العدد 4434 - الإثنين 27 أكتوبر 2014م الموافق 04 محرم 1436هـ

بسلاح الانتخاب يهزم التونسيّون الإرهاب

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

بعيونٍ حالمةٍ ملؤها الأمل، وأخرى يسكنها الترقب والخوف، كتب التونسيون يوم الأحد 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، صفحةً أخرى من صفحات التحضّر والديمقراطية التي يستحقونها منذ عقود. فقد توجّه أكثر من 60 % من المسجلين إراديّاً في القوائم الانتخابية إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب أول برلمان تونسيّ، وكأنهم يستجيبون لإرادة أجدادهم الذين خرجوا في مظاهرة 9 أبريل/ نيسان 1938 الحاشدة ضدّ الاستعمار الفرنسي، والتي رفعوا فيها شعار «برلمان تونسي»، حيث لم يكن هدفهم فقط الاستقلال، وإنّما كانوا يحلمون بامتلاك إرادتهم وتحديث مؤسّسات الحكم وبناء أسس الدولة الحديثة والعصريّة.

ولادة برلمان تونسي من رحم إرادة الشعب الحقيقية إثر هذه الانتخابات، التي يكاد يجمع أغلب الملاحظين والمراقبين المحليين والدوليين على نزاهتها، والتي لا تخلو كأي انتخابات في العالم من خروقات يقدّرها المراقبون إلى حدّ الآن بغير المخلة ولا المؤثرة، ولادة برلمان تونسيّ إذاً، هو أولى المؤسسات الدائمة بعد مرحلة الحكم الانتقالي التي شابها الكثير من التوتّر.

ولئن كانت العودة إلى الماضي ضروريّةً لتفادي الأخطاء التي وقع فيها الجميع بعد الثورة وإلى حين ولادة هذا البرلمان، فإنّ النظر إلى اللحظة الراهنة وإلى المستقبل بعيون واقعية مهمّ ومهمّ جداً أيضاً.

أمّا الماضي فلا أعني أكثر من السنوات الأربع الماضية، فقد مرّت البلاد باهتزازات عنيفة، وعرفت الحياة السياسيّة أزمات خانقة كادت تعصفُ بمكاسب الثورة وتجهض أحلام التونسيين في الحريّة والانتقال الديمقراطي. وقد غلّب التونسيون صوت الحكمة والعقل، وأظهروا وعياً شديداً بضرورة رفض الفوضى وعدم الذهاب إلى المجهول، وتَجاوزَ الفرقاء السياسيون الاعتبارات الحزبية الضيقة وغلبوا مصلحة الوطن وواصلوا بناء النموذج التونسي الفريد في الثورة والانتقال الديمقراطي تحت شعار «التعدديّة والتوافق والتعايش ورفض الإقصاء والانتقام والانتصار للوحدة الوطنيّة».

وأمّا اللحظة الراهنة فهي لحظة فارقة. لحظة ولادة عسيرة لهذا البرلمان، لحظة تعلن حقاً ولادة جمهورية ثانية؛ هذا البرلمان الذي جاء في ظروف مغايرة لما كان عليه الأمر في انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011؛ هذا البرلمان أكّد مرّةً أخرى إرادة الشعب التونسي الذي خرج متحدياً تهديدات بعض الإرهابيين في إفساد هذه المحطة الانتخابية؛ حيث صرّحت إحدى الكتائب الإرهابية بنيتها وتخطيطها للقيام بأعمال إرهابية من شأنها تعطيل الإنتخابات. غير أنّ إجابة التونسيين كانت أقوى من سلاح الإرهاب، لأنها اعتمدت سلاح الانتخاب، وآمنت ووثقت في قدرة المؤسسة الأمنية ورجال الجيش التونسي في تأمين هذه الانتخابات وهو ما حصل.

إنّ المشهد الانتخابيّ اختلف تماماً هذه المرة؛ فلم يعد لحزب واحد السيطرة المطلقة ولا أغلبية الأصوات، حيث تشير الحملة الانتخابية خلال الأسابيع الثلاثة السابقة للانتخابات أنّ حزبَيْ النهضة ونداء تونس كانا الأكثر تنظيماً وقدرةً على تعبئة الشوارع والميادين التي أقاموا فيها حملاتهم الانتخابية. ثمّ ومع بزوغ فجر يوم الاثنين (27 أكتوبر 2014) بدأت النتائج الأوليّة غير الرسمية تؤكد التنافس الشديد بين الحزبين، وهو ما يعد بولادة قطبين سياسيين قد يتفقان على تشكيل حكومة مشتركة وقد يتحالف الفائز منهم مع الأحزاب القريبة منه، ويبقى الآخر في المعارضة، ولكن الأكيد أنهما سيتحمّلان مسئولية البلاد في السنوات الخمس المقبلة.

وأمّا المستقبل، فإن الحكومة التي ستنبثق عن هذا البرلمان ستكون إزاء تحديات مختلفة عن سابقاتها في السنوات الأربع الماضية؛ فهذه الحكومة وبفضل ما يعطيها الدستور الجديد من صلاحيات واسعة، ستعمل على المدى القريب والمتوسط لتحقيق أهداف الثورة، ولكنها ستعمل تحت رقابة برلمان أيضاً له من القوة في المحاسبة والمساءلة ما للبرلمانات العتيدة في الدول الديمقراطية.

إن الحكومة الجديدة ستقف أمام حزمةٍ من التحديات، ليس أقلّها التحدي الاقتصادي/ الاجتماعي: السبب الرئيس للثورة التونسية؛ فلا تزال نسب البطالة مرتفعةً بين شبابٍ بدا يدبّ فيه الإحباط، ولا تزال العديد من المناطق الداخلية تشكو النقص في البنية التحتية والمشاريع التي من شأنها أن تنهض بتلك الجهات.

كما وأنّ التحدّي الأمني يبقى على رأس الأولويات، فمجابهة الإرهاب والقضاء عليه لن يكون من المهمات اليسيرة؛ خصوصاً أنه لايزال أمامه فرصة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي نرجو أن تتمّ في أحسن الظروف حتى يتيقّن هؤلاء أنْ لا مكان لهم في تونس، وأنّ الشعب لا يريد بديلاً غير صناديق الانتخاب لمواجهة الإرهاب.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4434 - الإثنين 27 أكتوبر 2014م الموافق 04 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:52 ص

      مبروك ولادة تونس من رحم الخوف من المجهول

      يحقّ لنا ان نفخر بما انجزه الشعب التونسي يكفي أنّه قصد مكاتب الاقتراع متجاهلا حملات التخويف من أيّة اعمال إرهابيّة قد تستهدف حياة البعض. عيوننا صوب مستقبل نرومه محققا لامال البسطاء من هذا الشعب ويوحد طموحاته وتطلّعاته

    • زائر 8 | 12:31 ص

      هذا هو الشعب التونسي

      يوما بعد يوم تنضج التجربة التونسية

    • زائر 7 | 4:12 م

      الشعب التونسي

      شعب راقي ومثقف ويستحق كل الخير ولقد اثبت هذا الشعب مدى نضجه السياسي كل التوفيق لتونس الخضراء والى الامام

    • زائر 6 | 4:10 م

      التوافق

      كلمة سواء اجتمع عليها التوانسة فنجوا بأنفسهم
      فطوبى لهم

    • زائر 4 | 6:52 ص

      مهم جدا

      ولئن كانت العودة إلى الماضي ضروريّةً لتفادي الأخطاء التي وقع فيها الجميع بعد الثورة وإلى حين ولادة هذا البرلمان، فإنّ النظر إلى اللحظة الراهنة وإلى المستقبل بعيون واقعية مهمّ ومهمّ جداً أيضاً.

    • زائر 3 | 4:23 ص

      لحظة ولادة عسيرة

      لكنها ولادة حقيقة وكما قال الدكتور منارة أمل للجميع

    • زائر 2 | 1:45 ص

      بسلاح الانتخاب يهزم التونسيّون الإرهاب

      نرجو لتونس العزيزة التوفيق

    • زائر 1 | 12:39 ص

      فعلا التحدي الحقيقي

      وأنّ التحدّي الأمني يبقى على رأس الأولويات، فمجابهة الإرهاب والقضاء عليه لن يكون من المهمات اليسيرة؛ خصوصاً أنه لايزال أمامه فرصة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي نرجو أن تتمّ في أحسن الظروف حتى يتيقّن هؤلاء أنْ لا مكان لهم في تونس، وأنّ الشعب لا يريد بديلاً غير صناديق الانتخاب لمواجهة الإرهاب.

اقرأ ايضاً