العدد 4423 - الخميس 16 أكتوبر 2014م الموافق 22 ذي الحجة 1435هـ

شخصنة النقد في الموقف الاجتماعي

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

النقد وسيلة منهجية للإصلاح والتغيير، ويرتكز على قيم الأخلاق والمصداقية في التشخيص الدقيق والرصين وطرح الرؤى الموزونة في مقاصدها ومعالجاتها بموضوعية وحكمة للقضايا الوطنية وبالأخص الشائكة منها والمصيرية المرتبطة بمستقبل الأمن المجتمعي والوطني.

والنقد البناء المؤسس علمياً ومنطقياً، الملتزم بضوابط اللباقة الخلقية والأدبية والمبني على الأسس الموجهة والمقاصد الصادقة في البناء والتغيير الإيجابي، من الطبيعي أن يؤسس لحالة إيجابية تفضي إلى تكوين واقع موزون في توجيه النصح، ويمكن بفعله إحداث التغيير الإيجابي في الاصلاح الاجتماعي وتصحيح المسار الوطني. ويشكّل النقد الأكاديمي والأدبي منهجاً مهماً في إحداث التغيير الإيجابي والمنهجي في طرق البحث العلمي ومرئيات الدراسات الأكاديمية المفيدة في تكوين المخرجات العملية والارتقاء بمؤسسات البحث العلمي، إلى جانب الارتقاء بمستوى الإبداع في الكتابات الأدبية، ويمكن أن يتحقق ذلك المنجز ضمن القراءة النقدية المبنية على مقومات المقاصد النزيهة والشفافة.

والنقد أيضاً منهج علمي يستثمر في تصحيح الأخطاء والارتقاء بمستوى الخطط والسياسات التنموية والحضرية والبيئية، ويسهم النقد الواعي والعاقل في إيجاد المخارج والحلول الممنهجة والدفع الفعلي لتحقيق المنجز في خطط البناء والإصلاح والارتقاء بمناهج الاستراتيجيات التنموية ومسار العمل الوطني. وليس هناك خلاف على أن النقد حق طبيعي وركن رئيس في منظومة الممارسات الديمقراطية، بيد أن ذلك الحق لا يجيز للفرد أو الجماعة والمؤسسة في سياق المعالجة النقدية على اختلاف موضوعاتها، تجاوز الحدود الموضوعية وفواصل اللباقة الأدبية والأخلاقية، والتطاول على حقوق الغير والإجحاف بحق الرأي الآخر. وينبغي أن يؤسس النقد على ثوابت المصداقية والشفافية والمسئولية القيمية، ويحدّد ضمن منظومة تبيان جوانب الخطأ والصواب، الثوابت المؤسسة لذلك وفق المنهج الواقعي في المعالجة النقدية الذي يمكن بفعله تكوين ظاهرة إيجابية تؤسس لحراك مجتمعي يسهم في تفعيل مسيرة العمل الوطني الواعي ويضيف الجديد والمفيد في تعضيد قدرات ومقومات الجهد الوطني المؤسس في مقاصده والموجه في مناهجه للتمكن من إحداث منعطف تاريخي في مسيرة التطور الحضاري لبلادنا.

وبالإرتكاز على ما جرى رصده من مؤشرات سلبية في الحوارات المستعر وطيسها، يمكن القول أن هناك ضعفاً في الوعي بمفاهيم وأبجديات النقد لدى فئة ليست بسيطة في المكون الاجتماعي، في سياق معالجتها للقضايا المجتمعية والوطنية، في المجالس والتجمعات المحلية وضمن الحوارات بين الأفراد وقطاعات المجتمع، وما يجري تسجيله من مرئيات وتعليقات غير موزونة وغير مؤسسة في تقييمها لحيثيات التقارير والتصريحات الإعلامية، وللرؤى التي تطرح في مقالات الرأي.

ويمكن الجزم بأن واقع ذلك المسار لا يؤسّس لحركة نقدية واعية في أهدافها ومشاريعها، وما نشهده من سجال غير موضوعي وانتقادات غير بناءة لا يتعدى حدود الحرب الكلامية والتسفيه والنيل من كرامة الشخوص والرموز التاريخية والفكرية، وتلك ظاهرة غير صحية يؤسف لوجودها، ويتسبب ذلك التوجه في بروز حالة الإحباط لدى العقول النيرة ويدفعها إلى التقهقر عن ممارسة دورها الوطني الذي نحن في حاجة إليه، ويؤسس أيضاً لبناء حركة نقدية منتفعة وغير بناءة تسهم في تعضيد مقومات الهدم وليس البناء الذي ينشده المجتمع ويسعى للظفر بثمرة منجزاته.

ولتبيان حقيقة ذلك الواقع من الطبيعي استدراك حالات مهمة تبرز واقع التهري وعدم الوعي في معالجة بعض القضايا الوطنية، ويمكن الاشارة في هذا الخصوص لما شهدناه من تعليقات للقراء في صفحات بعض الصحف الوطنية ووسائط التواصل الاجتماعي فيما يخص المواقف التقييمية لبعض المرشحين أثناء سير عملية الانتخابات البرلمانية العام 2010، وكانت جميعها محبطة ومؤسفة ومحاطة بمختلف أشكال العصبوية الطائفية والحزبية والصنمية الفكرية. وتجلت تلك المواقف في أساليب القذف والإساءة إلى المرشح غير المتوافق مع نهجها الفكري على الرغم من تاريخه الوطني المشرف الذي هو محط تقدير ببن مختلف أقطاب العمل الوطني.

الحالة الأخرى تتمثل في المواقف التقييمية المضحكة والمبكية في آن واحد، حيث يطلع علينا نفر من الناس برؤية لا يمكن هضمها وفهمها بأن يساوي فيها الموقف الوطني لمفكر وطني معروف بنزاهته ومواقفه الوطنية بمواقف شخصية عربية غير موزونة تسببت في بث الفرقة وإشاعة بوادر الفتنة الطائفية في الأوساط المجتمعية في عالمنا الإسلامي عبر ممارساتها ودعواتها غير الموزونة، واعتبار الموقف الأخير بشأن ما طرحه من تخريف في الدعوة إلى إقامة «وطن قومي» لطائفة كريمة على غرار الطائفة اليهودية، رؤية يتساوى مكونها الجنوني مع رؤى شخوصنا الوطنية. الرؤى التي جرى طرحها في مقالنا «الانتخابات حق ومسئولية وطنية» لم تكن أوفر حظاً، ودون التمعن في ما جرى طرحه وجد البعض ضالتهم في توجيه النقد غير المبرر والعودة 40 عاماً إلى الوراء عندما ساهمنا مع الشباب المتنور في بداية سبعينيات القرن الماضي في حملة التوعية بأهمية إقامة مدرسة ابتدائية للبنات في باربار، والتي كانت محط معارضة شديدة من قبل الفئة غير المتنورة في المجتمع.

خلاصة القول نحن في حاجة إلى إعادة النظر في طرق تشخيصنا ونقدنا للرؤى المختلفة معنا، فهل نحن قادرون على فعل ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 4423 - الخميس 16 أكتوبر 2014م الموافق 22 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:54 ص

      رؤى صائبة

      الكاتب أصاب في ما ذهب الى تشخيصة فتلك حقائق واقعية وهي مشكلة نعاني منها وتجعلنا صامتين ونخشى قول الحقيقة تجاه ما نصادفه من أخطاء.
      مشكلتنا لم تعد في اننا سنرجم بوابل من الهجوم والتجريح بل اصبحنا نخشى ما هو اكبر من ذلك.؟

    • زائر 2 | 5:11 ص

      البعض

      كلام جميل منه الصائب ومنه غير صائب ومبني حسب رؤية الكتي من زواياه التي يراها ويدافع عنها حسبما يراها وفي النهايه له وجهته ان كان محق وغير ذلك والشكر الجزيل لكل من شارك وابدى بتعليقه اورايه

    • زائر 1 | 12:57 ص

      المشكلة عندما يمسكم طراش الماء

      كلا يناجي ياا ليلاه عندما يمسه النقد وحلال لاحدهم وحراما ع سواه عندما يتصدر احدهم النقد يكون بناءا وهو مشخصن نتيجة احقاد وحسد وضغائن وعندما يلدغ ذات المرء بنقد لا يقبلة بل تثور ثائرته كي يوصم الاخرين بما لا تحتمله الكلمات

اقرأ ايضاً