العدد 4357 - الإثنين 11 أغسطس 2014م الموافق 15 شوال 1435هـ

كتاب «حاضر البحرين» للشيخ إبراهيم المبارك

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

يعترض الكتاب والكتابة المحلية في التاريخ البحريني عوائق وصعوبات عديدة، تبدأ بندرة المصادر المحلية ونقص المحاولات السابقة في التوثيق، في مجتمعٍ يعتمد الشفاهية طريقةً فضلى للتخاطب وتداول المعلومة التاريخية بين الأجيال، بما يجعل الكثير من هذه المرويات في مرتبة «القصص الشعبية»، أكثر مما هي تاريخاً حقيقياً يتمتع بمصداقية قادرة على الإقناع ويصمد أمام محك المساءلة النقدية المعاصرة.

والمحاولات التاريخية المكتوبة بأيدٍ بحرينية، والتي قُدّر لها أن تنجو من بين ركام السنين وقسوة القرون الماضية، قليلةٌ بل نادرة، فأكثر التراث العلمي ضاع أو أُتلف أو تعرّض للنهب، أو فُقد بسبب الإهمال والتهاون.

ولكن ما وصلنا من هذا التراث كبير وجليل، ويستحق أن نحوطه بالعناية والإخراج اللائق، والدراسة والتحقيق والتيسير، وهو ما لا يحدث مع الأسف.

لقد ازدهر التأليف التاريخي العربي بمدارسه التقليدية، وعلى رأسها مدرسة التراجم، التي تعد أقوى المدارس في المشرق والمغرب على السواء، وقد شهد الربع الأول من القرن العشرين محاولات عديدة لتأصيل الهوية العربية والحفاظ على التراث العربي في عموم المنطقة العربية ومنها البحرين.

مع مجيء نظام الحماية البريطاني، تعاظم إحساس النخبة المثقفة بمسألة تعميق الوعي الوطني، كجزء من المسئولية النضالية التي كانت تستشعره تجاه بلدها. وقد تفاقم هذا الشعور بصورة أكبر مع تزايد النشاط التبشيري الذي كانت تمارسه الإرساليات الأجنبية، ما جعلها مباشرة أمام استحقاق صعب يحمل وجهاً ثقافياً وسياسياً في آن.

وقد ساهم عامل الاستقرار السياسي والاجتماعي النسبي، في الربع الأول من القرن العشرين، إلى ظهور العديد من المحاولات الرائدة التي سعت إلى تعويض هذا النقص الحاد في المادة التاريخية، وساد الشعور في الأوساط السياسية والثقافية بأن حركة التحديث يجب أن تتزامن مع حركة موازية تهدف إلى ترسيخ تراث البحرين وتحديد معالم هويتها الثقافية والتاريخية، فظهرت مجموعة مؤلفات رائدة في تاريخ البحرين، من هنا ظهرت جهود مهمة في هذا الإطار كان منها كتاب الشيخ إبراهيم ناصر المبارك (ت 1979) «حاضر البحرين» الذي كتبه وحاول نشره في حياته، إلا أن اعتراض الرقابة المتكرّر في حينه على بعض مضامين المادة العلمية للكتاب حال دون نشره في حياته، إذ وجد المبارك أن عدم نشر الكتاب أفضل من نشره ناقصاً أو بمادة علمية يداخلها العبث والتحريف.

يشتمل كتاب المبارك على مقدمة موجزة عن البحرين، وأبواب متعددة حملت العناوين التالية: حكام البحرين، بلدان البحرين، مزارات البحرين، القضاء في البحرين، الجمعة في البحرين، المدارس في البحرين، أئمة الجماعة في البحرين، وقد طُبع الكتاب العام 2004، وهو جهد غير مكتمل؛ فالمطبوع منه هو أقل مما في المخطوط، إذ احتوى المخطوط على قصائد عديدة تضمنها ديوانه الشعري أيضاً. وقد قام الشيخ علي المبارك نجل المصنف المبارك، بوضع حواشٍ على الكتاب قبل تاريخ نشره بمدة، ونأمل أن يطبع هذا العمل كاملاً بالاضافات الجديدة ليتسنى للمهتمين بتاريخ وتراث المنطقة الانتفاع به.

بالطبع لم يكن المبارك وحده من سلك هذا الدرب الوعر، فقد كانت هناك جهود سبقته ولحقته، أبرز هذه الجهود السابقة جهد الشيخ حسن بن علي البلادي (ت 1922) في كتاب «أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين». ولقد رتب البلادي كتابه في ثلاثة أبواب وخاتمة، وتضمنت مقدمته معلومات وافية عن البحرين ومدنها الثلاث إجمالاً، وفي الباب الأول خصصه لترجمة علماء البحرين وهي جزيرة أوال، وفي الباب الثاني قدّم فيه ترجمته لعلماء القطيف (الخط)، فيما خصّص الباب الثالث للحديث عن علماء الأحساء (هجر).

وفي السياق نفسه، جاءت أيضاً محاولة الشيخ محمد علي آل عصفور (ت 1945) من خلال كتابه «الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر»، الذي انتهى من تصنيفه العام 1901 كما ذكر في خاتمة عمله.

وكذلك قدم الشيخ محمد بن خليفة النبهاني (ت 1950) في كتابه «التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية» مادة تاريخية مهمة، إذ تناول تاريخ البحرين حتى العام 1922.

وكان لجهود الأديب ناصر الخيري (ت 1925) التوثيقية دور بارز، إذ قدّم في كتابه «قلائد النحرين في تاريخ البحرين»، معلومات على جانب كبير من الأهمية، وقد توقف الخيري في كتابه عند أحداث العام 1923. وكتاب محمد علي التاجر (ت 1967) الذي يتوقف أيضاً عند أحداث العام 1923، مع بعض التعليقات على أحداث تصل إلى العام 1932.

وتمثل الجهد العلمي والتاريخي الذي خلّفه الحاج التاجر في عملين، الأول في كتابه «عقد اللآل في تاريخ أول»، والذي طبع العام 1994، والثاني بكتابه الموسوعي «منتظم الدرين في أعيان الأحساء والقطيف والبحرين»، وطبع العام 2009 في ثلاث مجلدات.

استندت هذه الجهود الكتابية المتأخرة على تراث علمي قديم، مثلته الجهود التأسيسية في التاريخ المحلي للشيخ يوسف بن أحمد العصفور (ت 1773) في كتابيه المهمين: «لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العين»، وهو إجازة علمية، والإجازة هي «ما يكتبه الأستاذ لتلميذه يجيز به الرواية، ويسرد فيه أسماء مشايخه وكتبهم وطرقهم»، والتي انفرد فيها الشيخ يوسف بذكر الكثير من الحوادث التاريخية التي جرت في أعقاب الهجمات التي تعرّضت لها البحرين من قبل اليعاربة العمانيين إبان القرن الثامن عشر الميلادي/ الثاني عشر الهجري، وكتابه الآخر: «جليس الحاضر وأنيس المسافر» والمشهور بـ «الكشكول».

ميزة كتاب حاضر البحرين أنه بمثابة «ريبورتاج صحافي» مطوّل عن حاضر البلاد كما عاشها المبارك، فقد نقل لنا المؤلف حقائق عاصرها، ووقائع جرت أمامه وعرفها، ما جعل الكتاب يتحلى بفرادة وخصوصية بين الكتب التاريخية.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4357 - الإثنين 11 أغسطس 2014م الموافق 15 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 12:06 م

      أزمة التوثيق

      ترجع أزمة التوثيق في الدول العربية إلى ضعف الوعي والثقافة التوثيقية البعيدة عن الشخصنة والميولات السياسية والدينية والعرقية والرؤى والعقلية العائلية فيما يتعلق بموضوع محاولات كتابة التاريخ أو تدوين التراث الوطني بحياد متوازن ..لذا فأن معظم المساهمات في هذا المجال لا تتعدى كونها أقرب لسجل أو مذكرات لا تتسع خارج أفق وتصورات ونطاق الفهم الشخصي لكتابها. مع التحية .الديلموني

    • زائر 11 | 9:21 ص

      شكرا لجهودكم الخيرة


      هدا ما كتبه الاجداد لنا فمادا نحن كاتبون لمن بعدنا

    • زائر 9 | 7:15 ص

      تنويه / استاذ وسام

      المقال ممتاز . فقط انوه الى ان الكتاب قد طبع قبل 21 عاما اي في عام1993 باشراف الميرزا محسن العصفور ونشر ته مكتبة اجياد في 1414 ه ، وبمقدمة من نجل المؤلف حميد المبارك . اما عنوان الكتاب فهو ( ماضي البحرين وحاضرها ) وليس ( حاضر البحرين ) كما اشار الكاتب اما الكتاب فيعود الى الستينات . والكتاب كامل بما فيها اشعار المؤلف . وطبعة 2004 هي الثانية . لذلك وجب التنويه . مع تحياتي - يوسف مكي

    • زائر 10 زائر 9 | 9:13 ص

      بخصوص اسم الكتاب

      بخصوص اسم الكتاب.. فإن الاسم المطابق لمضمون المادة العلمية فيه هو (حاضر البحرين) لان الكتاب لايتكلم عن تاريخ البحرين في الماضي .. بل كان يؤرخ للحاضر فقط (الان اصبح ماضي طبعا)،وعليه فهو الاصوب في نظري، ناهيك عن أن المخطوط يحمل هذا الاسم كما تؤكد العائلة.. وعليه فان طبعة مركز الجلاوي هي الادق من حيث وضع العنوان، علماً بأن الطبعة الاخيرة هي من تقديم ابنه شيخ حميد المبارك ايضاً.. تقبل تحيتي وتقديري استاذ يوسف

    • زائر 6 | 4:03 ص

      يؤرخ لثقافة معينة في البحرين ؟!

      كتاب (رجوع الشيخ الى صباه) يؤرخ لثقافة معينة في البحرين ؟!! كيف ؟!
      هذا كتاب تراثي في أدب الباه (التراث الجنسي) ولا علاقة له بالبحرين ولا بالتاريخ ياصديقي

    • زائر 4 | 2:49 ص

      مقال جميل

      شكرا على المقال الغني بالتاريخ واقعا نحتاج لمثل هذه المقالات التي تعرف القاريء البسيط بشيئ من تاريخ اوال العريق

    • زائر 3 | 2:09 ص

      كلن يكتب التاريخ حسب هواه

      اذا أردت قراءة متجردة من الانحياز فعليك بدليل الخليج للورمر اما البقية فكل واحد يبغي يبين ان جماعته هي الأفضل و هي الأصل و الفصل و الأكثر

    • زائر 7 زائر 3 | 4:35 ص

      كلامي في الجهود المحلية

      كلامي هو في الجهود البحرينية في كتابة التاريخ.. اما الكتب التاريخية المتعلقة بتاريخ البحرين والمنطقة فهي كثيرة جدا لايتسح لها كتاب وليس مقال

    • زائر 2 | 10:46 م

      مقال ممتاز و جهد مشكور

      بس للأسف هناك كتاب يفوق كل المؤلفات التي ذكرتها استاذي الفاضل و هو كتاب ( عودة الشيخ الى صباه) و هو كتاب يؤرخ لثقافة معينة في البحرين و يمكن الاطلاع عليه فهو جدير بالقراءة و التوثيق منه كمصدر من المصادر المهمة في رصد ثقافة جزئية او ما يسمى ب(sub culture) من ثقافات اهل البحرين المميزة. الله وقدرك على فعل الخير و رصد الحركة الثقافية و الأدبية في البحرين.

    • زائر 5 زائر 2 | 3:12 ص

      أستاذي المتألق

      شكر الله لكم أستاذي وسام وزادكم تألقاً ... بوركت الجهود، وجعلها الله سبيلاً إلى غد أفضل ، و أشكر فيك روح الأصالة الوطنية و خطواتكم الحثيثية لإبراز و إظهار التاريخ البحريني من خلال المعلومة التاريخية أو لفت أنظارنا للكتب التي تحتاج توثيق أو دراسة و هذا التراث البحريني سيندثر أكثر و أكثر في مهب أعاصير الرياح فنشدو على يدك و أمثالك لحمايته و يبقى لأجيالنا لا نريد وطناً بلا تراث ،،،

    • زائر 8 زائر 2 | 7:05 ص

      شكرا زائر 2

      كفيت ووفيت اخي الكريم فعلا كتاب يؤصل الى تقافة معينة وفيه عدة فصول وهو يفوق كتاب زهر الربيع لنعمة الله الجزائري.
      اما وجه المقارنة بين المؤلفات المذكورة وكتاب عودة الشيخ الى صباه فهو حاجة في نفس يعقوب ولكن حبذا لو اقتصرت المقارنة بواحد من المؤلفات المذكورة لان احد المؤلقين من البارعين في قراة كتب مثل كتاب عودة الشيخ الى صباه او كتاب كاما سوترا فالاخير يتحدث كذلك عن نصوص قديمة في طريقة الغزو القبلي ويوضح ذلك بالصور

    • زائر 1 | 10:04 م

      للأسف

      لقد كتبت وحققت كتاب حاضر البحوين دون نقصان وبترتيب مازته العلمية بدون الاخلال في المادة ولا اي تغيبر في ترتيبها مع فصل خاص بالفهرسات الاضافية لاسماء الأشخاص والأمكنة وغير ذلك وذلك عام 1994 لكنهم تواكلوا في طبعه وأضاعوه ليُطبع بعد عشر سنوات في حلة أقل جودة وبدون تحقيق وبمادة ناقصة!

اقرأ ايضاً