العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ

ملتقى مدني لمناهضة خطاب الكراهية وتعزيز التسامح في العالم العربي

إحدى جلسات ملتقى مناهضة خطاب الكراهية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا
إحدى جلسات ملتقى مناهضة خطاب الكراهية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا

نظمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، ورشة عمل إقليمية في العاصمة التونسية، في الفترة ما بين 16 و19 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، جمع نخبة من رجال الصحافة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.

الورشة التي شاركت فيها وفودٌ من 17 دولة عربية، لأكثر من 120 شخصية من الناشطين والإعلاميين، فضلاً عن شخصيات قيادية في مؤسسات الأمم المتحدة الحقوقية والثقافية، كانت تحت عنوان «دور المجتمع المدني والإعلام في تعزيز التسامح والتعددية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وهدفت الورشة إلى متابعة «خطة عمل الرباط ضد التحريض على الكراهية»، التي اعتمدت في العام 2012، والتي هدفت بدورها إلى إتمام المناقشات والتوصيات التي صدرت عن أربع ورش عمل سابقة، في العام 2011، لمناقشة السياسات العامة والتشريعات الخاصة بمسألة التحريض على الكراهية القومية والعنصرية والدينية.

الورشة الأخيرة في تونس تأتي على خلفية التداعيات التي أسفرت عنها أحداث الربيع العربي، من شيوع خطابات الكراهية والصور النمطية السلبية في وسائل الإعلام، وبث دعوات الكراهية الدينية والمذهبية، من قبل المسئولين الحكوميين أو الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة، وما أدت إليه من قتل وهجمات على أماكن العبادة والدعوات العنصرية المباشرة للتطهير والانتقام.

هذا الحراك الدولي لمحاصرة خطاب الكراهية وتجريمه، ازداد أهميةً بعد تطورات الأحداث في العراق والشام في الأشهر الأخيرة، بعد صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، الذي قام بعمليات تصفيةٍ للخصوم والمدنيين الأبرياء على حد سواء، من الأقليات الدينية والعرقية، والعودة إلى ممارسة سبي النساء وبيعهن في سوق النخاسة.

وباء الكراهية

استهلت الورشة بعرض فيلم وثائقي من إعداد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، بعنوان «أثير الكراهية»، متناولاً الفضائيات الدينية، السنية والشيعية، التي تُسهم في تأجيج نيران الصراع الطائفي، وما يُتاح لها من تمويل مالي ضخم.

كان أحد الهواجس الكبرى التداخل بين مفهومي «حرية التعبير» و»التحريض على الكراهية»، خشية استغلال الأنظمة الاستبدادية للدعوة إلى مناهضة خطاب الكراهية، في قمع الحريات وتقييد حرية التعبير.

طرحت مديرة مشروع حق التعبير العالمي بجامعة كولومبيا آنياس كالامار «إطار حقوق الإنسان المناسب لتقييم التداخل بين حق التعبير وحظر التحريض على الكراهية»، مشيرة إلى الاتفاقية الدولية بشأن التمييز العنصري الذي يرتبط بالدعوة للعنف والكراهية ضد الأجناس والطوائف والأعراق. وهو ما ينتهي إلى ارتكاب أعمال قتل وجرائم ضد الإنسانية.

وقالت كالامار إن المناخ العام لخطاب الكراهية يقوم على اللامساواة والإقصاء والتمييز، وادعاء التفوق على الغير، وهو ما يوفر بيئة حاضنة لمثل هذه الأفكار، وفي المقابل يستدعي إعلان التضامن مع الضحايا، وإعلان خطة بديلة للإعلام لمنع انتشاره، ومواجهته بخطاب يدعو إلى التسامح والمساواة والتعددية، وتنظيم حملات للمناصرة على المستوى السياسي والقانوني لنشر المواساة، ورفع قضايا في حال وصول خطاب الكراهية إلى حد معين لمواجهة هذا الجرم ومحاكمة أصحاب هذا الخطاب.

وطرحت مديرة المركز الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالقاهرة علياء الدالي «الربيع العربي بين حرية التعبير وخطاب الكراهية»، حيث برزت الحركات الشبابية التي تبحث عن الحرية والكرامة، ولاحقاً ظهرت حركات هدامة عنيفة تهدد مستقبل المجتمع العربي وتماسكه، بما يعيد إنتاج أنظمة الاستبداد، وتصاعد خطاب معادٍ للمرأة وظهور جهاد النكاح وسبي النساء.

انتهاكات بالجملة

الجلسة الثانية تركزت حول «مظاهر التحريض على الكراهية ومنهجيات مناهضته»، وأدارتها مديرة مكتب الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة، الإعلامية البحرينية خولة مطر. وتوسعت الناشطة الكويتية مها البرجس (المنظمة العربية لحقوق الإنسان) في نقد خطاب الكراهية وأمثلته المتعددة، وأبرزها ما جرى في التسعينيات في رواندا، من قتل 800 ألف شخص خلال 100 يوم، واغتصاب آلاف النساء، وكان ذلك نتاجاً طبيعياً لسياسات التمييز التي تكرست حتى في المدارس، حيث كان أبناء كل قبيلة يجلسون في جانب من الفصل الدراسي.

وأشارت البرجس إلى «داعش» و»جبهة النصرة» في استهداف المدنيين والإعلاميين في سورية والعراق، وما جرى من فصل مذيعٍ بإحدى القنوات المصرية لأنه مسيحي في زمن حكم محمد مرسي، وقضية الحكم بالإعدام على سيدة سودانية لأنها غيرت ديانتها، إلى جانب الاستهداف الواضح للمكوّن الشيعي في البحرين، وهدم المساجد والحسينيات بدعوى أنها غير مرخصة حيث ردّت الأوقاف الجعفرية بأنها مرخصة. واعتبرت ذلك خطاب كراهية من جانب الحكومة، تحول إلى خطاب رسمي.

وأضافت البرجس أن كل هذه أمثلة مما يحدث في المنطقة، وللأسف يتم اختزال خطاب الكراهية بين السنة والشيعة، لكنه أوسع مدى، حيث يشمل المسيحية والأقليات الأخرى، وكله يعود إلى غياب العدالة وسياسات الإقصاء، داعيةً إلى ضرورة تعديل المناهج الدراسية بشكل كامل، خصوصاً الدينية منها، فـ «مناهج الدين في الكويت تتضمن مواضيع تكفّر إخواننا الشيعة، وأدعو من هذا المنبر إلى تبني منهج ديني واحد».

مسئول قسم الحريات الدينية في «مرصد البحرين لحقوق الإنسان» الشيخ ميثم السلمان، تحدّث عن دور المجتمع المدني في تطوير آليات مكافحة خطاب الكراهية وتعزيز قيم التسامح، حيث لفت إلى ارتفاع حدة خطاب الكراهية منذ 2011 في المنطقة، متزامناً مع انطلاق الطموح العربي في تحقيق الكرامة والحرية والديمقراطية. وأشار إلى إطلاق المرصد في سبتمبر/ أيلول 2012 رسالةً إلى المفوضية السامية نافي بيلاي لحث السلطة في البحرين على تبني خطة عمل الرباط، وإطلاق نداء في يناير/ كانون الثاني 2013، للمزاوجة بين «مبادئ كامدن» و»خطة عمل الرباط»، كما أطلقت الجمعيات السياسية الديمقراطية في يناير 2014 وثيقة «لا للكراهية.

وأشار السلمان إلى وجود تسعة مذاهب دينية في الخليج، غير المنتمين لأديان أخرى كأقليات، يتوزعون على 35 أصل اجتماعي، إضافةً إلى تقسيمات وفروع ومدارس سياسية وفلسفية يتبناها أبناء هذه المنطقة، وعليه «ما لم تدرك هذه الدول أهمية المساواة، بصرف النظر عن القبيلة والعرق، فإنها ستعاني من اضطرابات سياسية ما لم تنجح في إدارة السياسة بطريقة صالحة».

واقترح السلمان تكوين ائتلاف وطني أهلي ضد خطاب الكراهية، ويبقى في إطاره الأهلي، كي لا يخضع للأحزاب السياسية أو السلطة. وأضاف: «يجب أن نعترف أن خطاب الكراهية منشؤه هذه المنطقة، والشعوب هي التي تعاني من تصاعده، وما نشاهده اليوم في العالم يمثل كارثة حقيقية، من بوكوحرام إلى داعش إلى الفكر الظلامي، انتهاءً بتوظيف السياسيين والأنظمة للخلافات الدينية من أجل شرعنة قمع الحريات، وهو ما يستدعي نهوض المجتمع المدني لمواجهة هذه الكارثة». ودعا إلى تشكيل هيئات رقابية مستقلة (غير حكومية) لمراقبة خطابات الكراهية في العالم العربي، خصوصاً بعدما نمت ظاهرة العنف الديني والطائفي والمذهبي في زمن قياسي.

رئيس قسم هيئات المعاهدات بالمفوضية السامية، والناشط الحقوقي إبراهيم سلامة، تناول الرسالة الأساسية لخطة عمل الرباط، باعتبارها وثيقة مجتمع مدني بالكامل وليست وثيقة حكومات، (فالحكومات كانت تحضر كمراقب)، وهناك 87 دولة أشادت بإعلان الرباط وطالبت بتطبيقه. وقال: «الثورات تقوم باسم الشعوب ثم تصطدم بالواقع، ثم تعود إلى حالة من التوازن، وهنا يبرز دور منظمات المجتمع المدني».

درسٌ من كينيا

الباحث بمركز الدراسات الاجتماعية والقانونية، بجامعة أكسفورد، إيجنيو قالياردوني تحدّث عن منتديات التواصل الاجتماعي والتحريض على الكراهية، حيث كثيراً ما ينطلق خطاب الكراهية من هذا الفضاء الخاص، وضرب مثلاً من كينيا، ما بعد الانتخابات (2007 – 2008) حيث انطلقت موجة شديدة من العنف، أودت بحياة 1300 شخص، وتهجير 600 ألف آخرين، وقد لعب في ذلك أحد المذيعين دوراً كبيراً في ذلك، وقدم بعدها إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاسبته على جناياته.

تعزيز التسامح

واحترام التعددية

وتمركزت جلسات اليوم الثاني (السبت 18 أكتوبر)، على الآليات العملية لتعزيز التسامح وحماية التعددية. فناقشت مسئولة الشئون السياسية بمكتب الوقاية من الإبادة الجماعية سيمونا كروتشياني، إلى أي مدى يمكن أن تساهم التحولات بالمنطقة في التغيير أو زيادة الكراهية، بعدما شهدت زيادة كبيرة في حرية التعبير بداية 2011، إلا أن تقارير مؤسسات مثل «فريدوم هاوس» أشارت إلى تراجعات لاحقاً، إلى جانب وجود 110 قنوات إسلامية كثيرٌ منها متورط في خطاب التحريض على الكراهية، وقد صدرت عدة تقارير مؤخراً تحذر من تصاعد هذا الخطاب.

مدير مكتب شمال إفريقيا والشرق الأوسط في «منظمة كومون غراوند» الباحث أبوالمحاسن فاسي الفهري، تطرق لما يمكن عمله لتطبيق نهج قائم على حقوق الإنسان لمكافحة التحريض على الكراهية، والاعتبارات السياسية والاجتماعية التي يجب أخذها بالاعتبار عند تنفيذ هكذا نهج، وقال: «رغم أن تونس مجتمع منفتح، إلا أن خطاب الكراهية بدأ بالتصاعد، وأصبح معدل الخطابات التي تدعو للعنف والكراهية واضحاً في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى»، مثلاً 23 في المئة من الحوارات المتلفزة، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي. وأشار إلى أن النزاع ظاهرة مرتبطة بحياتنا، أما الكراهية فليست كذلك. وأوضح أن وسائل الإعلام إذا لاحظت أن البرامج الداعية إلى التسامح لا تروّج لمنتجاتها، فإنها تلجأ إلى البرامج الجدلية التي تبث الخلافات وتحرّض على الكراهية.

رجال الإعلام والجزيرة

الكاتب الأردني وليد حسني، صاحب كتاب «إني أكرهك»، الذي يتناول تنامي ظاهرة الطائفية في العالم العربي، أشار في مداخلته إلى استبيان حديث، كشف أن 94 في المئة من المشاركين يؤكدون وجود خطاب كراهية في بلده (الأردن).

من لبنان، أشارت مديرة جمعية «مهارات» التي تُعنى بحرية الإعلام والتعبير، إلى أنها استاءت حين سألها رجل الأمن عند دخولها المطار: من أي طائفة أنت؟ فأجابته: أنا مواطنة لبنانية. وأضافت: هناك إمكانات هائلة تستثمر في بث الكراهية والحروب بينما الإمكانات المستخدمة نشر التسامح أقل بكثير... فالكلمة تقتل.

الكلمة الأكثر إثارة للجدل، كانت من نصيب مندوب قناة «الجزيرة»، هذه القناة المثيرة للجدل، فبعد أن طرح مندوبها للملتقى كلمته عن «منع إفلات قتلة الصحافيين من العقاب»، تعرض لهجوم جماعي من عدة أطراف لما أجمعوا عليه من دور سيئ في تأجيج الصراعات الطائفية. فمن سورية ضرب أحد الناشطين مثلين على توجه القناة آيدلوجياً، الأول حين دعت قوى الثورة إلى «جمعة الدولة المدنية» في أحد الأسابيع، لم تتبناها الجزيرة وروجت محلها جمعة أحفاد خالد، والثاني حين خرجت مظاهرات في السلمية التي يسكنها علويون ضد النظام السوري، وقتل فيها نساء وأطفال، وتجاهلت الجزيرة إيراد الخبر.

من ليبيا هاج أحد المشاركين «الجزيرة» زاعماً بأن القناة لا تنقل الحقيقة بشأن ما يجري في ليبيا، و»أصبحت غير مرغوب فيها لدى كثير من الليبيين لأنها كانت أحد الأسباب فيما يعاني منه الليبيون خصوصاً في الفترة الأخيرة» حسب تعبيره. أما الهجوم الأخير فجاء من صحافي جزائري، حين قال: «من يحارب الكراهية هو الذي يتعرض للكراهية اليوم». وانتقد القناة على مساهمتها في إشاعة خطاب الكراهية، معتبراً أن من الخطأ إعطاؤها فرصةً لتلميع صورتها.

كان هناك إجماع واضح من المشاركين على انتقاد «الجزيرة» ودورها المنحاز والسلبي في أحداث الربيع العربي. وقد أفلتت «العربية» من الانتقادات التي حضر عنها مندوبان أيضاً، ربما لعدم تقديمهما مشاركة رسمية قد تتسبب باتهامهما بتلميع القناة.

العدد 4430 - الخميس 23 أكتوبر 2014م الموافق 29 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:45 ص

      خطاب الكراهية

      عندنا وعندهم خيرات وبركات خصوصا يوم الجمعة حيث يكيلون الشتائم لنصف ابناء الشعب البحريني والكل ساكت عنهم.

اقرأ ايضاً