كتابه «البحرين: مشكلات التغيير السياسي والاجتماعي»، أن الصراعات الداخلية، التي سبقت اختيار الشيخ عيسى بن علي حاكماً على البحرين (في 1869م)، كانت الثغرة التي نفذت منها بريطانيا للداخل البحريني.

كان تصاعد هذه الصراعات سبباً لتصاعد النفوذ البريطاني في البحرين حسب الرميحي. بالإضافة إلى ذلك، فإن التجاذبات الداخلية وخصوصاً بسبب عدم إنشاء المؤسسات الإدارية بعد في تلك الفترة قد ساهمت في وجود حالة من عدم الاستقرار الداخلي وهو ما فتح باب التدخلات البريطانية.

من جهة أخرى، مثلت حاجة البحرين للحماية من الاعتداءات الخارجية مدخلاً لبريطانيا لعقد الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي وفرت الأرضية، ولو بشكل متدرج، للتدخلات البريطانية. اللافت هنا أن أول اتفاقية بين بريطانيا والبحرين بدأت في 1820، ولكن التدخلات البريطانية في الشئون الداخلية بدأت بعد توقيع معاهدة العام 1861 مع البحرين والتي اعترفت فيها بريطانيا بالبحرين كبلد مستقل. فمن المفارقات أن يتركز التدخل البريطاني في الشئون الداخلية للبحرين بعد اعتراف بريطانيا باستقلال حكم المشيخة في البحرين. في الوقت الذي ساهم هذا الاعتراف البريطاني في درء المخاطر الخارجية عن البحرين، إلا أنه فتح الباب واسعاً لبريطانيا للولوج إلى الشأن الداخلي، خصوصاً مع الفروقات الهائلة في موازين القوى بين الدولتين.

لعل من الأمور التي سمحت لبريطانيا بالنفوذ للداخل البحريني هو سعيها لتحسين وضع الأجانب في البحرين (الذين كانوا يشتكون من سوء المعاملة)، خصوصاً أن بعض الأحداث التي وقعت لهم أوجدت خشية بريطانية من أن يكون ذلك منفذاً لتدخلات قوى خارجية منافسة.

يتضح الاهتمام بشئون الأجانب من خلال الزيارات التي قام بها بعض كبار المسئولين البريطانيين في تلك الفترة للبحرين لإثارة القضايا الخاصة بهم. فقد

زار البحرين نائب الملك البريطاني (حاكم الهند) اللورد كيرزون في 26 - 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1903، وطلب من حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة إصلاح الجمارك، كما تطرق إلى مسألة السلطة القضائية على الأجانب لكي تنضوي تحت سلطات بريطانيا. وأكد كيرزون أن بريطانيا اعتمدت اسم الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة كولي للعهد.

ويذكر الرميحي، انه في سبتمبر/ أيلول 1904 وقعت حادثة بين ابن أخ الحاكم وموظف محلي تابع لشركة ألمانية (السادة فون هاوز)، وعلى إثر ذلك تقدمت الشركة الألمانية بشكوى إلى القنصل الألماني في بوشهر، والذي أوصلها بدوره إلى المقيم السياسي البريطاني (المسئول عن الإدارة البريطانية في الخليج). وفي نوفمبر 1904 وقعت حادثة مماثلة بين الشخص ذاته واثنين من الإيرانيين اللذين تقدما بشكوى إلى شاه إيران، ووصلت أيضاً تفاصيل القضية إلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر.

كما يذكر الرميحي، أن المقيم السياسي في بوشهر (رئيس الخليج) الميجور بيرسي كوكس زار البحرين في مطلع 1905، وكان مخولاً بسلطات لتقصي الحقائق بشأن المشاكل التي كان يتعرض لها الأجانب في البحرين، كما كان لديه تخويل باستخدام قوات الأسطول البريطاني إذا لزم الأمر. وقد أجرى كوكس مفاوضات مطولة مع حاكم البحرين ولم يتوصل إلى اتفاق، وعليه أصدر إنذاراً في 23 فبراير/ شباط 1905، يطلب فيه تسفير ابن أخ الحاكم إلى خارج البلاد لمدة خمس سنوات، وأن يدفع غرامة ألفي روبية إلى الذين اشتكوا عليه. كما اشترط على الحاكم الاستماع إلى نصيحة الوكيل السياسي البريطاني في البحرين. كما وطالب كوكس بإلغاء «السخرة» على الأجانب - وهي إجبار الآخرين على العمل من دون مقابل. وتم وضع جميع الأجانب تحت السلطات القضائية البريطانية. كما تولى الوكيل السياسي أيضاً إعتاق العبيد من العبودية وتأمين أوضاعهم بشكل مناسب.

سعت بريطانيا آنذاك لإبعاد الدولة العثمانية عن المشيخات الخليجية التي وقعت على اتفاقيات الحماية، ولذا قامت بتوقيع اتفاقية مع الباب العالي العثماني في 26 يوليو/ تموز 1913 وذلك لتحديد حدود الولايات العثمانية في الكويت وقطر والبحرين وشط العرب. وقد كانت الكويت تحت الحكم العثماني منذ عام 1871، وفي العام 1875 أدرجت الحكومة العثمانية تحت ولاية البصرة، ولكن الحكم العثماني كان بشكل رمزي. وفي 1899 وقعت الكويت مع بريطانيا اتفاقية الحماية، وأدت الضغوط البريطانية على العثمانيين إلى التخلي عن التمديد المقترح لخط السكك الحديد إلى الكويت، ومنعت بذلك تمدد النفوذ التركي والألماني إلى الخليج.

بالنسبة للبحرين، فقد ثبتت بريطانيا - من خلال توقيع الاتفاقية مع الباب العالي العثماني - أنها محمية بحكم الاتفاقيات معها. منذ ذلك الحين خطت البحرين خطوات متقدمة في بناء مؤسسات الدولة، ولتثبيت سلطاتها وصلاحياتها أصدرت بريطانيا في 15 أغسطس/ آب 1913 مرسوم ملكي بريطاني Bahrain Order-in-Council (من مجلس الملك Privy Council)، ونشر في London Gazette، وذلك لتنظيم ممارسة السلطات القضائية البريطانية على الأجانب في البحرين. وبسبب الحاجة إلى إجراء مباحثات مع الدولة العثمانية حول تقاسم النفوذ في الخليج، وبسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى لم يطبق هذا المرسوم بقانون إلا في 1919.

يتألف هذا المرسوم الملكي البريطاني Bahrain Order-in-Council من سبعة أجزاء في تسع وسبعين مادة، بالإضافة إلى ملحق، ولم يخول هذا المرسوم بقانون الوكيل السياسي البريطاني في البحرين بالسلطات القضائية على كل الأجانب في البحرين فحسب، وإنما ومنحه الحق في اختيار نصف أعضاء «مجلس العرف» - لفض الخلافات بين التجار - وفي تعيين قضاة «محكمة السالفة» - لإصدار الأحكام فيما يتعلق بصناعة اللؤلؤ - بالاتفاق مع شيخ البحرين. وقد احتفظ الشيخ بحق تعيين قضاة المحكمة الشرعية، قاضٍ سني وآخر شيعي، على أن يوافق الوكيل السياسي على القضاة المرشحين.

ونص المرسوم على إنشاء محاكم أخرى مثل «المحكمة العليا» التي لها كل السلطات القضائية التي تتمتع بها المحاكم العليا (المادة 14) ويرأسها المقيم السياسي في منطقة الخليج، و «محكمة صغرى» (المادة 35) التي يلعب فيها الوكيل السياسي في البحرين دور «قاضي المنطقة».

كما تم إنشاء محكمة ثالثة، وهي «المحكمة المشتركة» التي تتألف من الوكيل السياسي ومن مسئول يعينه الشيخ.

ولقد نص المرسوم على إحكام وتنظيمات متعددة، وخول الوكيل السياسي البريطاني في البحرين بسلطات واسعة، إذ نصت مادة على أن «الأحكام التي يصدرها قضاة المحاكم الشرعية لا تصبح نافذة المفعول إلا بعد تصديق الوكيل السياسي عليها، وكذلك يحق للوكيل السياسي تعديل نتائج التحقيق وتعديل الحكم نفسه».

ونصت مادة على تعريف الأجانب، وهم «الأشخاص الذين اتفق شيخ البحرين مع (ممثلي) جلالة الملك (البريطاني) أو تنازل الشيخ له، على ممارسة الأخير للسلطات القضائية عليهم.

في العام 1919 تم إنشاء محكمة مشتركة يرأسها المعتمد البريطاني والشيخ عبدالله بن عيسى، مهمتها النظر في الدعاوى التي يقيمها الأجانب على البحرينيين. وفي العام 1920 تم إنشاء المجلس البلدي الذي كان - في بداية الأمر - برئاسة الشيخ عبدالله بن عيسى ويتألف من ثمانية أعضاء معينين: أربعة بحرينيين يعينهم الشيخ عبدالله، وأربعة أجانب يعينهم المعتمد (الوكيل) البريطاني، وقد تولى هذا المجلس بعض المهام المدنية كالصحة والمواصلات والكهرباء، وكانت له فرقة من الحرس البلدي حلّت محل فرقة الفداوية.

وفي العام 1920 أيضاً، تم تعيين أول قاض شيعي كموظف رسمي من موظفي الدولة. وفي يناير/ كانون الأول 1921 عينت بريطانيا الوكيل السياسي (المعتمد) البريطاني الجديد الميجور كلايف دايلي الذي أعلن منذ بداية تعيينه أنه سينفذ كل الإصلاحات الإدارية المنصوص عليها في المرسوم الملكي البريطاني وفي الاتفاقيات بين البلدين، وتسلم رئاسة بلدية المنامة ولي العهد آنذاك الشيخ حمد بن عيسى (في 18 يونيو/ حزيران 1921) كما تولى الإشراف على الإصلاحات الإدارية.

وفي 6 فبراير/ شباط 1922 بدأت «انتفاضة البحارنة» ضد نظام السخرة (استخدامهم في العمل المجاني رغماً عنهم) والرقابية (ضريبة تفرض على كل ذكر منهم يبلغ 15 عاماً وما فوق) والضرائب الأخرى التي كانت تفرض عليهم فقط، وأغلق البحارنة محلاتهم في سوق المنامة، وطالبوا بإنهاء الممارسات الظالمة ضدهم.

حدثت أمور كثيرة جداً بعد ذلك، وفي 26 مايو/ أيار 1923 وصل المقيم السياسي البريطاني بالوكالة ستيوارت نوكس وعقد اجتماعاً تاريخياً، بحضور الوجهاء وممثلي الفئات المختلفة (حضر الاجتماع ما بين 200 و300 شخص)، وتم الإعلان عن تشكيل إدارة جديدة وتنفيذ الإصلاحات الإدارية برئاسة نائب حكومة البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة.

من الملاحظ أن المسائل المتعلقة بأوضاع الأجانب في البحرين كانت من أهم القضايا المثارة في زيارات المسئولين البريطانيين للبحرين في مطلع القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، فقد استفادت بريطانيا في تلك الفترة من حاجة البحرين كدولة، إلى مؤسسات إدارية حديثة تطور الأداء من جهة، وتقلص من مساحة السلبيات التي قد تقع فيها الممارسات القائمة على التعاطي غير المؤسسي في شئون الدولة، الأمر الذي أدى إلى تعيين الوكلاء السياسيين البريطانيين للدفع باتجاه بناء هذه المؤسسات.

كانت مهمة الوكيل السياسي البريطاني في البحرين هي السعي لتنفيذ السياسة البريطانية القائمة على إجراء الإصلاحات في البحرين لتكون أكثر استقراراً بما يساهم في حفظ المصالح البريطانية، ويجنب البحرين خطر الاضطرابات والقلاقل المستمرة بما قد يفسح المجال لقوى أخرى للتدخل، وهكذا تحول الدور البريطناني من الحماية الخارجية الى تنفيذ الاصلاحات الإدارية على مستوى الداخل.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4341 - السبت 26 يوليو 2014م الموافق 28 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:15 ص

      سبب

      سبب ظلم البحرين خصوصا الشعب هى بريطانيا وحلفائها المشتكى لله

    • زائر 4 | 6:01 ص

      البريطانيون اساس مصائب اي بلد يدخلونه

      نعم هم اساس مشاكلنا في البحرين وفي غيرها من البلدان التي وطأت اقدامهم لها.

    • زائر 2 | 2:09 ص

      التاريخ

      احسنت عزيزي الكاتب على هذا المقال .. هل يمكنك ان تذكر التفاصيل في "انتفاضه البحارنه" في المقال القادم ?

    • زائر 1 | 11:50 م

      ما عرفته من هذا المقال التاريخي

      الانسان يستغل الانسان منذ الازل وحتي اليوم. لا يمكن ازالة الاستغلال البشري و تطبيق اي قانون الا بالقوة. جميع القوانين تقن لصالح الحاكم و الطبقة الحاكمة. ما هو التغيير اذن بعد كل هذه القرون؟

اقرأ ايضاً