العدد 4392 - الإثنين 15 سبتمبر 2014م الموافق 21 ذي القعدة 1435هـ

عن رحلة الميرزا الأفندي للبحرين

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

من أكثر الجوانب التي استرعت اهتمام المؤرخ والرحالة الإيراني الميرزا عبدالله الأفندي الأصفهاني (ت 1718م/ 1130هـ) في البحرين حين وفد عليها هو كثرة المصنفات العلمية والكتب - المخطوطة طبعاً - التي كانت تزخر بها البلاد في القرن الثامن عشر الميلادي (الثاني عشر الهجري).

ففي رحلة علمية استغرقت ما يزيد على 25 عاماً وشملت بلاد مصر والحجاز واليمن والعراق ولبنان وسورية وإيران والأفغان وتركستان (روسيا) والهند واليمن واندونيسيا وتركيا وغيرها، توقّف الميرزا الأفندي (الأفندي لفظة تركية معناها الرجل العظيم الشأن) كثيراً عند مكتبة الشيخ سليمان بن عبدالله الماحوزي (ت 1709م/ 1121هـ) وهو من فقهاء البحرين وأعلامها الكبار، وكانت تربط الرجلين علاقة صداقة عميقة وكان بينهما مراسلات، والماحوزي نفسه محرر المادة المتعلقة بعلماء البحرين في موسوعة الأفندي ذائعة الصيت «رياض العلماء وحياض الفضلاء»، بموجب خطاب مرسل من الأفندي لصديقه المحقق البحراني حمل الأخير على كتابة «فهرست علماء البحرين» الذي صدر بتحقيق الشيخ فاضل الزاكي العام 2001.

والميرزا الأفندي لم يكن شخصيةً عاديةً، فقد كان عالماً مرموقاً يُوثق بكفاءته، ويذكر السيد المرعشي النجفي (ت 1990م) أنه رأى نسخة من بعض مجلدات «بحار الأنوار» للشيخ باقر المجلسي (ت 1699م/ 1111 هـ) يظهر منها أن تلميذ المجلسي (الأفندي) كان ضمن المساهمين في إعداد موسوعة «البحار» التي تعد دائرة معارف المذهب الإمامي.

لكن عمل الأفندي التأسيسي الأهم يتمثل في موسوعته الشهيرة «رياض العلماء» التي وصلنا منها مع الأسف نصفها فقط وضاع نصفها الآخر، فقد ضمّ القسم الأول تراجم علماء الشيعة الإمامية وما وقف عليه المؤلف من آثارهم العلمية والاجتماعية، فيما ضمّ القسم الثاني تراجم أعلام المذاهب الإسلامية الأخرى، وهو بعدٌ مهمٌ أولاه علماء إيران عنايةً فائقةً، وقد ضاع مع الأسف الشديد خمسة من الأجزاء العشرة، جزءان من القسم الأول وثلاثة أجزاء من القسم الثاني.

ميزة ما كتبه الأفندي عن البحرين قبل أكثر من ثلاثة قرون وضمّنه كتابه «الفوائد الطريفة» أنه يمثل تجربةً ذاتيةً عاشها هذا المتتبع الشغوف بتحصيل الفوائد وتقييد الفرائد وتسجيل كل ما تلتقطه عينه ويترصده وعيه، والجوانب التي دونها الأفندي جرى ويجري إغفالها تماماً من التاريخ المتداول لبلدنا بشكل مؤسف، لصالح إنتاج وعي تاريخي زائف ينتصر للبنادق والخنادق، ولا يرتبط بمسيرة الشعوب ومصائرها في التاريخ إلا بمقدار ما يتصل منه بإنجازات الحاكمين. ومع ذلك لنا أن نسأل: أين ذهب كل هذا التراث العلمي الذي نوّه وأشاد به الأفندي؟

يرى بعض المختصين في قضايا التراث أن الموروث العربي والإسلامي المخطوط يبلغ نحو 15 مليون كتاب، نجا منها نحو 3 ملايين، والذي نشر منه فعلياً 100 ألف عنوان فقط!

تضيع الكتب والمصنفات في الغالب بسبب الجوائح والنكبات وسوء التخزين والحفظ، وضعف الهمم عن استنساخها ونشرها، والعزلة الاجتماعية وضعف التواصل الثقافي، وهكذا ضاع جزء كبير من تراثنا بسبب عوارض الزمن والعبث والعدوان بأيدي العدو الحاقد والصديق الجاهل، ما ألحق أذى كبيراً في مخطوطات تراثنا الإسلامي في البحرين، فخسرنا جزءاً غالياً من الآثار النفيسة لعلماء البحرين السابقين. وفيما يتعلق بالأفندي توجد اليوم في مخازن الكتب في إيران عدة نسخ في فنون العلوم بخط الميرزا الأفندي استنسخها عن خطوط مؤلفيها.

يمتاز نص الأفندي أن المؤلف لم يكتف بالنقل المجرد من المصادر الرجالية ومعاجم التراجم، بل أفنى نصف عمره في السفر إلى كثير من البلدان، وملاقاة العلماء والأعيان، والتحقيق في مختلف الكتب والمؤلفات، يستخرج نكات دقيقة من كتب في موضوعات علمية شتى لا تمت بصلةٍ إلى ما يتعلق بالتراجم وأحوال الرجال، أو يدوّن ما شاهده في قريةٍ من القرى النائية، أو يتحدّث إلى عالمٍ أو شخصيةٍ غير علمية ليستفيد منه.

وإلى جانب الميرزا الأفندي الذي أولى عنايته بترجمة رجال الفكر والأدب والعلوم في البحرين وحرص على زيارتها والاختلاط بعلمائها وزيارة مكتباتها والاطلاع على ما تحتويه من نفائس وعلائق، زار البحرين أيضاً لغرض مشابه أحد علماء جبل عامل الشيخ شرف الدين محمد مكي الجزيني في نفس الفترة تقريباً (القرن الثامن عشر الميلادي/ الثاني عشر الهجري) وأقام بمنطقة البلاد القديم عامين، ودوّن عن علماء البلاد نصّاً تضمن الكثير من المعلومات التاريخية المنفردة.

كما كتب أيضاً السيد علي بن أحمد الحسيني الشيرازي المدني (ت 1708م/ 1120 هـ) كتابه القيّم «سلافة العصر في محاسن أهل كل مصر»، وللسيد علي هذا أكثر من آصرة ووشيجة تربطه بالبحرين، ليس لأنه أرّخ لشعرائها وأدبائها فحسب؛ بل لأنه اختلط بعلماء البحرين (المهاجرين إلى إيران والهند) وكاتبهم، وأخذ العلم عن بعضهم ونشأت له مع البعض الآخر صداقات متينة.

هذه المدوّنات التاريخية لم تحظ بالعناية ولا النقاش الجدي رغم أهميتها التاريخية في تاريخ بلدنا، وإذا كان البعض يتجاهلها لأغراض سياسية وانحيازات مذهبية ضيقة، فإن على الباحثين والمهتمين والنخب المثقفة أن يبادروا إلى نفض الغبار عن هذه النصوص ويعكفوا على استخراج معطياتها الفكرية والاجتماعية في إطار تحليلي ونقدي قد يسهم في إزاحة بعض الالتباس والغموض المتراكم حول هويتنا الوطنية عند الآخرين وعند أبنائنا من الجيل الصاعد.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 4392 - الإثنين 15 سبتمبر 2014م الموافق 21 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • wessam abbas | 6:20 ص

      أحسنت

      أحسنتم.. هذا الكلام دقيق

    • زائر 9 | 3:55 ص

      صدقت أستاذي السبع

      دائمًا هي سطور الشكر والثناء تكون في غاية الصعوبه عند الصياغة ربما لأنها تشعرنا دومًا بقصورها وعدم إيفائها حق من نهديه أتوجه برسالة شكر إلى مؤرخنا الكبير الأستاذ // وسام السبع أطال الله في عمره الذي ضحى بوقته وراحته واغدق بعطاءه الوافر في كل ماهو في خدمة الموروث التاريخي لوطننا البحرين نتلمس من القائمين بالبحث التاريخي النظر بعين الاعتبار لتلك النصوص التي أشار لها أستاذنا في مقاله و مقالاته السابقة لتتجلى على سماء الأفق ( تحياتي : بنت الموسوي) .

    • زائر 7 | 1:49 ص

      تاريخ البحرين

      كل بلد تفخر بتاربخها وحضارتها وتراثها وتعمل على حفظ وبعث هذا التاريخ وتعقد له المعاهد والندوات ووو الا هذه البلد فإنها تعمل على درس واخفاء هذا التاريخ لطمس حقيقة هذا البلد والشعب الذي تمتد جذوره الى الاف السنين واحلال تاريخ مزيف لا ينتمي له نكاية بهذا الشعب الاصيل .. على ابناء البلد الالتفات لذلك والعمل على حفظ هذا التاريخ للاجيال القادمة

    • زائر 6 | 1:42 ص

      من الواجب

      في ظل الهجمة الطائفية والمذهبية التي يشنها النظام علينا نحن أهل البحرين الاصليين ، يجب على الباحثين توثيق تاريخنا بشكل دقيق حتى يكشفوا زيف إدعاءات النظام الطائفية ومحاولاته المستميتة لطمس هوية وتاريخ بلدنا ودرس تراثه

    • wessam abbas | 1:36 ص

      الشكر لك

      الشكر لك

    • زائر 4 | 1:31 ص

      قرية الخارجية، قرية الدونج

      الشيخ شمس الدين أبو الحسن سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني (1075 هـ - 1121 هـ) هو رجل دين وفقيه ومتكلم وأديب وشاعر شيعي بحراني كان من علماء الشيعة البارزين في عصره إذ انتهت إليه الزعامة الدينية للشيعة الإثني عشريَّة في البحرين بعد وفاة أستاذه هاشم البحراني. أصله من قرية الخارجية إحدى قرى جزيرة سترة بالبحرين، أما مولده فكان في ليلة النصف من شهر رمضان 1075 هـ بقرية الدونج التابعة للماحوز في البحرين وبها كان منشأه ومسكنه وفيها بدء بتلقي مبادئ علومه فحفظ القرآن

    • زائر 3 | 1:24 ص

      بارك الله فيكم وفي ميزان حسناتكم وتاريخكم

      ومن المفترض ان تجمع هذه الشذرات المتناثرة التي تتحفنا بها كل مرة وتحفظ في كتاب او مدونة الكترونية ليطلع عليها الناس والاجيال القادمة
      وتكون سندا ولو بسيط للباحثين في تراثنا لانه توجد بها مراجع وتواريخ و مايحتاجه الباحث .
      وشكرا لكم .

    • زائر 1 | 12:09 ص

      بارك الله فيك

      بالتوفيق في مسعاكم

اقرأ ايضاً