العدد 4379 - الثلثاء 02 سبتمبر 2014م الموافق 08 ذي القعدة 1435هـ

واقع الاقتصاد يدعم الاتكالية

خالد جناحي

مصرفي بحريني

لم يعد خافياً على أحد حجم الخلل الهيكلي الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني، سواءً من تراكم عجوزات الميزانية العامة للدولة خلال السنوات الخمس الماضية لتبلغ 1.6 مليار دينار، أو من النمو غير الطبيعي في حجم المصروفات المتكررة التي قفزت 85 في المئة لتصل إلى 2.9 مليار دينار، وهو ما يفوق مجموع الإيرادات الفعلية للنفط والغاز في العام 2013، فيما تضاعفت مديونية الدولة منذ بداية الأزمة المالية العالمية وحتى نهاية العام الماضي بأكثر من 6 مرات.

أمام هذا الخلل لابدَّ من وقفةٍ لتعديل الأمور لحفظ حقوق الأجيال القادمة، حتى لا يأتي يومٌ نكون في مواجهة عجزٍ يحول دون قدرة الدولة على سداد مديونيتها المتفاقمة، ما يفرض علينا إجراءات مؤلمة جداً، قد لا نكون مهيئين لها. صحيحٌ أن دول الخليج لا يمكن أن تسمح بانهيار البحرين اقتصادياً لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، إلا أن ذلك لا يعني أن «نترك الحبل على الغارب» ونتكل عليها في كل شيء.

إصلاح الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته بحاجةٍ إلى رؤية اقتصادية بنظرة طويلة المدى، بعيدة عن الشعارات، والخطوات المنقوصة، والأهداف المجتزأة، ويجب أن تتمحور هذه الإصلاحات على هدف رئيس يتمثل في منح المواطن القدرة على الاستفادة بشكل أوسع من ثروات بلاده الوطنية.

أعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ من علاج مشكلة الاتكالية التي باتت تنخر المجتمع بجميع فئاته من الصغير إلى الكبير، ومن الفقير إلى التاجر، فهي التي تحول دون أن يعتمد التاجر على نفسه في إدارة أعماله، وتدفع المواطن إلى انتظار الدولة لكي توفّر احتياجاته، وهي التي منعت تحوّل اقتصادنا من استهلاكي يعتمد على الاستيراد من (الإبرة للطيارة)، وأفشلت جميع الجهود التي سعت لتحويله إلى اقتصاد يعتمد على الانتاجية.

النقطة الأخرى لإصلاح خلل العملية الاقتصادية تتمثل في معالجة الهدر في الميزانية العامة للدولة وإعادة توجيهها إلى ما يصب في مصلحة المواطن الذي هو بحاجة إلى مثل هذا الدعم، بدلاً من الآلية الحالية التي تقوم بها الحكومة وتستنزف 1.62 مليار دينار من الميزانية العامة، ويتم تخصيص 1.3 مليار دينار (3.5 مليار دولار) منها لدعم الكهرباء والماء والمحروقات، ويستفيد منها المحتاج والميسور، المواطن والأجنبي، الفرد والشركات، والبنوك والمصانع.

الآلية الحالية تدفع إلى التساؤل: ما هي نسبة استفادة المواطن من هذا الدعم؟ ولماذا نبذر ثروات الوطن التي هي ثروات المواطن والأجيال القادمة في دعم الشركات والمصانع وميسوري الدخل؟ وما الذي سيحدث إذا ما وجهنا هذه الأموال إلى أماكن أخرى ذات عائد اقتصادي أكبر؟

من وجهة نظر اقتصادية، أعتقد أن أكثر من 70 في المئة من الدعم المباشر الذي تقدّمه الحكومة للمحروقات والكهرباء والماء يتجه في غير مساره، أي بما قيمته 900 مليون دينار (2.4 مليار دولار)، وهو ما يعادل مرتين ونصف تقريباً من حجم الدعم الخليجي السنوي للمملكة، وبالتالي تحول الميزانية العامة من هذا العجز إلى تسجيل فوائض مالية، وهو ما سيمكّن الحكومة من توظيف هذا الإيراد في إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس قوية بعيداً عن النفط، إضافةً إلى توفير الخدمات الأساسية للمواطن من سكن وتطوير البنية التحتية وغيرها. فليس من المعقول أن يفتقر ما يقارب 200 ألف مواطن لسكن خاص.

ربما يبرر البعض الحرص على استمرار الدعم المباشر للشركات بخلق وظائف للبحرينيين، ولكن كم عدد الوظائف التي تخلقها الشركات التي تستهلك الغاز المدعوم من قبل الدولة؟ هل يصل إلى 20 ألف موظف؟ برواتب يبلغ متوسطها 1000 دينار شهرياً، أي أن تكلفتها السنوية 240 مليون دينار، إذاً لماذا تدفع الحكومة سنوياً 649 مليون دينار دعماً للغاز في حين أنها لو قدّمت رواتب مباشرة لهؤلاء لكانت الفاتورة أقل ولوفّرت نحو 400 مليون دينار.

أما بالنسبة للذين سيتباكون على تراجع قدرة الشركات على التنافس مع شركات المنطقة، فلا أعتقد أن أية شركة مبنية على أسس واستراتيجية واضحة، ستتحول من الربحية للخسارة، وإنما سيتقلص هامش أرباحها، وإن تحوّلت للخسائر فتلك مصيبة، وهي تدلل على أن هذه الشركات «تعتاش» على الدعم، فما الجدوى من بقائها إذا؟ ولماذا نصنع ثروات أشخاص من جيب المواطن؟

أعلم بأن إعادة النظر في آلية الدعم ليست عملية نظرية سهلة، ولا يمكن تطبيقها دفعة واحدة وإنما بشكل تدريجي، ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهلها لنصل إلى مرحلة تكون فيها مديونية الدولة فوق قدرتها على السداد، خصوصاً إذا ما وضعنا في عين الاعتبار مستويات النمو في المديونية خلال السنوات الماضية، والتي قفزت من 705 ملايين في 2008 لتصل إلى 1.35 مليار دينار في 2009، وصولاً إلى 5.1 مليار دينار في مايو/ آيار الماضي وفقاً لبيانات مصرف البحرين المركزي، أي بما يشكّل نحو 36 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما ينعكس على مستويات عجز الميزانية، وبالتالي فإن استمراره على هذا النحو قد يؤثر على خطة الدخول في الاتحاد النقدي الخليجي الذي يشترط بقاء مستويات الدين العام أقل من 60 في المئة من الناتج المحلي وأن لا يتجاوز العجز 4 في المئة.

نقطة مهمة يجب الحديث عنها والتركيز عليها فيما يتعلق بإعادة النظر بآلية الدعم، وتتمثل في أن أي تغيير في الآلية يجب أن تستهدف الشركات والمصانع وميسوري الدخل، على أن يستمر هذا الدعم للمواطن المحتاج لهذا الدعم، سواءً بالنسبة إلى المحروقات أو المواد الغذائية والمتعلق بتحسين مستوى المعيشة، حيث يمكن تنظيم ذلك من خلال إعداد آلية واضحة، إلى جانب تشكيل جهاز قادر على ضبط الأسعار في السوق.

إقرأ أيضا لـ "خالد جناحي"

العدد 4379 - الثلثاء 02 سبتمبر 2014م الموافق 08 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:13 ص

      شكرا استاذ خالد

      انت تعرف ان كل هذا الدعم لاسباب سياسية .... فاذا خربت السياسة خرب الاقتصاد .....

    • زائر 5 | 4:51 ص

      شكرا ولكن

      تحليل آكاديمي محصور على الدعم الحكومي وتأثيره على الميزانية. بعيد كل البعد عن التطبيق الواقعي والحلول المعترف بها مثل تطبيق الضرائب على الشركات الأجنبيه (كما يفعل معظم دول الخليج) لزيادت المدخول الحكومي بدون تخفيض الدعم على المواطنين. يجب على الأجانب دفع قيمة إقامتهم وعملهم - هذا حل منطقي. وإذا أثر ذلك على إستيعتب الشركات الأجنبيه، يخلصنا ذلك من الشركات التي لا تريد منفعة الدولة وليس لديها تجارة مربحة. التداول والتوسيع في الموضوع فكره جيدة، وشكرا للاخ الكاتب.

    • زائر 4 | 4:36 ص

      مقارنة

      من الدول ليس لديها نفط تركيا حولت العجز في الميزانية الى فائض. وبلادنا فيها من المقومات التي تجعلها دولة تنافس الكثير من الدول ولكن......

    • زائر 3 | 4:29 ص

      الاتكالية

      بعض من الناس لديها مشاريع خاصة وناجحة وفجأة تترك ادارة هذه المشاريع لشخص اجنبي( الفري فيزا) او تغلق هذا المشروع وتتاجر في اخرى تعتقد انها اكثر راحة مثل العقارات وتأجير السجلات

    • زائر 2 | 2:42 ص

      مقال رائع وجريء

      مقال رائع وجريء والبحرين الغالية محتاجة الناس تخرج من قوقعتها وتضع اصابعها على موضع النزف

    • زائر 1 | 2:33 ص

      للأسف هناك شركات أغذية توزع أرباح

      لمساهميها الذين هم جلهم من التجار والواقع انه لولا الدعم لما حققت هذه الشركة أية أرباح فعمليا الحكومة تعطي الدعم لكبار التجار بطريقة غير مباشرة

اقرأ ايضاً