العدد 4411 - السبت 04 أكتوبر 2014م الموافق 10 ذي الحجة 1435هـ

صلالة... الملاذُ السّياحي النَّدِي للمتصيِّفين

أن تزور صلالة، فهذا يعني أنك في رحلة «ماجلانيَّة». فمناخها لا يُعادله مناخُ أيِّ بقعة في كامل شبه الجزيرة العربية. فالخريف الذي يلفُّها ما بين شهرَيْ يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول من كل عام يجعلها وقد رُفِعَت عن قيظٍ شديد، نحو رياح نَديَّة، وماء مُتلبِّدة بغيوم ماطرة، وضباب يُسوِّر الجبال والسهوب المكسوَّة بالخضرة الممتدة على مد البصر.

صلالة في لغة العرب

وربما من المفارقة أنني وجدتُ في قواميس اللغة، بأن لفظة صلالة في مفردها (صلَّة) تعني «المَطْرة المتفرقة القليلة، والجمع صِلالٌ. ويقال وقَع بالأَرض صِلالٌ من مطر؛ الواحدة صَلَّة وهي القِطَعُ من الأَمطار المتفرقة يقع منها الشيءُ بعد الشيء. قال أَبو الهيثم: هي مَواقع المطر فيها نبات فالإِبل تتبعها وترعاها. والصِلالُ: العُشبُ، سمِّي باسم المطر المتفرِّق».

استنشاق التاريخ

زيارة صلالة لا تتوقف على الاستمتاع بالمناخ الفريد، بل إنك وحين تطأ أرضها فأنت في زيارة مفتوحة للماضي السحيق. فظفار وعبر التاريخ، كانت ذات صلة بحضارة الفراعنة في مصر وبابل في العراق عبر شحن اللبان إليهما. وربما يشهد على علاقة هذه الأرض بالخارج خور روري بسمهرم الذي يُحدِّثك عن حكايات لما قبل ألفَيْ عام.

سيَّاراً أو مُحلِّقاً

المسافة بين مسقط في الشمال وظفار في الجنوب قرابة الألف كيلومتر. إن أردتَ أن تقطعها بالسيارة فسوف تحتاج إلى اثنتي عشرة ساعة من المسير. أما إذا أردتَ أن تقطعها بالطائرة فأنت لن تحتاج إلى أكثر من ساعة وعشر دقائق من التحليق الممتع. نعم، هناك سوَّاح الداخل العُماني حيث المحافظة الوسطى أو من المناطق الجنوبية للظاهرة والشرقية والداخلية من يأتونها بالبر لقربها لهم إلى حد ما. كما يأتيها كثيرون براً من دول الجوار وبالتحديد من الإمارات والسعودية واليمن.

جغرافيا صلالة

تقع صلالة على الساحل الظفاري الممتد، حيث البحر يكون هائجاً خلال فترة الخريف، وهادئاً كالحصير في باقي فصول السنة. ولأنها تطل على بحر العرب ومن خلفه المحيط الهندي، فإن الثروة السمكية وفيرة هناك، ويعتمد عليها أهل صلالة منذ القِدَم، فضلاً عن احتضان المدينة لواحد من أهم الموانئ العُمانية بل وأهمها في تلك الإطلالة البحرية، التي تستقبل وتصدر البضائع ما بين الشرق الإفريقي وجنوب شبه الجزيرة الهندية.

ديموغرافيا صلالة

طبقاً للتعداد السكاني الأخير في سلطنة عُمان، فإن عدد سكان ظفار هو 249.729 ألفاً (164.073 ألفاً عُمانيون و 85.656 ألفاً من الوافدين) لكن مدينة صلالة التي هي مركز المحافظة يعيش فيها 172.570 ألفاً من الظفاريين، أي ما نسبته 69.2 في المئة من مجموع سكان المحافظة. لذا، فهي الولاية العُمانية الثالثة من حيث عدد السكان بعد السيب (302.992 ألفاً) وبوشر (192.235 ألفاً).

فصلا السياحة

هناك فصلان سياحيان يتناوبان على المدينة، أحدهما في شهر مارس/ آذار ويقصده الأوربيون غالباً، حيث يأتونها عبر السفن السياحية الضخمة، والثاني هو الخريف وهو الأمتع لغالبية السوَّاح، حيث تتبدل الأجواء المناخية نتيجة هبوب رياح موسمية تأتيها من صوب شبه القارة الهندية، مُكوّنة خريفاً طارئاً، فتجعل من المدينة جنة خضراء، حيث الأمطار والرذاذ والضباب، ودرجة الحرارة المنخفضة، وهو ما يجعلها منطقة جذب مغرية خلال هذا الموسم.

إلى المطار

عندما تحط الطائرة على أحد مدارج مطار صلالة الذي يقع على بعد خمسة كيلومترات فقط من مركز المدينة الرئيسي، تستطيع أن تجد العمل الجاري على قدم وسابق في مطار صلالة الجديد الذي سشُيّد ليستوعب مليون مسافر سنوياً وصولاً لستة ملايين مسافر مستقبلاً، ويقع على مساحة إجمالية تُقدَّر بـ 65.638 ألف متر مربع، مع ثمانية جسور جوية لنقل المسافرين من وإلى الطائرات، وسعة شحن تصل إلى 100.000 طن سنوياً، مع أربعة وعشرين من مناضد إنهاء إجراءات السفر. ومن المؤمل أن يتم الانتهاء منه بحلول العام المقبل. وهو أحد المشاريع العُمانية التي تُنفَّذ لتشجيع السياحة في صلالة.

إلى المدينة المتلألئة

عندما تنهي إجراءات السفر السلسة، وتغادر مبنى القادمين بالمطار، تستطيع أن تتحسس جيداً كم أنتَ في أجواء مناخية مختلفة، حيث الأمطار ودرجة الحرارة المنخفضة، التي لا تتجاوز الـ 26 درجة، مع نزول في معدلاتها كلما صعدت إلى الأعلى.

في كل عام، تتعدد الخيارات أمام السواح، كوْن مدينة صلالة في حركة تطوير دائمة. فقد توسعت مرافق المدينة فيما خص الفنادق والمنتجعات ذات الخمس نجوم. وباتت تضم أكبر فندق منفرد في عُمان من ناحية عدد الغرف، فضلاً عن الفنادق المتصلة بالمجمعات التجارية، حيث تسمح للسائح بالسكن والتبضّع في آن.

في شوارع المدينة، وأماكنها السياحية وفي مراكز التسوق تجد حجم وحركة السوَّاح «النَّملِيَّة» خلال الموسم. وقد نشر المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بسلطنة عُمان أن زوار خريف صلالة هذا العام وحتى السادس عشر من سبتمبر زاد بنسبة 4 في المئة عن العام الماضي، حيث بلغ 428.543 ألف زائر.

الطبيعة الخلابة

في اليوم التالي لوصولي إلى صلالة، شددت الرحال باتجاه الجبال الخضراء التي تؤطر المدينة، وكأنها لوحة فنية كبيرة، مُزدانة بأروع مشاهد الطبيعة الخلابة. كلما صعدتَ إلى قمم الجبال، تنخفض درجات الحرارة أكثر، ويزداد الضباب، وتبدأ الحشائش والأشجار في اللمعان والبريق. في أعالي الجبال، قد تتفاجأ عندما ترى صورة لحياة أخرى هناك، بكامل أركانها التعليمية والصحية والمعيشية حيث يسكنها أهل الجبل كما يُسمَّون.

كثير من السوَّاح يفضلون البقاء مع حاجياتهم في سفوح الجبال للاستجمام والراحة، والاستمتاع بأدني درجة حرارة ممكنة. فالجبال هناك، ليس كما نتصورها قاسية ذات مشاهد صخرية قاتمة، بل هي وخلال الخريف تتحوَّل إلى صورة مختلفة تماماً. وتزيد من روعتها الوديان، كما هو الحال بالنسبة لوادي دربات الشهير بولاية طاقة الظفارية حيث البحيرات والشلالات المتدفقة، والكهوف التي تخرق ظهور الجبال، محاطة برقعة خضراء لا تنتهي من كل حدب وصوب. كما توجد عَيْنَيْ طبرق وأثوم، وعيون ماء منهال وإيروب وانحارت في رخيوت، وهناك شاطئ المغسيل وشلالات عين حوت وغيرها من المواقع الجميلة.

عَبَق التاريخ

ولمن يُحب التاريخ والآثار، فإنه سيجد رائحة العالم القديم في ظفار. سيرى مدينة وبار وواحة هانون، اللتان كانتا مهداً للتجارة وتجميع اللبان. كما سيطلع في ولاية طاقة على عمق التاريخ المتصل من جنوب عُمان حتى الفراعنة المصريين. وكذلك الحال في مرباط، وعلى ضريح نبي الله صالح بن هود (ع) في سدح وغيرها من الولايات الظفارية.

مهرجان صلالة

من صور السياحة في صلالة هو مهرجانها السنوي الضخم الواقع في سهل إتين على مساحة جغرافية تصل إلى 514185 ألف متر مربع ويحوي العديد من النشاطات الثقافية والفنية والترفيهية، وتتوافر فيه المسارح والمعارض والقرى التراثية وغيرها.

عندما تدخل إلى باحة المهرجان، فأنت في حيِّز يختصر إليك كل شيء في عُمان، سواء من حيث الخدمات كمنشآت إدارية وطِبابَة مجانية وخدمات مصرفية وطيران، أو الاطلاع على التراث والفنون التقليدية الثقافة والحياة البرية والبحرية في ظفار. تسعة وثلاثون يوماً هي أيام المهرجان هذا العام، جعلت حجيجاً من بروناي وحتى موريتانيا لأن يقصدون مشاركين فيه. وقد أشارت دائرة المهرجان بأن زوار مركز البلدية الترفيهي الذي يضم المهرجان والفعاليات الخارجية ولغاية 26 من أغسطس/ آب الماضي قد بلغ 1.856.467 مليون زائر.

صلالة، مدينة جميلة تستحق الإشادة. وقبل الأرض يشيد الزائر بأهلها الطيبين، الذين يمتازون بدماثة الخلق والتواضع الجم. إنها فعلاً جنة الطبيعة المُحفِّزة للسوَّاح.

العدد 4411 - السبت 04 أكتوبر 2014م الموافق 10 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:55 ص

      بصراحه هي منطقك مهملة للاسف

      زرت صلالة في السابق ووجدت بها طبيعة خلابة و لكن للاسف البنية التحتية مهملة و تعبانه و لا اعرف ما هو السبب

    • زائر 1 | 11:38 م

      بلد الأمن والجمال

      شعب مكافح قانع وسعيد وما يمتلكه من سواحل بحرية مفتوحة وجزر أيضاً مفتوحة فإنها تملك ثروة سمكية تجعل الصيد متعة وايضا جمال طبيعتهم الجبلية وصلالة المدينة تقدر ان نقول طبيعة غربية وايضا يحكمها سلطان عادل يحبه الصغير والكبير نتمنى لهم رغد الحياة والسعادة

اقرأ ايضاً