العدد 4394 - الأربعاء 17 سبتمبر 2014م الموافق 23 ذي القعدة 1435هـ

الانتقال من التطرف إلى الاعتدال

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يعيش بعض أفراد مجتمعنا حالة من التشدد والتطرف فكرياً وسياسياً واجتماعياً، تبرز مختلف أنماط العلاقات البينية والحوارات ومناهج التعليم ووسائل الإعلام وغيرها، بعضها صور واضحة وصريحة وبعضها الآخر ضمن «مناهج خفية».

برزت آثار حالة التطرف هذه في عدة أشكال، منها حدة الخطاب الديني وأحاديته، توسّع حالة التكفير السائدة، اندفاع الشباب للانخراط مع جماعات العنف، ممارسة الإقصاء والتمييز ضد المختلف، وغياب التسامح مع غير المسلمين.

ومع كل أزمة سياسية في المنطقة تتبعها تشكل أعمال عنف، تبرز هذه الإشكاليات واضحة، ويطرح النقاش حولها مجدداً على مختلف الأصعدة الثقافية والسياسية والأمنية والدينية. وتوجه الأصبع فيها إلى وضع المملكة، للاعتقاد بأن مجتمعها أصبح مفرّخاً لحالة التطرف، وأن البيئة الاجتماعية والثقافية المحلية حاضنة وراعية له.

وبسبب التكلفة العالية والباهظة سياسياً واقتصادياً لحالة التطرف وما ينتج عنها، من إضعاف للشرعية السياسية وهدر لطاقات الشباب وأرواحهم، وإرباك للسلم الاجتماعي وتهديد للأمن الوطني، فإنه من الواجب المكاشفة والعمل الجاد لتصحيح المسار وتجاوز كل ما من شأنه أن ينمّي حالة التطرف ويقويها.

في محاولات سابقة تم طرح عديد من الاستراتيجيات التي ساهمت في تخفيف حالة التطرف ولكنها لم تنهها، بل إنها عادت موجاتها أكثر عتواً وهديراً في مجتمعنا المحلي، ما قد يدلل على أن تلك الخطوات حدّت مؤقتاً من حالة التطرف لكنها لم تعالجها نهائياً. ومن تلك المبادرات مشروع الحوار الوطني، وبرنامج تطوير المناهج، وتأهيل أئمة المساجد، وإقامة المؤتمرات داخلياً وخارجياً وغيرها.

بات من الواضح أننا بحاجة إلى حلول ومعالجات أكثر عمقاً وجدية لمواجهة حالة التطرف، تأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد والعناصر المتداخلة فيه، كي نتمكن من الانتقال من حالة التطرف إلى الاعتدال والخروج من هذا المأزق المزمن والمحرج.

إن حالة التطرف تستمد مقوماتها وشرعيتها واستمراريتها من الغطاء الديني الذي تتدثر به ويجعلها محصنةً من النقد والمواجهة، فمع أن الدين الإسلامي يدعو إلى الاعتدال والتسامح، إلا أن الفهم المتشدّد له وتوسعة المقدس، تشكّلان ركائز أساسية في انتشار التطرف وتعمقه في الأذهان، واعتبار ممارسته فريضة شرعية.

الخطاب الديني السائد يعتمد منهجية الإقصاء والتشدد، بل وفي بعض حالاته يعتبر من أكثر أسباب التحريض على الكراهية، وليست له مساهمات حقيقية ومشهودة في تعزيز حالة التسامح والاعتدال والوسطية ونبذ التطرف. من هنا جاءت كلمات خادم الحرمين الشريفين لحثّ قادة الفكر وعلماء الدين لتحمل مسئوليتهم في نبذ الكراهية ومواجهة التطرف والحث على التسامح والاعتدال.

البعد الآخر للمعالجة يستوجب خلق حالة من التعددية والانفتاح والمشاركة والحرية، حيث أن هذه في مجملها تشكل ركائز لإذابة الفروقات البينية وإدماج مختلف المكونات وإشراكها في مشروع سياسي جامع.

إن غياب هذه العناصر المهمة عن الساحة السياسية تجعل منها مجالاً خاصاً ومحصوراً في اتجاهات سياسية معينة تقوم بإقصاء وتهميش غيرها، وهو ما نلحظه أحياناً في ممارسات لا تنم عن حس وطني ووعي بالمخاطر.

لعل بعض الشباب – أفراداً أو جماعات – ممن لا يجدون أمامهم فرصةً للعمل والمشاركة بحرية، ويشعرون بأنهم منسجمون مع محيطهم الاجتماعي، يكونون عرضةً للتأثر بدعوات الخروج بصورةٍ عنفية. وأزعم أن فرصاً كثيرة أمامنا تجنب أمثال هؤلاء الشباب من الوقوع في المحظور الأمني عبر توسيع مجالات مشاركتهم وإعطائهم فرصاً للتعبير عن ذواتهم بصورة أوسع.

تمثل فرص الأفق السياسي أمام المواطنين يعطيهم أملاً في وضعهم المستقبلي، ويقف أمام محاولات اختطاف مؤسسات الدولة لأطراف محددة، كما أنه يمنع أشكال الاحتكار والهيمنة في المجالات المختلفة، وبالتالي يهيئ أرضيةً للمشاركة والإدماج والتفاعل المشترك بحيث يقطع الطريق أمام حالة التطرف.

لابد إذاً لمواجهة التطرف، من العمل بعمق وقوة على تغيير نمطية الخطاب والعمل الديني باتجاه الاعتدال والتسامح، وتعزيز مجالات المشاركة السياسية بما تتطلبه من حرية وانفتاح وتعددية.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4394 - الأربعاء 17 سبتمبر 2014م الموافق 23 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً