العدد 4416 - الخميس 09 أكتوبر 2014م الموافق 15 ذي الحجة 1435هـ

زباري: تحديات بالغة الصعوبة تواجهها دول «التعاون» بسبب تزويد المياه

«كفاءة المياه» في مؤتمر الخليج الحادي عشر

وليد زباري
وليد زباري

السلمانية - محمد باقر أوال

تواجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تحدياً بالغ الصعوبة بشأن تزويد المياه بشكل مستدام للأنشطة التنموية المختلفة، ويرجع ذلك لمحدودية الموارد المائية الطبيعية المتاحة، وتصاعد الطلب والتنافس عليها من قبل القطاعات المستهلكة نتيجة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة وما يصاحبها من نمو سكاني من جهة أخرى. كما أن التحدي الذي سيواجه هذه الدول مستقبلاً ينذر بالخطر، تزداد فيه ندرة المياه وتتعاظم تكاليف إمداداتها. على ضوء ذلك أجرينا لقاء مع رئيس جمعية علوم وتقنية المياه منسق برنامج إدارة الموارد المائية وبرنامج الهيدروجولوجيا بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي وليد خليل الزباري، حيث سلط الضوء على التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون بشأن المياه، إذ سيشارك زباري في المؤتمر الذي ستقيمه جمعية علوم وتقنية المياه في سلطنة عمان في الفترة (20-22 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، حول موضوع «كفاءة المياه» ودورها في تحقيق الإدارة المستدامة للمياه في دول التعاون.

كيف ترى الوضع المائي في دول مجلس التعاون؟ ما هو برأيك التحدي الرئيسي للمياه في دول مجلس التعاون؟

- أصبحت عملية تزويد المياه بشكل مستدام للأنشطة التنموية المختلفة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والواقعة في أكثر مناطق العالم جفافاً وأكثرها إجهاداً مائياً؛ من التحديات البالغة الصعوبة التي تواجهها هذه الدول، وكذلك من القضايا التي عليها أن تواجهها بكل كفاءة واقتدار. ويرجع ذلك لمحدودية الموارد المائية الطبيعية المتاحة من جهة، وتصاعد الطلب والتنافس عليها من قبل القطاعات المستهلكة نتيجة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة وما يصاحبها من نمو سكاني من جهة أخرى. حالياً، تواجه بلدان مجلس التعاون الخليجي مستقبلاً ينذر بالخطر، تزداد فيه ندرة المياه وتتعاظم تكاليف إمداداتها، الأمر الذي لا يهدد التنمية المستقبلية فيها فقط، ولكنها أمام تحد آخر وهو المحافظة على إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إليها.

حالياً يعتبر التصدي لندرة المياه، سواء بسبب الظروف الطبيعية أو الممارسات الإنسانية، من التحديات الرئيسية والأكثر أهمية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن يزداد هذا التحدي مع الوقت بسبب العديد من القوى الدافعة، بما في ذلك النمو السكاني، وتغيير أسلوب الحياة وأنماط الاستهلاك، والطلب المتنامي على الغذاء، ونظام الإعانات العام السائد، وتغير المناخ، والعديد من القوى الدافعة الأخرى، مما يضطر دول المجلس إلى القيام باستثمارات باهظة ومكلفة في مصادر الإمداد بالمياه والبنى الأساسية (تحلية المياه، معالجة المياه، بناء السدود، وإنشاء حقول آبار المياه الجوفية) وذلك لتلبية الطلب المتصاعد على المياه. إن التكاليف المالية والاقتصادية والبيئية، وكذلك الاجتماعية، المرتبطة بنهج إدارة وتعظيم العرض السائد حالياً في دول مجلس التعاون تعتبر عالية ولا تحتاج إلى تفصيل. ولذا لا بد من التوجه إلى نهج إدارة الطلب والكفاءة والترشيد لتحقيق استدامة المياه وليخدم ذلك بدوره خطط التنمية المستدامة بدول المجلس.

استدامة المياه

ما المقصود باستدامة المياه؟

- تحت ظروف الجفاف الحالية في دول المجلس لا يمكن تحقيق استدامة المياه بمعناها الفيزيائي في معظم دول المجلس، فلا توجد فيها أنهار أو مياه جوفية متجددة يمكن المحافظة على استدامتها. ويبقى أمام دول المجلس تحقيق الإدارة المستدامة للمياه، ويقصد بها، بشكل عام، «تزويد المياه بالكمية الكافية والنوعية المطلوبة لمختلف القطاعات التنموية، وذلك بأدنى قدر من التكاليف المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية من حيث القيمة المضافة من استخدام المياه والمساهمة في التنمية الوطنية، على المدى البعيد». ويتضمن هذا التعريف - وبشكل قوي - قضية «كفاءة المياه»، والتي تشمل - بالمعنى الواسع لها - كفاءة إمداد المياه، وكفاءة استخدامها، وتدويرها، وإعادة استخدامها، والتخطيط على المدى الطويل للاستخدام الكفء للموارد، وتعكس تحولاً رئيسياً في نهج إدارة الموارد المائية بعيداً عن الأسلوب التقليدي لإدارة العرض إلى إدارة الطلب على المياه. ويمكن لكفاءة المياه أن تساعد بشكل كبير في الحد من الإسراف في استخدام الموارد، الذي يمثل الفرص الضائعة، فضلاً عن استخدام المياه من دون هدف اقتصادي أو اجتماعي. وعلاوة على كل ذلك، فإنه غالباً ما تؤدي تدابير الكفاءة إلى تفادي أو تأخير الحاجة لاستثمارات البنية التحتية، وتقليل العبء على الموارد المالية وموارد الطاقة الحالية، مؤدية إلى توفير مكاسب حقيقية للمجتمع.

كيف ترى كفاءة المياه في دول المجلس حالياً؟

- حالياً، في دول مجلس التعاون، وبشكل عام، تعتبر كفاءة المياه في كلٍّ من جانبي العرض والطلب، منخفضة جداً. فعلى سبيل المثال، في جانب العرض يتراوح التسرب المادي في شبكات المياه البلدية ما بين 30 في المئة وأكثر من 40 في المئة، الذي هو على خلاف مع التكلفة العالية التي تتكبدها دول المجلس في إنتاج وتوزيع هذه المياه عالية الجودة والتي تتراوح بين 1-2 دولار أميركي للمتر المكعب، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك. علاوة على ذلك، فإن معدلات تدوير المياه في دول المجلس لا تكاد تذكر، في حين أن المياه العادمة التي يتم تجميعها لا تتجاوز في المتوسط 40 في المئة من كميات المياه البلدية الإجمالية، ومعدل إعادة استخدام المياه المعالجة لا يتجاوز 60 في المئة في أحسن الأحوال. أما في جانب الطلب، فيصل معدل استهلاك الفرد من المياه في القطاع المنزلي في معظم دول المجلس إلى 500 لتر في اليوم ويتجاوز في أكثر من دولة 700 لتر في اليوم، ويعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم. وفي القطاع الزراعي، الذي يستهلك في المتوسط أكثر من 80 في المئة من إجمالي المياه المستخدمة في دول المجلس، فإن سيادة طرق الري غير الكفوءة يؤدي إلى فقدان أكثر من 50 في المئة من كميات مياه الري المستخدمة. وبالمثل، تسود في القطاع الصناعي العديد من الممارسات المسرفة للمياه مع جهود تدوير لا تذكر.

توفير إمدادات المياه

ماذا عن جهود دول المجلس في هذا المجال؟

ـ لقد أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي مئات المليارات من الدولارات على البنى والهياكل الأساسية لإمدادات المياه (أي محطات التحلية والمعالجة والسدود وإنشاء حقول آبار المياه الجوفية) في سبيل توفير إمدادات المياه لمواطنيها وللقطاعات المستهلكة الأخرى، وهي جهود جبارة ويثنى عليها بلاشك؛ إلا إنها، للأسف، لم تولِ الاهتمام الكافي لكفاءة الاستخدام، وكفاءة التزويد، والتدوير، وإعادة الاستخدام، وبالطبع فإن الاستمرار في هذا النهج مكلف جداً غير مستدام. ولتعزيز استدامة نظام إدارة المياه وتعزيز سياسات إدارة الطلب على المياه في دول مجلس التعاون؛ هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في نهج إدارة العرض التقليدي السائد حالياً، وتحسين كفاءة استخدام المياه عن طريق تقليل الهدر في جميع القطاعات المستهلكة للمياه، وزيادة الوعي والتأثير على سلوك المستهلكين وتغييره نحو تقليل تبذير المياه.

وفي الواقع، وفي ظل الاقتصاد السياسي السائد حالياً في دول مجلس التعاون، حيث يسود نظام دعم عام يجعل من الصعب استخدام الحوافز/المثبطات الاقتصادية، وهي من الأدوات الأكثر كفاءة في تقليل الطلب والترشيد، يصبح من المحتم على دول المجلس التركيز على تحسين كفاءة المياه لنظام إدارة المياه من أجل ضمان إمدادات مياه بأقل التكاليف والحد الأدنى من المخاطر، وتحقيق أقصى قدر من الإنتاجية لكل متر مكعب يستهلك فيها.

ما هي الفوائد المتوخاة من رفع كفاءة المياه في دول المجلس؟

- أولاً، إن تحسين كفاءة المياه من خلال تنفيذ تدابير الحد من الهدر، في جانبي العرض والطلب، هو أكثر فعالية، من حيث التكلفة، من زيادة طاقة الإمداد بالمياه، حيث إن خيارات رفع كفاءة المياه المتاحة لديها وحدة تكلفة أقل من وحدة تكلفة زيادة العرض لزيادة الإمدادات. وبالمثل، فإن زيادة كفاءة نقل مياه الري ونظام الري، أكثر فعالية من حيث التكلفة من زيادة استخراج المياه الجوفية لتلبية احتياجات الري. ولذلك، يجب النظر إلى تحسين كفاءة المياه كعنصر مكمّل، وفي بعض الحالات قد يكون بديلاً عن الاستثمارات طويلة الأجل في مجال إمدادات المياه وبنيتها التحتية.

وفي قلب هذا المفهوم معيار اقتصادي هام، حيث ينتج عن برامج كفاءة المياه مستوى من الفوائد تتجاوز بكثير التكاليف اللازمة للقيام بها. فعلى سبيل المثال، عند خفض إنتاج محطات التحلية أو تأخير توسعة طاقتها من خلال تنفيذ تدابير كفاءة المياه (مثل الحد من التسرب في شبكة التوزيع، أو الأجهزة الموفرة للمياه، أو إعادة التدوير، وغيرها من التدابير)، فإن هذه التدابير لا تؤدي إلى توفير الأموال على المستهلكين والتقليل من المخصصات أو الموازنات المالية المتجهة للمياه وبالتالي خفض العبء على الموازنة الوطنية للحكومات فحسب؛ ولكنها تحافظ أيضاً على أصول الموارد الطبيعية من الطاقة (النفط والغاز)، المصدر الرئيسي للدخل لدول مجلس التعاون الخليجي. كما أنها - بالإضافة إلى زيادة القيمة المضافة لاستخدام كل متر مكعب وتحرير المياه لاستخدامات أخرى - ستقلل كذلك من التكاليف البيئية المصاحبة لإنتاج المياه المحلاة من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة، ومياه الرجيع التي يتم تصريفها في البيئة الساحلية والبحرية، وبالتالي تقليل التأثيرات والكلف البيئية المصاحبة. ومن ثم، فإن تحسين كفاءة المياه يؤدي إلى العديد من الفوائد المتتابعة ويسهم مباشرة في تحقيق الأهداف الإنمائية لدول مجلس التعاون الخليجي، ويساعد على ضمان إمدادات المياه حالياً وللأجيال القادمة، وفي النهاية تعزيز المستوى العام للأمن المائي.

ما الذي يجب عمله لرفع كفاءة المياه في دول المجلس وما هي التوصيات لدول المجلس في هذا المجال؟

- على رغم أن مشكلة ندرة المياه في دول مجلس التعاون هي مشكلة مسلم بها، إلا أن مسألة كفاءة المياه لم تصبح أولوية رئيسية بعد في جداول أعمال الحكومات لهذه الدول. وعلاوة على ذلك، فإن معظم المؤسسات المعنية بالمياه في دول المجلس تستمد ثقافتها من مركزية مبنية على نهج إدارة العرض والنهج القطاعية لإدارة المياه على رغم تداخل وتأثر قطاعات المياه المختلفة. ولذا، فإنه من الأهمية بمكان أن تبذل الجهود لإدراج تدابير كفاءة المياه صراحة ضمن إطار استراتيجيات السياسات وإدارة المياه المتكاملة والشاملة وتعطى الأولوية المطلوبة. ويجب معالجة مسألة كفاءة المياه على جميع المستويات في إدارة المياه، من خلال الوسائل التقنية، وتحسين الممارسات الإدارية، وتغيير السلوك المجتمعي.

وباختصار، فإنه قبل اللجوء إلى «توفير المزيد من المياه»، أي اتباع نهج إدارة العرض وتعظيمه، الذي غالباً ما يعني تشييد هياكل وبنى أساسية جديدة ومكلفة؛ ينبغي أن يكون النهج الأول والأكثر فعالية من حيث التكلفة هو تحسين كفاءة المياه لنظام إدارة المياه، ومعالجة قضايا الطلب، وكحلّ أخير بعد كل ذلك، زيادة الإمدادات المائية.

دور الجمعية

جمعية علوم وتقنية المياه هي جمعية خليجية مختصة بالمياه، ما الذي تقوم به الجمعية في هذا المجال؟

- بسبب أهمية موضوع «كفاءة المياه» ودورها في تحقيق الإدارة المستدامة للمياه في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يركز مؤتمر الجمعية الحادي عشر للمياه، الذي سيعقد باستضافة سلطنة عمان خلال الفترة (20-22 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، بالأساس على موضوع كفاءة المياه ضمن الإطار العام لإدارة الطلب. ويهدف المؤتمر بشكل رئيسي إلى رفع مستوى الوعي والتأثير على السياسات والقرارات المائية حول أهمية تحسين كفاءة المياه كخيار فعال من حيث التكلفة للمساهمة في تحقيق الإدارة المستدامة للمياه في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديد التحديات والفرص في مجال تحسين كفاءة المياه في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية والسياسية السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي. وسيقدم المؤتمر أعلى الخبرات وأفضل الممارسات والتجارب من مختلف الدول في مجال تحسين الكفاءة والتغلب على تحديات ندرة المياه في دول مجلس التعاون والدول العربية الجافة.

وبدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والعديد من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات العالمية والإقليمية ذات العلاقة، تم دعوة أكثر من 15 متحدثاً رئيسياً بالمؤتمر من مجموعة مختارة من العلماء الخليجيين والعرب والعالميين لإلقاء أوراق علمية في محاور المؤتمر المختلفة إضافة إلى أوراق الهيئات الإقليمية والدولية التي تدعم المؤتمر، وتم اختيار أفضل 50 ورقة من بين أكثر من 100 ورقة قدمت للمشاركة للإلقاء بالمؤتمر. كما سيتم خلال المؤتمر تنظيم ثلاث جلسات خاصة، الأولى ستكون خاصة بدول المجلس تقدم فيها كل دولة من دول المجلس ورقة قطرية حول التحديات التي تواجهها في مجال كفاءة المياه وإنجازاتها في التغلب عليها، والثانية جلسة تنظمها منظمة الإسكوا حول العملية الانتقالية من الأهداف الإنمائية للألفية لأهداف التنمية المستدامة وتبعات ذلك على المنطقة العربية، والجلسة الثالثة هي جلسة حوارية حول مستقبل التحلية في العالم، ويشارك فيها ممثلون عن مناطق العالم المختلفة وتنظمها جمعية التحلية العالمية.

إضافة إلى ذلك، تنظم الجمعية في اليوم الذي يسبق انعقاد المؤتمر بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة الإقليمية ثلاث دورات تدريبية حول «البصمة المائية» و «النمذجة الرياضية لأنظمة إدارة المياه» و «إدارة نوعية المياه ومراقبتها» تقدمها الجمعية للمشاركين في المؤتمر وكذلك متخصصي المياه في سلطنة عمان الأولى والثانية بأسعار رمزية والثالثة مجانية. كما سيصاحب المؤتمر معرض يضم أحدث التقنيات في مجال علوم وتقنية المياه لإتاحة الفرصة للمشاركين في المؤتمر للاطلاع على أحدث المنتجات والابتكارات العلمية والتقنية في مجال كفاءة المياه المختلفة.

وتهدف الجمعية من خلال هذه الأنشطة والفعاليات في مؤتمرها الحادي عشر إلى تحقيق الهدف الرئيس للمؤتمر وهو رفع مستوى الوعي حول أهمية تحسين كفاءة المياه كخيار فعال، من حيث التكلفة والمساهمة والتأثير على السياسات والقرارات المائية في تحقيق الإدارة المستدامة للمياه في دول مجلس التعاون الخليجي.

العدد 4416 - الخميس 09 أكتوبر 2014م الموافق 15 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً