العدد 4343 - الإثنين 28 يوليو 2014م الموافق 01 شوال 1435هـ

صديق العمر... والخيانة

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال نائب وزير الخارجية الأميركية المدعو نيكولاس كاتزنباخ في تسجيل شفوي: «كنا واثقين من نجاح إسرائيل في ضربتها ثقة كاملة لأنهم كانوا في وضع يسمح لهم بمعرفة الحقائق على الجانبين».

وقبل أن يطلع فجر يوم الخامس من يونيو/ حزيران 1967 بساعات، كانت هناك سفينة يُطلق عليها «The Big Ears» تملكها البحرية الأميركية بالتعاون مع وكالة (NSA) المتخصصة بالتجسس على مواصلات واتصالات العالم؛ معبأة، كما يقول محمد حسنين هيكل، بصفوف من العقول الالكترونية وأجهزة فك الشفرة وأجهزة التصنت والتسجيل، ويعمل عليها 279 رجلاً، كانت سفينة التجسس هذه هي «ليبرتي». وكانت قد دخلت منطقة عملياتها الجديدة شرق البحر الأبيض المتوسط في 2 يونيو، وتمكنت سريعاً من التجسس على الشبكات المصرية، والأردنية، والإسرائيلية أيضاً.

هذا كان جزءاً من السيناريو الواقعي، وليس التلفزيوني الخيالي، الذي حصل في عهد الرئيس الأميركي السادس والثلاثين ليندون جونسون، في شهر يونيو 1967، قُبيل يوم الخامس منه، لمصر الناصرية من مأساة عسكرية تاريخية مازالت تأثيراتها حاضرة حتى اليوم.

ونحن لا نعيد قراءة التاريخ هنا من باب سرد الحكايات، وقد فرغنا للتو من فعالية تاريخية ليوم القدس العالمي ضد الكيان الصهيوني الغاصب في آخر جمعة من شهر رمضان؛ بل لأن في التاريخ أعظم الدروس لمن يخطط دائماً للاستفادة منها. فهو أفضل وأعظم مدرسة، إجباري الدخول إليها، ولكن لم يُحسن القادة العرب حتى اليوم، وخصوصاً مصر، الاستفادة منها أو حتى التخرج من صفها الابتدائي الأول!

هذا ما أثاره، بشكل جزئي، المسلسل الدرامي الرمضاني «صديق العمر»، وخصوصاً في ما يخص نكسة يونيو 1967، التي تمر سنوياً ولم يعد القادة العرب، ولا المصريون، يقفون عندها طويلاً لجعلها منهجاً للدراسة والتخطيط المعاكس لما حدث بها وأدى إلى هزيمة عربية مازالت آثارها ماثلةً حتى اللحظة في الصراع بين بعض القوى العربية، وهم اليوم خط الممانعة والمقاومة ضد مخططات أعداء الوطن المنكوب؛ وبين الكيان الصهيوني.

مرت في المسلسل خلال ثوانٍ فقط، ولكنها استغرقت ثلاث ساعات ونصف، لتنهي طائرات الكيان الصهيوني توجيه أكبر ضربة جوية قاضية للجيش المصري في صبيحة يوم 5 يونيو. حين أرسل قادة كيان الاحتلال 174 طائرة في غارات متزامنة لضرب كل قواعد الجيش المصري في العمق من الضفة الغربية لقناة السويس وحتى مطار الأقصر في جنوب الوادي. ثم ألحقوها بموجة أخرى من 161 طائرة ركزت على المطارات المتقدمة في سيناء، ثم ختموها بوجبة ثالثة من 157 طائرة اكتسحت ما بقي من حطام على مدارج المطارات والقواعد المصرية.

مع أن هناك شكاً كبيراً في أن تكون كل هذه الطائرات تابعة للكيان الصهيوني، في ظل موافقة الولايات المتحدة، وبريطانيا على قرار شن الضربة القاتلة ضد مصر عبدالناصر.

وكما قال هيكل في كتابه «1967... الانفجار»، بجهد 492 طائرة حربية، مركزة في ثلاث موجات كان مصير معركة العام 1967 قد تقرر فعلاً، وهي أهم فوائد الحرب الخاطفة.

كذلك لم ينجح مخرج المسلسل في تصوير ضربة يوم 5 يونيو كما هي درامياً، بسبب ضعف الإمكانيات المادية للعمل. كما كان وقعها عادياً على القيادة المصرية ولم يستغرق سوى دقائق من عمر الحلقة الثامنة والعشرين، بجانب الكم من الدقائق التي صرفها المسلسل في أمور جانبية أقل أهمية من لحظة تلك المأساة العسكرية التي حلت بالجيش المصري في ذاك اليوم ودور عبدالحكيم عامر بها.

ولكن ما لم يطرحه العمل الدرامي صراحة وبكل شفافية، أن من أهم أسباب هزيمة يونيو المؤلمة جداً لمصر الناصرية وللعرب عموماً ولحركات التحرر التي كانت ترى في عبدالناصر وخطه المقاوم مثلها الأعلى وقدوتها وسندها في مصر الثورة آنذاك وليس الآن؛ هو فساد وخيانة أجهزة الحكم والمخابرات التي عملت في حكومة الرئيس عبدالناصر، بعد أن وثق بهم وبقدرتهم على حمل أمانة الثورة معه وأهمهم المشير عبدالحكيم عامر.

وقد كشفت وثائق أميركية أن صلاح نصر، مدير المخابرات في عهد جمال عبد الناصر، كان أحد أهم أسباب نكسة 1967، حيث تسبب في تسريب معلومات مهمة عن وحدة رادار حصل عليها عبد الناصر من روسيا، قادرة على كشف الطائرات الإسرائيلية حتى قبل إقلاعها من مطاراتها كما أخبره السوفيات بذلك.

لكن للأسف، أن أجهزة مخابرات الكيان الصهيوني، علمت بأمر ذلك الرادار بجملة واحدة مشفرة أرسلتها جاسوسة عملت لحساب الموساد الإسرائيلي في شبكة النساء سيئات السمعة التابعة لصلاح نصر في القاهرة كان محتواها «الرادار الروسي أعمى تحت 500 متر».

من هنا، كثُر الهجوم على رجل المخابرات الأول في مصر الناصرية منذ تلك الفترة، وبعد وفاته حتى اليوم، بسبب علاقاته النسائية مستغلاً جهاز المخابرات في ذلك. كما ذكرت إحدى الفنانات أن من صور الظلم التي تعرّضت لها في عهده، أنه أجبر زوجها على تطليقها كي يتزوجها هو! إلا أن ابنه هاني صلاح يقول مدافعاً عن والده ومبرراً: «لم يستخدم أبي الجنس، في الحصول على المعلومات إلا مع قليل جداً من الفنانات وكان ذلك تطوعاً منهن وبرغبة منهن. كن يعملن بمحض إرادتهن وبمرتبات مجزية وامتيازات كثيرة». وحول تصويرهن في العلاقات السرية من قبل جهاز المخابرات لضمان ولائهن للجهاز قال: نعم كان يتم ذلك وبعلمهن وليس سراً. وأن والده ليس السبب في ذلك!

بل إن والده صلاح نصر، كان شعاره آية كريمة يضعها في مكتبه وهي: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».

وقد قالوا في المثل المصري: ليس هناك دخان من غير نار، وهذا ما ينطبق على رجل المخابرات هذا. وكما قال عنه الصحافي عادل حمودة: «في أكتوبر 1956، بعد حرب السويس، انضم صلاح نصر إلى المخابرات العامة، فولدت الأسطورة. في أكتوبر 1967، بعد حرب يونيو، دخل السجن الحربي، فانفجرت المأساة. إن مصر هي أرض النبوات والمعجزات... لكن صلاح نصر أضاف: وأرض المخابرات أيضاً».

كل هذه الحقائق والحيثيات، لم يطرحها مسلسل «صديق العمر» للأسف، مراعاةً لكثير من الأمور، وتجنباً لمنع عرضه أو عدم إنتاجه أساساً، لكنه فجّرها على الملأ بين المشاهدين بشكل غير مباشر، فصار حديث الساعة ونحن نواجه آلة الحرب الصهيونية اليوم ومؤامراتها السياسية على الوطن العربي لتمزيقه جغرافياً، وطائفياً، وأثنياً. وللحديث بقية.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4343 - الإثنين 28 يوليو 2014م الموافق 01 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً