العدد 4406 - الإثنين 29 سبتمبر 2014م الموافق 05 ذي الحجة 1435هـ

موقعة قرطاج الرئاسة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

في الساعات القليلة المقبلة من نهار اليوم (30 سبتمبر/ أيلول 2014)، ينزل الستار على ملفات الترشحات السبعين للانتخابات الرئاسية في تونس؛ حيث من المنتظر أن يعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن الملفات المقبولة بعد عملية الفرز، ليتعرّف التونسيون إلى قائمة المترشحين الفعليين لهذه الموقعة: موقعة قرطاج الرئاسة.

فمنذ المصادقة على دستور الجمهورية التونسية الجديد، والذي يصطلح عليه البعض بـ “دستور الجمهورية الثانية”، انطلقت الاستعدادات للانتخابات التشريعية والرئاسية، هذه الانتخابات التي ستعلن عن انتهاء المرحلة الانتقالية نحو تركيز المؤسسات الدائمة في البلاد؛ انتخابات بإتمامها يكون الحلم التونسي قد حقق انتصاراً ولو بعد حين، نظراً للعقبات الكأداء التي حالت دون الإسراع بإنهاء المرحلة الانتقالية.

يتكوّن المشهد الانتخابي في تونس اليوم من عناصر جاذبة: فقد تمّ تسجيل أكبر نسبة ناخبين تجاوزت الخمسة ملايين ناخب مسجّلين لدى مكاتب الهيئة المستقلة للانتخابات، وهو تقريباً نصف عدد السكان في تونس، كما أنّ عدد القائمات الانتخابية المقبولة نهائياً لخوض الانتخابات التشريعية بلغ 1327 قائمة، أمّا كرسيّ الرئاسة فقد استهوى 70 مترشحاً منهم خمس نساء. وسوف تدور الانتخابات التشريعية يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تعقبها الرئاسية في دورتها الأولى يوم 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، والتي تعتبر اقتراعاً حاسماً لتونس بعد مرور نحو أربع سنوات على الثورة. فلماذا هذا التهافت على منصب الرئاسة؟

رغم الصلاحيات المتقدمة للحكومة بالمقارنة مع مؤسسة الرئاسة في الدستور التونسي الجديد، استناداً إلى نظام الحكم البرلماني المعدّل الذي جرى التوافق عليه، فإنّ اهتمام الرأي العام التونسي وحتى العالمي ينصبّ على الانتخابات الرئاسيّة؛ ويمكن تفسير ذلك بعقود من الزمان اختزلت الحكم في كرسي قرطاج.

لكن الدستور الجديد، وعلى خلاف القانون المنظم للسلطات الثلاث بُعيْد الثورة، قد منح منصب الرئيس صلاحيات إضافية ذات طابع تعديلي في مجملها، لكنّها لا تخلو من أهمية وخطورة في بعض الحالات؛ فقد وقع التطرق إلى منصب رئيس الجمهورية في باب السلطة التنفيذية على امتداد 18 فصلاً، إذْ أعطى الدستور لمنصب الرئيس كامل الصلاحيات في مسائل أمن البلاد وسياساتها الخارجية، كما منحه حقّ عرض الحكومة على مجلس نواب الشعب لتجديد الثّقة فيها أو إقالتها في حالات معينة، ووضعيات أخرى تمكنه من حل مجلس النواب نفسه. فضلاً عن ذلك، كفل الدستور لرئيس الجمهورية حق اقتراح مشاريع القوانين للحكومة أو لمجلس نواب الشعب، ومكنه من استفتاء الشعب حولها لتصبح سارية المفعول في حال تزكيتها شعبياً. وأخيراً وليس آخراً، ألزم الدستور أن تكون الاجتماعات الوزارية التي تخوض في مسائل الأمن القومي أو العلاقات الخارجية، برئاسة الرئيس، كما أتاح له حضور المجالس الوزارية العادية ورئاستها متى حضر، وبهذه الصلاحيات الجديدة يمكن للرئيس أن يلعب دوراً تعديليّاً في المرحلة المقبلة، وبإمكانه أن يخلق توازناً في النفوذ مع رئاسة الحكومة؛ وهو ما يفسّر الاهتمام بكرسي الرئاسة.

أمّا في الأوساط الاجتماعية فلا يزال منصب الرئيس يحظى بصورة نمطية تعوّدت عليها العقلية التونسية، رغم الهزّات الثلاث الكبرى التي تلقّتها مؤسسة الرئاسة؛ فمنذ تولّي رئيس الجمهورية الأول الحبيب بورقيبة الحكم، ترسّخت زعامة الفرد وجمع الزعيم “أبو الشعب” كل السلطات بين يديه، لتأتي الهزة الأولى بحدث انقلاب أبيض على يد وزيره الأول زين العابدين بن علي، الذي ورث عن رئيسه السابق وبصور مشوّهة ذات الصلاحيات والسلطات. ومع اندلاع الثورة تزعزعت هذه الصورة الصنمية لمنصب الرئيس فكانت الهزة الثانية. ومع وصول الرئيس المناضل الحقوقي المنصف المرزوقي “ابن الشعب” إلى الرئاسة كانت الهزّة الثالثة؛ حيث عمد ولايزال خلال سنوات رئاسته الانتقالية، إلى كسر الصورة النمطية للرئيس والتي ترسّخت في الذاكرة الجماعية.

ورغم هذه الهزّات الثلاث، طغت أصداء الانتخابات الرئاسية على غيرها، خصوصاً مع عدد الملفات التي ترشحت لهذا المنصب. هذه الملفات يمكن تصنيفها إلى مجموعات مختلفة حيث لا يصعب على الملاحظ أن يستبعد من جاء ليسجل حضوره في حركة تعبّر عن تمتع المواطن التونسي، متى توفرت فيه الشروط، بحقه في الترشح لمنصب الرئيس، حق كفله له الدستور وهذه تعبيرة ديمقراطية جديدة بعد الثورة.

ولكن الفرز العميق لهذه الملفات يقف على أعتاب صراع حقيقي بين جبهتين: جبهة مناصرة الثورة وجبهة وزراء النظام القديم؛ فحين قطع التونسيون مع مفهوم الإقصاء وأسقط النواب الفصل 167 القاضي بحرمان أركان النظام السابق من المشاركة في الحياة السياسية، عاد كثير من وزراء العهد السابق بعد أن تأكد، للقضاء فقط، عدم مسئوليتهم في الفساد السياسي والاجتماعي إبان حكم المخلوع، عاد الكثير منهم وترشح بعضهم للانتخابات الرئاسية وإن كانوا مشتتين فإنهم قد يمثلون جبهةً في وجه جبهة الثورة. وربما تكون دعوة حركة النهضة إلى التوافق على دعم مرشّح واحد محاولة منها لسدّ الطريق أمام رجوع النظام القديم، لكن من هو هذا المرشح التوافقي؟ ومن ستدعم حركة النهضة ذات الثقل الانتخابي؟

إنّ قواعد حركة النهضة لا يمكن أن تدعم مرشحاً من النظام القديم، وهذا الرفض يمكن أن يصل بها إلى درجة العصيان في صفوف الحركة، ورغم اختلاف وجهات النظر في صفوف قيادتها في هذا الموضوع من خلال ما يتسرب في الإعلام، فإن التوجّه العام لدى قواعد الحركة هو دعم المرشح المستقل والرئيس الحالي المنصف المرزوقي كونه بقي وفياً للثورة ولا يمكن أن ينقلب عليها.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4406 - الإثنين 29 سبتمبر 2014م الموافق 05 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 12:09 ص

      هنيئا لتونس بهذه اليمقراطية الوليدة

      وااله يا جماعة تونس وشعبها غير
      يستاهلون كل خير
      إن شاء الله يا رب يتوفقون

    • زائر 5 | 12:10 ص

      مقال جميل

      ... أرجو لك مزيدا من التألق

    • زائر 4 | 2:41 م

      شكرا على التحليل

      قرأت باهتمام الموضوع و اعجبت بمسالة الصورة النمطية للرئاسة و أظنها مسالة جوهرية ستتحكم في السياسة التونسية السنوات القادمة و هي اوسع من الرئسة و تشمل مفهوم القيادة بصفة أعم من أبسط موقع قرار داخل مصلحة ادارية او كدرسة الى أعلى هرم الدولة مع الحاجة الى تكريس اسلوب متفق عليه لأخراج من لهم احقية القيادة من بين عامة الناس

    • زائر 3 | 3:10 ص

      يوم الانتخاب يكرم المرشح أو يهان

      ولكن الفرز العميق لهذه الملفات يقف على أعتاب صراع حقيقي بين جبهتين: جبهة مناصرة الثورة وجبهة وزراء النظام القديم؛

    • زائر 2 | 1:01 ص

      70 مرشح

      واو هذا يدخل تونس لكتاب غينس

    • زائر 1 | 12:39 ص

      كل التوفيق للمناضل المنصف المرزوقي

      فإن التوجّه العام لدى قواعد الحركة هو دعم المرشح المستقل والرئيس الحالي المنصف المرزوقي كونه بقي وفياً للثورة ولا يمكن أن ينقلب عليها.

اقرأ ايضاً