العدد 4371 - الإثنين 25 أغسطس 2014م الموافق 29 شوال 1435هـ

معضلة «البدون الجدد» و«التجنيس»

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

قديماً كانت الجدّات إذا ما رغبن بزيادة حصة ما يربينه من دجاج؛ كنّ يحرصن على فتح الأقفاص ليلاً، حيث الدجاجات القديمات يغطن في نوم عميق، ويضعن الدجاج الجديد خفيةً وبحركةٍ هادئةٍ وسريعة، حتى إذا ما حلّ الصباح يتفاجأ الدجاج القديم بالصحبة الجديدة، ويتعامل معها كقدر مقدور، ويتصرّف بمنطق القبول بالأمر الواقع، فهو لم يتثبت أنه وافد جديد حقاً، وبالتالي تزيد إمكانات الألفة ولا تتعرض الأقلية الجديدة من الدجاج لنبذ الأكثرية القديمة وردود فعلها، وبهذه الطريقة الناعمة تخلق الجدات بحسّ فطري بسيط مجتمعاً متآلفاً من الحيوانات الداجنة بطريقةٍ تدريجية تتجنب أسلوب الصدمة الفظ.

لا أدري لماذا قفز إلى ذهني هذا المشهد والبلد يشهد استفحال ظاهرة مستحدثة من ألوان العقاب القانوني الجديد، تتمثل في التجريد من الجنسية، حتى لا أقول إسقاطها، فالجنسية لا تسقط أبداً، والأشياء النفيسة تُسلب في العادة.

لسنا بالطبع دجاجاً، لكن مسلك الجدّات في الماضي كان أرفق وأحرص منا على مجتمع الدجاج وأمنه، ففي نهاية المطاف كانت الجدّات حريصات على خلق الألفة والانسجام لدجاجهن، ولم تُسحب مزايا الدجاج القديم، لتمنح للدجاج الوافد، وإلا انفرط عقد الأمن الذي كان يرفل به قفص الدجاج قبل تشريف الفوج الجديد، ولتورط «قن الدجاج» في مآزق اجتماعية بسبب غياب الأمن وانحراف ميزان العدالة الاجتماعية.

لا تكتمل الصورة البائسة لما نعيشه اليوم في البلد من سعي باتجاه الانحدار والتفريط بأمننا الاجتماعي والثقافي والسياسي إلا بتوسيع مجال الرؤية، لرصد حلقات مسلسل التجنيس المتواصل وإغراقنا بأفواج كبيرة من أوطان الآخرين، لأرض يتعلق بها أبناؤها ويعشقونها ويفتدونها بأرواحهم ودمائهم وأعمارهم.

أمامنا إذاً ظاهرتان اجتماعيتان خطيرتان جداً على مستقبل البلد وأمنه واستقراره، الأولى تتمثل في ولادة طبقة اجتماعية جديدة هي «طبقة البدون» المجرّدين من الجنسية، وهي طبقة غاضبة ومقهورة تعيش بكبرياء وطني مجروح، فهي لا تتمتع من الآن فصاعداً بأيّ حق من حقوق المواطنة، في الوقت الذي تشاهد وطنها وقد ذهبت خيراته إلى الأغراب وضيوف الأمس. وقد أصدرت منظمة «هيومن رايتش ووتش»، الخميس الماضي (21 أغسطس/ آب 2014)، بياناً تحدّثت فيه عن بحرينيين: «سُحبت منهم الجنسية البحرينية من دون إجراءات سليمة يواجهون الإبعاد أو السجن، وهم ضمن مجموعة من 31 شخصاً تم إعلانهم عديمي الجنسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، لمزاعم بالإضرار بأمن الدولة، أما الآخرون فقد غادروا البلاد».

أما المشكلة الثانية فهي: الإمعان غير المدروس في إرهاق مجتمع محدود الإمكانات والمساحة بأفواج بشرية مرشحة لتكون بديلاً محتملاً لشعب «متهم» بالطموح في التغيير وتحسين شروط الحياة في ظل ملكية دستورية تؤمن بالتعددية وحكم القانون.

قوى المعارضة تعتبر التجنيس آفة وتقول إن الأرقام الرسمية تتحدث عن تجنيس 95,372 أجنبياً، أي بنسبة تصل إلى 17,3% من عدد السكان»، ما يعني أن التركيبة الديمغرافية تغيّرت بنسبة 17%»، هذا إذا ما استبعدنا الرقم الذي وضعه رئيس مجلس النواب الذي تحدث قبل عشر سنوات عن تجنيس 120 ألفاً.

وأمام هذين الخطرين، تتناسل كل المآزق على أنواعها، وتتراكم الأخطاء وتتعقد المشكلات، ويقع البلد ضحيةً لفواتير مآزق اجتماعية وسياسية واقتصادية، غير قادر على سدادها بما ينعكس على الحياة اليومية لمواطنين يتمنون الخلاص من كلّ هذا بوقفة صادقة مع النفس، وقرار جريء يتحلّى بالحكمة والحرص على البلد.

إن أفقنا المستقبلي بصراحة ملبّدٌ بغيوم كالحة تحجب الرؤية، نحن نغرق في دوامة الإحساس بالعجز واليأس، فيما الآخرون في الجوار ينافسون مدنية الغرب ويزاحمون دولاً عظمى في النمو الاقتصادي وأوجه الرعاية الاجتماعية وفي نوعية الحياة الكريمة التي يرفلون بها في مجتمع يتمتع بالسلام الدائم والتفاهم بين الأجيال، في حين نفاخر نحن باستتباب أمن مفقود واستقرار سياسي مصطنع.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4371 - الإثنين 25 أغسطس 2014م الموافق 29 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:44 ص

      يا

      ياناس البلد صغير مايتحمل هاده العدد من المجنسين ياحكومة بسش ظلم للشعب ارجع الى رب العباد وترك عنك الظلم الشعب مايتحمل المشتكى لله

    • زائر 9 | 5:50 ص

      ماكينة تفريخ

      يطلبون من الشعب ان ينقلب الى ماكينة تفريخ يدل علي مرحلة متقدمة من الأفلاس الفكري و السياسي

    • زائر 6 | 3:08 ص

      المتمردة نعم

      الحكومة تتعامل معنا كالدجاج والمعارضة تتعامل معنا كالدجاج يطلبون من الشعب ينقلب الى ماكينة تفريخ سلمت اناملك بارك الله سعيك يا استاذ

    • زائر 5 | 2:51 ص

      لم تصب الحقيقه

      اسقطت جنسية من خان الوطن بعد صدور احكام قضائيه ضدهم مو احسن من الاعدام في العرف الدولي الذي تطبقه جميع دول العالم.

    • wessam abbas زائر 5 | 5:25 ص

      خان الوطن ؟؟!!

      خان الوطن مرة وحده ؟؟ هون عليك يا عزيزي.. من يخون الوطن هو من يسرق وينهب ويستأثر.. ولكن انما تعمى القلوب التي في الصدور

    • زائر 12 زائر 5 | 7:23 ص

      الجنسية حق مكتسب قبل وليس هبه

      من الذي اوجدنا على هذه الارض .. هل الحكومة من جاءت بنا من الخارج ام لنا قبورا لآبائنا هنا .. طبعا لا لم تمنحنا الحكومة الجنسية البحرينية .لان الله من منحننا اياها ولسنا مستجلبين من الخارج

    • زائر 4 | 1:58 ص

      انا ضد التجنيس

      انا ضد التجنيس السياسي القديم و الجديد فهل تتفق معي ام ان النعرة الطائفية تمنعك من هذا؟ هل تقبل ان يدمر بلدك من تجنس في منتصف الستينات و هذا شيء موثق؟ انا لا اقبل ابداً مثل ما انا لا اقبل بالتجنيس الحالي

    • زائر 3 | 1:56 ص

      اللهم اصلح امورنا

      لسنا ضد اخواننا العرب اذا كانوا يعملون بهدؤ ويتركون البلد بهدؤ ولكن لا ان ينافسوا المواطن في خيرات وموارد البلد المحدود

    • زائر 1 | 12:51 ص

      مراقب ...

      ما يثير المعارضة الراديكالية في البحرين ليست عملية التجنيس بحد ذاتها لأن المعارضة (المتجنسة في الأساس) لا تعارض تجنيس الإيرانيين ولا تعارض تجنيس من هم من نفس طائفتها لكنها تثور وتغضب عندما يتم تجنيس العرق العربي في إطار قانون الجنسية البحريني وطبعا تتستر كل المطالبات بأن الموارد لا تكفي والمساحة صغيرة وهي قضية باتت مفضوحة في ظل الأزمة الأخيرة وما أفرزته هذه المعارضة من ممارسات طائفية ..

    • زائر 7 زائر 1 | 3:40 ص

      من صجك

      اول مرة اسمع احد يدافع عن التجنيس، والله حتى المجنسين متضايقين من بعضهم بعض ويأفأفون ألف مرة في زحمة الشوارع وطوابير المستشفيات وقوائم الانتظار في كل مكان، البحرين تحولت الى حي من أحياء القاهرة او دلهي والاخ يقول المعارضة طائفية لافرق بين الشيعي والسني ولا العربي والاعجمي فالوطن لا يحتمل اكثر ، فهو يسير نحو المجهول المخيف

    • زائر 11 زائر 1 | 7:19 ص

      ليت السواد يزوح أولا

      التجنيس له تبعات سلبيه يراها القاصي والداني ولكن لا يراها الاعمى ولست اقصد اعمى العين بل القلب الذي ملأ حقدا وغيا ووكذلك المتمصلح المجنس

    • زائر 13 زائر 1 | 4:55 م

      من أين لك هذا الحقد والكراهية

      أعوذ بالله .. رد كريه عنصري

اقرأ ايضاً